من المسؤول عن تصدير الغاز لإسرائيل؟.. وهل من حق مصر تعليق الاتفاقية من جانب واحد؟ ما حقيقة استبدال بند تصدير البترول فى «كامب ديفيد» بتصدير الغاز.. وهل تلزمنا الاتفاقية بتصدير سلعة معينة؟متى بدأت مفاوضات التصدير؟ ولماذا رفضت تل أبيب الاستيراد من مصر فى البداية؟ على أى أساس تم التسعير؟. وهل هى اتفاقية «سياسية» أم اقتصادية؟ أسئلة محيرة طرحناها على خبراء ومراقبين ومسؤولين عن اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل، وجاءت الإجابات أكثر إثارة للحيرة والشك. حاولنا أن نقترب أكثر من سيناريوهات التعامل مع إسرائيل فى المرحلة المقبلة ليس فيما يتعلق بملف الغاز وحسب، إنما فى معاهدة السلام وما يمكن تعديله فيها وفرص الفوز فى التحكيم الدولى إذا ما تم اللجوء إليه.. آخذين فى الاعتبار شهادة اللواء عمر سليمان فى تحقيقات النيابة بأن قرار تصدير الغاز هو قرار رئاسى، حيث قرر الرئيس السابق استبدال تصدير البترول بالغاز لحاجة البلاد له ومدى صلاحية هذا القرار من الناحية القانونية. وتوالت المفاجآت، ففى الوقت الذى حملت فيه الاتفاقية توقيع سامح فهمى كان الدكتور حمدى البنبى وزير البترول الأسبق هو مهندس الاتفاقية. وفى الوقت الذى أكد لنا فيه البعض صعوبة فسخ الاتفاقية وضع لنا خبراء آخرون سيناريوهات للفسخ وأخرى للتعديل دون تعريضنا لمخالفة القانون الدولى.. وإلى الحلقة الثانية من الملف.
السفير محمد بسيونى:معاهدة السلام بريئة من أى ميزات اقتصادية لإسرائيل
يرفض البعض اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل ويراها ضد مصلحة الأمن القومى المصرى، إلا أن السفير محمد بسيونى يقول: إن الاتفاقيات من هذا النوع تحصل أولا وقبل إبرامها على موافقة جهاز الأمن القومى.. الذى أكد أنه وافق على اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل وأنها لا تضر بمصلحة الوطن!! بل وأضاف أن الأمن القومى المصرى بمفهومه الواسع لا يمكن حصره فى اتفاقية اقتصادية هنا أو هناك بل هو تركيبة سياسية اقتصادية أمنية اجتماعية لا يمكن فصل أحد أجزائها عن الآخر، وأشار فى هذا الحوار إلى أن بند الترتيبات الأمنية فى معاهدة السلام يمكن تعديله بالجلوس مع إسرائيل إلى طاولة المفاوضات أما البند الاقتصادى والتجارى فلم تحصل فيه إسرائيل على أى ميزة، وإن كان هناك ميزات فى السياسات فلا علاقة لها بما ورد فى معاهدة السلام وإلى نص الحوار..
■ ما رأيك فيما قيل عن أن اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل ألحقت بمعاهدة السلام لتدخل أمريكا كضامن لها؟
- لا يوجد شىء اسمه اتفاقية ألحقت باتفاقية ولا العكس، فمعاهدة السلام لا يوجد فيها أى بند يشير إلى اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل، فهذا البروتوكول وقع عام 2005 بينما معاهدة السلام وقعت عام 1979، ولم يكن هناك أى إشارة إلى الغاز ولكن كان هناك إشارة للبترول على أساس أنه تعامل تجارى.
والبترول حسب علمى توقف تصديره لإسرائيل عام 2006، وكان الموضوع تجارياً صرفاً وكنا نبيعه بسعر السوق.
■ بمعرفتك الجيدة بالجانب الإسرائيلى هل يمكن بسهولة تقبلهم لتعديل أو فسخ الاتفاقية معهم؟
- المجلس الأعلى للقوات المسلحة المنوط به إدارة البلد الآن ووزير الخارجية السابق نبيل العربى قالا إن مصر تحترم تعهداتها الدولية والاتفاقيات الموقعة التى دخلت حيز التنفيذ، إذن هذا هو الموقف الرسمى للدولة وقضى الأمر.
