بدأت الجماعة تسير نحو النهاية مع تولى مهدى عاكف منصب المرشد العام للإخوان فى يناير ٢٠٠٤..
فقد كان الرجل يفتقد العقلية الاستراتيجية والمنهجية العلمية فى التفكير، فضلا عن قدراته المتواضعة فى التخطيط والتنظيم والإدارة..
وللحقيقة، كان الرجل يعلم حدود إمكاناته وقدراته، لذلك عندما اجتمع أعضاء مكتب الإرشاد (عقب وفاة المأمون الهضيبى وقبل مواراة جثمانه الثرى) لاختيار واحد منهم كى يكون مرشدا، عرض عاكف عليهم استثناءه (ومن بلغ عمره الـ ٧٥ عاما) من الترشح، لكنهم رفضوا اقتراحه وأصروا على بقائه.. أجرى التصويت ٣ مرات، وفى المرة الثالثة، كان الاختيار بين عاكف وبينى، وما كنت لأعطى صوتى لنفسى، بل أعطيته له، لذا جاءت النتيجة ٧ أصوات له و٦ لى.. أصاب «عاكف» الذهول، كما أصاب بعضا ممن كان موجودا، إذ لم يتخيلوا ولو للحظة أن الرجل سوف يصبح مرشدا..
وخلال ٦ سنوات، ارتكب «عاكف» أخطاء قاتلة، شارك فيها بنصيب وشارك الآخرون من أعضاء مكتب الإرشاد بنصيب، لذا، لا يمكن - إنصافا - تحميل الرجل وحده وزر التدهور الذى آل إليه حال الجماعة.. وجاء الدكتور بديع فى يناير ٢٠١٠، ولم يكن بالقدرة التى تمكّنه من تصحيح الوضع المتردى لها.. وقامت ثورة ٢٥ يناير، وإذا بالجماعة تسعى للصعود إلى قمة هرم السلطة فى مصر.. ساعتها، لم تسأل الجماعة نفسها؛ هل لديها رؤية سياسية استراتيجية تلائم طبيعة المرحلة المقبلة عليها، خاصة بعد ثورة يتطلع فيها الشعب لتحقيق آماله وأحلامه فى الحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، علاوة على مشكلات التعليم، والصحة، والإسكان، والنقل والمواصلات.. إلخ، فضلا عن تهميش دور مصر المحورى، إقليميا ودوليا؟ وهل لديها استشراف مستقبلى حال وصولها للرئاسة لما سوف تكون عليه الجماعة وحزبها، من حيث بقائهما على نفس النمط والحال التقليدى، أو تطورهما بما يلائم الأوضاع الجديدة، شكلا، وحركة، وتنظيما، وأهدافا، وقانونا؟ وهل لديها تصور واضح عما سوف تكون عليه إدارة دولة بوزن وحجم مصر، وشكل العلاقة بين الجماعة ومؤسسات الدولة، وبين رئاسة الدولة والقوى السياسية، وقدرة الجماعة وحزبها على التواصل مع أطراف الجماعة الوطنية؟ الواقع يؤكد أن الجماعة لم تسأل نفسها هذه الأسئلة، ومن هنا كانت الحيرة والاضطراب والارتباك والإرباك، ومن ثم الفشل والسقوط.. فى بحثه القيم «تشخيصات ووصايا للحركات الإسلامية المعاصرة» (النقد الذاتى للحركة الإسلامية)، يقول حتحوت: «ليس من اهتمامات الحركة الإسلامية أن تنظر نظرة علمية تحليلية دارسة إلى حركات إسلامية سابقة لترى أين أخطأت وكيف داست على الألغام التى وضعت لها فى طريقها، وكيف كان من الممكن أن تتقى وتستنبط من ذلك هاديا ليومها وغدها..
وحتى لا تكون الحركة الإسلامية موجات من الفراش تندفع مجذوبة لبريق النار فيكون من نصيبها الاحتراق.. موجة إثر موجة.. وإذا كان هذا مقبولا فى عالم الفراش فليس مقبولا فى عالم البشر.. إن الاكتفاء باتخاذ موقف المعصوم الذى لم يخطئ أو موقف الحتمية فيما كان، فليس فى الإمكان إلا ما كان، يحرم الإسلام من الاستفادة من التجارب، كما يحرم الجماعة من التخطيط السليم للمستقبل».. إن الجماعة فى حاجة - اليوم قبل الغد - إلى إعادة النظر فى بنائها الفكرى والتنظيمى والحركى، علاوة على الأهداف والوسائل والآليات، فضلا عن الوضع القانونى فى مستقبل الأيام.. هى فى أمس الحاجة إلى تقويم مسارها ومسيرتها، خاصة بعد تماهيها مع فصائل العنف، وانعكاس ذلك على الأحداث، سواء أثناء وجودها فى السلطة، أو بعد ثورة الشعب عليها فى ٣٠ يونيو والإطاحة بها فى ٣ يوليو.. كما يجب أن تتضمن عملية التقويم علاقتها بالإدارة الأمريكية ومن يدور فى فلكها، كالاتحاد الأوروبى وتركيا وقطر، وكيف أنها كانت - ولا تزال - ألعوبة فى يد هؤلاء..