يوما بعد يوم نتأكد أننا لن نتطور، كما يجب.. أو كما نحلم. وهنا ليس هناك إلا نتائج المرحلة الاولى من مكتب تنسيق طلبة الثانوية العامة.. فما زال شبابنا- أو النسبة الأكبر منهم- غافلين، غارقين فى أوهام ما نطلق عليه كليات القمة.. رغم انحسار بريق كل هذه الكليات.. وغموض مستقبل خريجيها.. وبذلك تتزايد أعداد العاطلين بين الخريجين.. بسبب التخمة الموجودة والخلل بين عدد الخريجين.. وما تحتاجه سوق العمل الفعلى.. أو ربما نجد من شبابنا من يزال يعيش عصر الوهم الكبير، الذى «قد» يراه البعض هو الافضل أمام شبابنا.. وإليكم الظواهر.. والأسباب.
فى المقدمة – بالنسبة لطلبة القسم العلمى – تأتى كلية البترول والمعادن فى مدينة السويس.. إذ تصدرت رغبات الشباب نتائج المرحلة الاولى بنسبة 99%.. بينما مصر دخلت بالفعل فى عصر القحط البترولى – بالنسبة لزيت البترول – وكذلك قطاع الغاز، سواء خرج مصاحباً لزيت البترول من بئر واحدة.. أو من غاز طبيعى يخرج أساسيا من البئر.. وبه أيضا بعض المتكثفات.. وبذلك تحولنا من دولة منتجة ومصدرة لزيت البترول – من سنوات – إلى دولة مستوردة للزيت، على الاقل لتشغيل معامل تكرير البترول المصرية على البحر الأحمر، أو المتوسط، أو فى أسيوط. وهنا نذكر بكل التقدير ما بذله الكيميائى عبد الهادى قنديل عندما كان وزيرا للبترول.. بأن نجح فى إطالة عمر زيت البترول فى مصر التى كان احتياطيها من الزيت قد قارب على الانتهاء، ولكنه نجح فى إطالة عمر هذا الاحتياطى حتى إن مصر – أيامه – كانت تشارك فى مؤتمرات بترولية – مع دول الاوبيك – وبالذات مع الدول غير الاعضاء فى أوبيك للسيطرة وحسن إدارة سوق البترول.. وحضرت خلال هذة الفترة مؤتمرات منها فى جنيف وفى فيينا.. كما نجح فى زيادة إنتاجية الحقول الصغيرة.. وأدخل مصر فى عصر إنتاج وتصدير الغاز.
وفى هذه الفترة – أيامها – زاد الطلب على دارسى وخريجى كلية البترول هذه، وأيضا للدراسة بقسم هندسة البترول فى كلية هندسة جامعة القاهرة.. فضلاً عن تزايد الطلب على المصريين ليعملوا فى دول الخليج البترولية.. ولكن كان يجب أن يتنبه شبابنا إلى انحسار الإنتاج المصرى للغاز والبترول وبالتالى انخفاض الطلب على خريجيها. تماما كما انخفض حجم الطلب على المصريين– فى دول الخليج وليبيا والجزائر – وبالذات بعد زيادة سياسة توطين العمل فى هذه الدول.. أى تفضيلهم لأبنائهم.
ولكننا لم نستوعب هذا أو ذاك. وظل التقدم إلى هذه الدراسات كبيراً.. حتى الان. والدليل أن شبابنا فى المرحلة الاولى للتنسيق ما زالوا يفضلون الدراسة البترولية.. والمضحك المبكى فى نفس الوقت أن العديد من الجامعات الخاصة، بعد أن شاهدت إقبال الشباب على هذه الدراسة البترولية، اندفعت فى فتح كليات أو أقسام لدراسة البترول. وربما يكون الإعلان عن اكتشافات الغاز فى المياه الاقتصادية المصرية «حقل ظهر» مثلاً ساعد على استمرار هذا التيار.. ولكن عدد المقبولين يفوق الطلب على الخرجيين: محليا.. وإقليمياً.. أليس هذا نوعاً من تأخر التفكير؟.
■ ونفس الشىء فى المتقدمين للالتحاق بكليات الطب بأنواعها.. إذ نجد الحد الادنى وقف عند 98.8%.. وكذلك كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى سمح مجموع الشباب بالقبول بها.. وتقبل شباب القسم الأدبى وبحد أدنى هو 97.7%. فى هذه الكلية الام، وفى كل كليات توفر نفس الدراسات والعلوم السياسية فى جامعات الإسكندرية والسويس وبنى سويف وأيضاً هذا كله شجع الجامعات الخاصة على توفير هذه الدراسات.. وربما يكون حلم الرجل الدبلوماسى – وكذلك الفتيات – هو الذى يحرك أحلام الشباب.. ولكن يجب أن نتحرك وفق احتياجات السوق.. وإلا سنجد طوابير طويلة من العاطلين فى كل هذه التخصصات.. لأن طاقة استيعاب السوق تكاد تكون قد تشبعت.
■ أيضا نفس المشكلة فى قطاع الإعلام.. فقد انكمش عدد المطلوبين فى سوق الإذاعة.. كما انكمش عدد المطلوبين فى مجالات التليفزيون وتشبعت كل القنوات بما تحتاجه.. ولكن البعض ما زال يحلم بالنجومية.. والظهور على الشاشة.. ونسى الكل أن التليفزيون ليس فقط نجوماً.. وقد يكون الإغراء المادى هو الذى يحرك شبابنا.. بسبب ما ينشر عن الملايين التى يكسبها النجوم الكبار.. ونسوا أن من يكسبون الملايين– فى الفن والتليفزيون – قليلو العدد.
■ ولكن من يقرأ.. ومن يتعلم.. وهنا يأتى دور الدولة فى تحديد عدد المقبولين، حسب حاجة كل سوق.. وجاء الوقت الذى يجب أن تفطم الدولة فيه شبابها.. لأن العاطلين يصبحون عبئاً كبيراً على هذه الدولة نفسها.