■ ما رأيك فى القول بأن الاتفاقية تضر بالأمن القومى المصرى؟
- صدقينى لا يوجد مشروع فى مصر من هذا النوع يتم إلا بموافقة جهاز الأمن القومى وبعد أن يقولوا إن هذا المشروع لا يضر بالأمن القومى، والمهم هو مصلحة مصر.
■ وأين مصلحة مصر؟
- الفيصل فى هذا الأمر هو هل العلاقات التجارية مع إسرائيل تحقق لى مصلحة أم لا؟ على كل المستويات فأمن مصر القومى له أبعاد كثيرة، أبعاد سياسية وأخرى اقتصادية وأمنية واجتماعية وإذا تحدثنا عن الأمن القومى المصرى لا يمكن حصره فى موضوع تجارى وانتزاعه من سياقه فقط، بل يجب تحقيق الأمن القومى بأبعاده المختلفة.
■ وهل الأمن القومى يتطلب أن أبيع الغاز لإسرائيل بأقل من سعر تكلفته؟
- بالطبع لا.. وهذا أمر آخر فأنا لا أقبل أن نعطى إسرائيل الغاز بأقل من السعر العالمى بل ومصر لن تقبل بهذا الوضع، والآن يوجد مباحثات لتعديل السعر ليعادل السعر العالمى.
■ وماذا لو تعنتت إسرائيل فى المفاوضات؟
- إذا كان السعر محدداً فى الاتفاقية تحل الأزمة بالتفاوض ولا أعتقد أن إسرائيل ستتعنت مادام هذا هو السعر العالمى.. (واستطرد السفير بسيونى قائلاً: وعلى أى حال مفتاح الغاز عندى).
■ وماذا لو أغلقنا أنابيب ضخ الغاز من جانبنا ألن يعرضنا ذلك لخسائر لو احتكمت إسرائيل للتحكيم الدولى؟
- لو أن لإسرائيل حقاً ستكسب القضية ولكن لن يكون لها حق لأن السعر مجحف.
■ لكن من الممكن أن يقولوا لنا إنه السعر المحدد فى الاتفاقية حتى ولو كان مجحفاً؟
- السعر محدد فى الاتفاقية فى توقيت معين وظرف زمنى مختلف.
■ فى رأيك لماذا وضع مدى زمنى 20 عاماً لهذه الاتفاقية وهل هو أمر له سوابق فى الاتفاقيات الثنائية؟
- الاتفاقيات التى تتم من هذا النوع تكون طويلة الأمد لأنها تأخذ فى الاعتبار أن البنية التحتية لمشروع كهذا تتكلف كثيرا فالخطوط والأنابيب التى يتم توصيلها لنقل الغاز تتكلف مليارات فلا يعقل أن تتكلف جهة مليارات لتستورد غازاً لعامين أو ثلاثة.
■ لنعد إلى معاهدة السلام المصرية ما رأيك فى تصريح بعض مرشحى الرئاسة باستعدادهم لإلغائها إذا ما أراد الشعب ذلك؟
- لماذا تلغى إذا كانت حققت لى مكاسب ضخمة أولها انسحاب إسرئيل من 60 ألف كيلو متر مربع، تفكيك كل المستوطنات فى سيناء، عودة كل حقول البترول الموجودة فى سيناء لمصر وبدء التنمية والاستثمارات فى مصر بعد أن كان يخصص جزء كبير من الدخل القومى للمجهود الحربى.. أرجو عند التحدث عن هذه الملفات أن تؤخذ مصلحة مصر فى الاعتبار الأول.
■ على الأقل هل يمكن إعادة التفاوض حول بعض بنود اتفاقية السلام؟
- البند الرابع من المادة الرابعة من معاهدة السلام ينص على أن «يتم بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر فى الترتيبات الأمنية المنصوص عليها فى المعاهدة وتعديلها باتفاق الطرفين». إذن الأمر ممكن ولكن بالجلوس إلى مائدة المفاوضات.
