أردوغان في ضيافة بوتين: تحول سياسي في زمن قياسي!

كتب: دويتشه فيله الإثنين 08-08-2016 16:47

اختار الرئيس التركي روسيا أول محطة خارجية له عقب الانقلاب الفاشل.

ولقاء أردوغان مع بوتين ينهي فترة جمود في العلاقات بين البلدين نتجت عن إسقاط تركيا لطائرة روسية مقاتلة.

بيد أن وتيرة التقارب بينهما فاجأت الخبراء.

استمر البرود في العلاقة بين روسيا وتركيا حوالي سبعة أشهر، أما الدفء الذي حل عليها فعمره بالكاد ستة أسابيع. وعندما يتوجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثلاثاء (التاسع من أغسطس) إلى روسيا ويلتقي مع «صديقه» فلاديمير بوتين، سيقوم الاثنان بعملية تحول بمقدار 180 درجة.

وبالنسبة لأردوغان، فستكون هذه نهاية لمرحلة صعبة مرّ بها «السلطان»، وستكون النهاية تحديدا، في موطن بوتين، مدينة سانت بطرسبرغ.

بدأ التنازل في أواخر يونيو حين أرسل أردوغان رسالة إلى بوتين، أعرب فيها عن أسفه لقيام سلاح الجو التركي بإسقاط مقاتلة روسية من طراز «سوخوي 24» على الحدود التركية السورية في 24 نوفمبر عام 2015.

كما اعتذر أردوغان أيضا لأسر الضحايا.

إسقاط الطائرة، الذي نتج عنه مقتل طيار روسي كان على متنها، أدى إلى برود لم يسبق له مثيل في العلاقات بين بوتين وأردوغان، اللذين كان حتى ذلك الوقت شريكين حميمين.

وردَّت روسيا عبر جملة من الخطوات من بينها فرض حظر على واردات الغذاء التركية وإلغاء جميع الرحلات الجوية (تشارتر) لقضاء العطلات في تركيا، والتي تحظى بشعبية لدى ملايين الروس.

وإضافة إلى ذلك، جمدت موسكو مشروعين رئيسيين هما: بناء خط أنابيب الغاز عبر البحر الأسود ومحطة للطاقة النووية. والآن سيقرر بوتين وأردوغان شخصيا مصير هذه المشاريع. دعم روسي بعد الانقلاب الفاشل التقارب يثير الدهشة أكثر عند النظر إلى الطريقة التي تعامل بها الجانبان مع بعضهما البعض حتى قبل وقت قصير.

فقد أكد أردوغان بعد إسقاط المقاتلة الروسية أن بلاده لن تتسامح مع أي انتهاكات للحدود.

وفي الأسابيع التي سبقت ذلك احتجت أنقرة مرارا وتكرارا بأن مقاتلات روسية انتهكت المجال الجوي التركي عند الحدود مع سوريا.

وفي الغرب، تزايد القلق من احتمال وقوع نزاع عسكري بين روسيا وتركيا العضو بحلف شمال الأطلسي.

ووصف بوتين إسقاط الطائرة بأنه «طعنة في الظهر». ووجه إهانة للقيادة التركية في خطاب ألقاه في أوائل ديسمبر عام 2015 عندما قال «إن الله قد قرر معاقبة الزمرة الحاكمة في تركيا فأفقدها صوابها».

وبالإضافة إلى ذلك، اتهمت موسكو القيادة التركية بالمشاركة في صفقات نفطية مع تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) الإرهابي، وقام التليفزيون الروسي الرسمي يوميا تقريبا بمهاجمة أردوغان.

بل إنه حتى كان هناك نائب يميني متطرف معروف في البرلمان اقترح إسقاط قنبلة نووية على مضيق البوسفور، لكي «تمحو» مدينة إسطنبول التركية من الوجود. لكن الغضب الروسي هو ما تم محوه على ما يبدو منذ عدة أسابيع. فبعد أيام فقط من رسالته إلى بوتين اتصل أردوغان هاتفيا مرة أخرى بالرئيس الروسي.

واتفقا على أن يلتقيا شخصيا، وهو ما سيحدث الآن. وبالإضافة إلى ذلك، رفع بوتين الحظر المفروض على الرحلات الجوية «تشارتر» إلى تركيا.

ومنذ نهاية يوليو يتدفق السياح الروس من جديد على الشواطئ التركية. وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة، كانت هناك مكالمة أخرى، وهذه المرة بمبادرة من موسكو، في أقوى دعم روسي للرئيس التركي.

أنقرة تلبي شروط موسكو هذا «التقلب في العلاقات الروسية التركية» يمكن أن يبلبل أفكار حتى المراقبين ذوي الخبرة، حسب ما كتب خبير السياسة الخارجية الروسي فيودور لوكيانوف، في مقال صحفي.

وقال رئيس تحرير مجلة روسيا في السياسة العالمية: «إذا لزم الأمر، فإن أشد الكلمات يمكن نسيانها بسهولة».

ويقول مراقبون روس إن هذا التحول في العلاقة أصبح ممكنا لأسباب من بينها تقديم الجانب التركي اعتذاراً رسمياً، إضافة إلى تلبية شرطين آخرين من شروط موسكو بشكل جزئي على الأقل، وهما أن العسكريين الأتراك المسؤولين عن إسقاط المقاتلة الروسية قابعون في السجن.

علاوة على ذلك، فإن أنقرة أظهرت وبشكل واضح استعدادها للحديث عن تقديم تعويضات عن إسقاط الطائرة. تقارب يواجه عقبات ويعتقد خبراء روس أن التطورات الحالية في تركيا تدفع البلاد الآن بقوة في اتجاه موسكو.

والمقصود هنا هي الانتقادات من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والغرب كلية لكبح أردوغان للديمقراطية بعد الانقلاب الفاشل.

بل إن روسيا يمكن أن تصبح داعما جديدا لتركيا، يقول فيكتور ناديين- رايفسكي، من المعهد الروسي للدراسات السياسية والاجتماعية في منطقة البحر الأسود ومنطقة بحر قزوين.

«في الآونة الأخيرة، كان هناك حديث عن عضوية تركيا في منظمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الاقتصادية الأوروبي الآسيوي وفي كلتا المنظمتين فإن روسيا هي القوة الدافعة»، حسب ما قال ناديين- رايفسكي لـ DW.

ويعتقد ناديين- رايفسكي أن العلاقات الاقتصادية الروسية- التركية يمكن أن تعود بشكل «سريع نسبيا» إلى سابق عهدها. وفي المقابل فإن التقارب السياسي سيكون أكثر صعوبة. وأكد الخبير الروسي أن «المشكلة الرئيسية هي سوريا». فتركيا تريد تغيير النظام في دمشق، في حين تدعم روسيا الرئيس السوري بشار الأسد عسكريا أيضا.