■ وماذا عن تعديل بند العلاقات الاقتصادية؟
- الملحق الثالث من معاهدة السلام ينص على إقامة علاقات اقتصادية طبيعية بين الأطراف، ووفقا لهذا فقد اتفق على أن هذه العلاقات سوف تشمل مبيعات تجارية عادية من البترول من مصر إلى إسرائيل وأن يكون من حق إسرائيل الكامل التقدم بعطاءات لشراء البترول المصرى والذى لا تحتاجه مصر لاستهلاكها المحلى وأن تنظر مصر والشركات التى لها حق استثمار بترولها بالعطاءات المقدمة من إسرائيل على نفس الأسس والشروط المطبقة على مقدمى العطاءات الآخرين لهذا البترول.
وأضاف بسيونى قائلاً:
هذا يعنى عدم وجود أى شىء يميز إسرائيل عن أى دولة أخرى تطلب البترول، ومن ثم التأكيد على أنها علاقات تجارية طبيعية.. أما اذا كان حدث شىء آخر فهذا له علاقة بالسياسات التى اتبعت وليس خطأ المعاهدة.
اللواء زكريا حسين:بندا التعاون الاقتصادى والتجارى فى «معاهدة السلام» غير ملزمين لمصر
اللواء أركان حرب زكريا حسين، أحد أعضاء لجنة مفاوضات «كامب ديفيد»، رئيس هيئة البحوث العسكرية، مدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا السابق- حسم، فى هذا الحوار، عدة أمور أولها أنه لا يوجد ملاحق سرية لاتفاقية السلام مع إسرائيل، وثانيها أن كل صيغ الاتفاقية، فيما يخص العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية، ليست إلزامية على الإطلاق.. وإلى نص الحوار:
■ باعتبارك أحد المفاوضين أثناء صياغة معاهدة السلام بيننا وبين إسرائيل.. دعنى أسألك فى البداية: هل يوجد بنود سرية فى معاهدة السلام؟
- لا.. على الإطلاق، كل البنود معلنة ومنشورة، وما أستدل به معك الآن فى هذا الحوار هو نسخة أصلية لـ«معاهدة السلام»، والنص الرسمى الخاص بالولايات المتحدة الأمريكية، الذى حصلت عليه باعتبارى عضوا فى المفاوضات.
■ وهل النص الأصلى به أى صيغ إلزامية غير موجودة فى النسخ الأخرى للمعاهدة؟
- لا.. على الإطلاق، فكل من إطار «كامب ديفيد» و«معاهدة السلام» ينص على أن يدخل الطرفان فى أقرب وقت ممكن وفى موعد أقصاه 6 أشهر بعد إتمام الانسحاب المرحلى لعقد اتفاق تجارة، يستهدف إنماء العلاقات الاقتصادية ذات النفع المتبادل بينهما. أى أن الاتفاقية لا تلزمنا بشىء، بل يفترض، وفقا لهذا النص، ألا أجرى أى علاقات تجارية لا تحقق لى النفع.
■ بدأت بعد الثورة تتزايد المطالبات بإعادة النظر فى بند الترتيبات الأمنية، وحجم قواتنا فى سيناء، فالبعض يرى الأمر مستغرباً أن تكون سيناء جزءاً من مصرنا العزيزة، فى حين لا نملك وضع أعداد من القوات المسلحة تتلاءم مع مخاطر الحدود، كأن إرادتنا السياسية على سيناء مسلوبة.. فما تعليقك، فى ظل ما قيل عن موافقة إسرائيل على مراجعة وتعديل هذا البند؟
- دعينى أتحدث معك بشكل علمى وليس سياسياً.. فقد اختلف نمط التهديد فى العالم كله، فى حين مازلنا نحن نفكر بالطريقة نفسها، ونطالب بزيادة أعداد الجيش فى سيناء. هنا أود أن أوضح أنه لو لدى فرقة برية أو اثنتين أو حتى عشره فى سيناء، فلا قيمة لها على الإطلاق، مادام ليست لدى قدرات تدميرية أخرى ذات مستوى رفيع من الصواريخ والمقاتلات والطائرات المدمرة.. ولأوضح ما أقصد، سأذكر لك مثال ما حدث فى عاصفة الصحراء الخاصة بتحرير الكويت، وقد أغارت فيها الولايات المتحدة على العراق والقوات العراقية فى الكويت، خلال مدة 37 يوماً، هى مدة الحرب بما يساوى 109 آلاف طلعة جوية، كل طلعة جوية تتراوح قوتها ما بين 500 وألف طائرة، حجم ما أسقطته الطائرة الواحدة طراز القاذفة 52 من وسائل التدمير 88 ألف طن مفرقعات، أى ما يساوى 4 قنابل نووية، مثل التى ألقيت على ناجازاكى وهيروشيما.. فهل بعد هذا كله تقولين لى بضرورة وجود قوات برية فى سيناء على حدودنا مع إسرائيل..! الميزان انقلب وتغير نمط المعارك، فى حرب «73»، كانت الضربة الجوية التى صعدنا بها إلى السماء طوال السنوات الماضية. عند تحليلها عسكريا نجد أنها قد استغرقت 15 دقيقة بـ237 طائرة، وكلها طائرات مستهلكة ومن مخلفات الحرب العالمية الثانية، بعدها حدث ضرب جوى صاروخى لمدة 55 دقيقة بالمدفعيات والصواريخ، ثم دخلت القوات البرية وهاجمت على الأرض لمدة 3 أسابيع، وكانت متمثلة فى 5 فرق مشاة و2 فرقة مدرعة، وفى هذا الوقت كانت القوات البرية هى عمود المعركة وكل ما عداها يسمى قوات معاونة، أما الآن فالموضوع انقلب وأصبحت القوة التدميرية الجوية و الصاروخية هى الأساس فى حسم المعركة، ثم تدخل القوات البرية كهدف تال فقط «لتأخذ الأرض» وهنا أرد على الذين يقولون بأن أعداد القوات الموجودة فى سيناء غير كافية –وهذا على مسؤوليتى- بأن حجم القوات البرية الحالى الموجود فى سيناء مضاعف لما كان عليه قبل هزيمة «67» وقتما كانت سيناء فى أيدينا وغير محتلة.
لا يمكن أن تستنفر القوات المسلحة فى أى دولة بنسبة 100%، ولا أن تضع دولة قواتها المسلحة بشكل دائم فى المواقع المهددة أو المتوقع الاعتداء عليها. الوضع نفسه ينطبق على إسرائيل، فهى تعتمد على 20 % فقط من حجم قواتها العسكرية فى التأمين و80% من القوة تستدعى بالتعبئة، ولا تلجأ إلى هذه الخطوة إلا إذا كانت هناك نية حقيقة لإدارة الصراع.
الخبير الاقتصادى د. عبدالخالق فاروق:أطالب الحكومة بتنفيذ الخطة «شبح» للضغط على إسرائيل وتعديل سعر الغاز
الخبير الاقتصادى الدكتور عبدالخالق فاروق، الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية فى الاقتصاد والقانون، بدا متحمسا لفكرة اللعب مع إسرائيل بالألعاب التى يفهمونها دون توريط المجلس العسكرى فى موقف سياسى ليس مستعدا له الآن، فاقترح تطبيق الخطة «شبح» للضغط على إسرائيل، كما اقترح عمل حملات مكثفة لكسب الرأى العام العالمى فى صف قضيتنا، وهى تعديل كل الاتفاقيات الدولية المجحفة لمصر لأنها وقعت من قبل مجموعة فاسدة.. ورفض فاروق أى أحاديث تقال عن ربط تصدير الغاز لإسرائيل بالأمن القومى بل اعتبرها تهديدا طويل الأجل لأمن مصر.. وإلى نص الحوار:
■ دكتور فاروق، قيل لى من مصدر أمنى رفض ذكر اسمه إن سبب توقيع اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل هو أمنى بالدرجة الأولى؟
- هذا كلام عبثى لأنه لا يوجد دولة فى العالم تضع مصيرها فى يد مصدر واحد للطاقة، فما بالك بدولة إسرائيل، إسرائيل لا تأخذ غازا من مصر فقط وإنما لديها بدائل ولديها خطوط اضافية، ولك أن تتصورى أن إسرائيل كانت تصدر الغاز المصرى لدول أخرى بالسعر العالمى وتحقق من ورائه أرباحاً طائلة، وهذه كانت إحدى فضائح هذه الاتفاقية.
ولو أن هذه النظرية صحيحة قولى لى ماذا فعلت إسرائيل إزاء قطع الغاز عنها طوال الفترة الماضية بعد تدمير الأنابيب فى العريش! كيف أدارت إسرئيل مصانعها ومحطاتها؟ إسرائيل لديها بدائل حاضرة تلبى احتياجاتها قد تكون قليلة الكفاءة والجودة ولكنها تلبى الحاجة لحين إيجاد بدائل أخرى.
■ وهل لديك تفسير لموافقة كثير من أجهزة الدولة على الاتفاقية؟
- أولا مطلوب إجراء عمليات تطهير فوراً للأجهزة التى وافقت على الاتفاقية، إذا كنا حريصين على أمننا القومى، فمثل هذه الأجهزة جرى تحريفها عن مسارها الطبيعى خاصة بعد «كامب ديفيد»، ثم زاد الأمر بعد مسار الرئيس السابق حسنى مبارك وتحالفه الفج والمباشر مع إسرائيل.
■ إذن أنت تريد التعامل مع تصدير الغاز لإسرائيل بالمنطق التجارى؟
- موضوع الغاز لكونه سلعة استراتيجية لا يمكن التعامل معه من منظور تجارى بحت، حتى الدول الكبرى تفعل ذلك، فعندما أجريت روسيا اتفاقية طويلة الأجل مع دول الاتحاد الأوروبى من عشرين سنة كان يعتبر ذلك إحدى وسائل الضغط المتوقعة فى إدارة العلاقات بين الاتحاد السوفيتى أو روسيا فيما بعد ودول الاتحاد الأوروبى، ولكن لأن الوضع فى العلاقات بينهما مختلف نوعيا عن طبيعة العلاقات بين مصر وإسرائيل، لذا كان يجب أن يكون التعامل أيضا مختلفاً نوعيا، لأن مشروع إسرائيل مازال قلقاً فى محيطه، وبالتالى دعمه بعناصر الاستقرار هو تهديد طويل الأجل على الأمن القومى المصرى، حتى ولو كانت هناك اتفاقية سلام تربطنى بإسرائيل، المفروض أن أضعها فى الحدود الدنيا للتعامل، ولا أعظم مساحة الدعم لإسرائيل سواء بنفط أو بغاز.
■ ولكن سبق أن تنازلنا فيما يخص تصدير البترول لإسرائيل فى عهد السادات؟
- التنازل المصرى فى موضوع النفط تم لمحاولة تليين الموقف الإسرائيلى للخروج من سيناء، أى كان ذلك فى إطار محاولة إجلاء القوات الإسرائيلية عن سيناء، بعد ذلك تخلصت مصر من هذا التعاقد التجارى السياسى، ولم تكن به ميزة تفضيلية لإسرائيل، لا فى الكميات ولا فى النوعيات، وقد تخلصنا بذلك بدواعى احتياجنا الداخلى له.
■ ولكن السيد عمر سليمان قال فى نص التحقيقات إننا أوقفنا البترول الذى هو ضمن اتفاقية السلام لحاجتنا له واستبدلناه بالغاز بقرار من مبارك لنظل ملتزمين بالاتفاقية؟
- لا، هذا كذب.. البترول لم يكن جزءاً من صفقة كامب ديفيد، إنما هو جزء من تسهيلات التسريع وتليين موقف مناحم بيجن وقتها للانسحاب من سيناء، فهو جزء من الملاحق التى توضح أشكال التعاون الاقتصادى والتجارى، ولم يكن ملزماً، ولم يكن منصوصاً عليه فى الاتفاقية، وهذا الاتفاق لم يكن مربوطاً مباشرة بكامب ديفيد.
■ فى رأيك لو صح ما قاله الأستاذ هيكل بشأن مذكرة تفاهم مشتركة بين مصر وإسرائيل تربط بين اتفاقية الغاز وكامب ديفيد هل كان المقصود إصباغ حالة الإلزام على الاتفاقية؟
- ما أشار إليه الأستاذ هيكل كلام خطير، فقبل توقيع الاتفاقية تم التوقيع على ما يسمى مذكرة تفاهم بين وزير البترول السابق سامح فهمى ووزير الصناعة والتجارة الإسرائيلى، حيث تم إدخال جملة كامب ديفيد ومعاهدة السلام لتقييد مصر بها، ولتكون مذكرة تفاهم بين البلدين لها صفة الإلزام وذات طابع سياسى.. بعدها تم التعاقد بين هيئة البترول وشركة غاز شرق المتوسط على الاتفاقية، لمزيد من التقييد قام حسين سالم ببيع حوالى 35% من حصته فى الشركة لشركة ميرهاف الإسرائيلية المملوكة للشريك موسى ميمان، وحصة بنسبة 25% للشركة التايلندية، وثالثة أمريكية، بعدما كان حصل على قرض من البنك الأهلى بقيمة 550 مليون دولار لعمل البنية التحتية لعمل خط الأنابيب، وهذا يعنى أنه لم يدفع مليماً من جيبه، إنما مد الخط بأموالنا وودائعنا فى البنك الأهلى، وفور بدء عمل الإمدادات والضخ بدأ حسين سالم يبيع حصته شيئا فشيئا، حتى يضفى على العقد الصفة الدولية ليكون مقيدة لمصر، وهذ هو الخطير فى الأمر.
وهى نفس اللعبة التى مارسها من قبل فى شركات ميدور ومعامل التكرير، حيث باع حصته لشركاء إسرائيليين ووضع مصر فى ورطة، حيث أجبروا البنك الأهلى أيام رئاسة محمود عبدالعزيز على شراء أسهم حسين سالم بثلاثة أضعاف قيمته وقد كتب عن هذا الفساد الكاتب الراحل مجدى مهنا ثلاث مقالات، ثم أجبروا البنك الأهلى مرة ثانية على شراء أسهم الطرف الإسرائيلى بثلاثة أضعاف السعر أيضا حيث حقق الطرفان أرباحا طائلة، وهو ما يعد عمليات غسيل أموال واضحة، ينشئون الشركة وفور أن تبدأ أعمالها ينسحبون ويدخلون أطرافاً أجنبية لتقييد مصر وتضطر مصر إلى التصرف بما يخالف التعاقد الأصلى نظرا لوجود أطراف أجنبية.
■ إذن فرصنا فى وجود هذه الأطراف الأجنبية صعب إذا ما قررنا عدم الالتزام بالاتفاقية؟
- هذا يتوقف على هل يوجد نص فى الاتفاقية يتعلق بالتحكيم أم لا، ولأن حسين سالم باع لأطراف أجنبية فهم سيستظلون بالاتفاقية الدولية لحماية الاستثمار وسيرفعون دعاوى على الجانب المصرى إذا ما أخلت بالتعاقد وهو ما يضع الإدارة المصرية فى مأزق.
■ أليس لدينا أى حلول؟
- طبعا لدينا حلول أولها أننا فى حالة ثورة وفى حالات الثورات وارد أن يحدث تجاوزات فى تطبيق الاتفاقيات والتعاقدات من أطراف غير معروفة، كأن يقوم متمردون بتكسير خطوط الضخ مثلا، وقتها لا يمكن إلزام مصر بالتعاقدات نظرا لظروفها السياسية، تماما كما حدث فى نهر النيجر عندما قام المتمردون بتكسير محطات الكهرباء، كان من الصعب الرجوع على الحكومة بالتعويض.
■ ولكن حدث ذلك بالفعل وسارعت الحكومة إلى إصلاح الأنابيب وإعادة ضخ الغاز إلى إسرائيل؟
- يجب على الحكومة المصرية وفقا للقانون الدولى إصلاح التلفيات، ولكن من الممكن بعدها بعدة أيام حدوث تفجير فى مكان آخر والمبرر لدينا «نحن فى حالة ثورة ويصعب السيطرة على الأمور»، وهنا يصعب الرجوع على الحكومة بالإخلال بالاتفاقية.. وهذا نموذج لكيفية اللعب مع العدو ولنسمها «الخطة شبح»، وهناك نماذج كثيرة للحلول إذا ما توافرت الرؤية الاستراتيجية لدى الحكومة، ويمكن بهذه الطريقة على سبيل المثال لا الحصر أن أضغط على الحكومة الإسرائيلية وشركة غاز شرق المتوسط بإعادة النظر فى السعر لأنه معتمد على الغاز المصرى بنسبة 40%.
■ يوجد دول أخرى مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا أخذوا الغاز بنفس السعر فكيف أدير التفاوض معهم؟
- يمكن ذلك عن طريق ثلاثة محاور أولها أن أستخدم الهالة الموجودة حول الثورة فى الخارج، والترابطات بين الشباب المصرى والأجنبى وتعاطفهم مع الثورة كما يمكن استغلال المجتمع المدنى فى خلق رأى عام عالمى لمساندة مصر فى إعادة النظر فى التعاقدات التى كان يحكمها الفساد ونهب الثورة المصرية، وما فيها من غبن شديد، ونطلب من الرأى العام الأوروبى مساندتنا فى الطلبات التى تتقدم بها وزارتا الخارجية والبترول لرفع السعر، وبالتالى نأخذ مشروعية سياسية وأخلاقية وسط الرأى العام الأوروبى، ثانيا يفترض أن يقوم وزير الخارجية إذا ما كان نشطاً ولديه رؤية استراتيجية بإدارة هذا الملف بشكل تفاوضى جيد، ثالثا أن نستغل حرص دول الاتحاد الأوروبى على عدم خروج الجانب المصرى من تحت جناح وطوع السياسة الأوروبية والأمريكية- كما يظنون- فيما يتعلق بتوازنات المنطقة فى المرحلة المقبلة.
■ كيف تفسر موقف حكومة شرف وتصريح المجلس العسكرى الصريح باحترام تعهداتنا؟
- عصام شرف رجل شريف ومخلص ولكنه عديم الخبرة والرؤية السياسية، وهو فى هذه الحالة أصبح عبئا على الثورة المصرية، لأنه يتعامل مع الملفات يوما بيوم أما موقف المجلس العسكرى فهو أكثر حصافة لأنه يحاول تجنب الدخول فى تفاوضات أو أى لقاءات رسمية مع الطرف الإسرائيلى وهو محق فى ذلك.
■ لو افترضنا أننا أغلقنا الغاز عن إسرائيل وأنهينا التعاقد البعض يقول بأن تكلفة عمل أنابيب جديدة لا تمر بإسرائيل لمد الغاز للأردن سيتكلف مليارات؟
- هذا كلام يقصد به التخويف، فحجم التكلفة ليس مليارات فحسين سالم اقترض 550 مليون دولار من البنك الأهلى وأخذ ما يقرب من 200 مليون دولار أخرى من بعض المؤسسات المالية والبنوك العربية لمد هذه الأنابيب، فالخط بالكامل لايزيد حجم تكلفته عن 750 مليون دولار.
■ إذن ما هو البديل؟
- أنتقل الى خط ثان يصل من العريش إلى نويبع على البحر الأحمر إلى العقبة ثم يخرج خط آخر إلى سوريا ولبنان.
■ ولكن لا تنسى أننا لدينا قيد كبير وهو مدة الـخمسة عشر عاماً المتبقية من مدة العقد؟
- وإن كنت أرى أن مصر لم تكن مطالبة بعمل هذا التوسع فى التصدير لتزايد الاحتياجات المحلية للغاز، فالتعاقد الذى تم مع الأردن وإسرائيل تحديدا أدى إلى أن محطات توليد الكهرباء كانت تحصل على 85% من احتياجاتها من الغاز الطبيعى، والذى نقص إلى 68%، لذا اضطررنا إلى استيراد مازوت بـألف ومئتى مليون دولار ووقفت المليون وحدة حرارية من المازوت علينا بـ12 دولاراً فى حين نصدر نحن الغاز لإسرائيل والأردن بـ3 دولارات.