الزمالك وهوان الكرامة واغتصاب حقوق الإنسان

أسامة خليل الأربعاء 03-08-2016 21:42

«أخيراً يبدو أن رئيس نادى الزمالك تناسى أننى لست لاعباً مصرياً سأسمع إهانتى وأتجاوز عنها، أنا لاعب محترف أحمل جواز سفر (دبلوماسى) لدولة بوركينا فاسو، وعليه سأتخذ كافة الإجراءات لحفظ حقوقى ضد تجاوزات رئيس النادى الأخيرة وتعديه باللفظ على شخصى وعلى والدتى وعلى بلادى».

بهذه الكلمات، اختتم اللاعب البوركينى «كوفى» بيانه للرد على اتهامات مسؤولى الزمالك، وعلى قدر قوة البيان فى المعلومات الدامغة وصياغته القوية على قدر ما جاءت نهايته صادمة ومفزعة وكاشفة لحجم المهانة والهوان التى يعيشها لاعبو الزمالك وأجهزته الفنية، فى ظل تعسف وعنف وقسوة الإدارة الحالية.

وعندما أقول إن الكلمات التى ختم بها «كوفى» بيانه قاسية ومفزعة ومهينة فإننى أقصد بالتحديد قوله: «لست لاعباً مصرياً أسمع إهانتى وأتجاوز عنها»، ما يعنى أن هناك لاعبين تُهان كرامتهم ويصمتون ويتجاوزون عنها تحت ضغط الخوف أو الرعب أو الحرص على أكل العيش، أو غيرها من الأسباب التى تدفع الإنسان لتقبل الإهانة أمام أهله وأسرته وزوجته وأبنائه وأبيه وأمه وجماهيره، دون أن يثأر لكرامته أو يرد الظلم عن نفسه.

وأنا هنا لن أتحدث عن غياب القانون والحق والعدل.. فالواضح مما سأذكره أنه لا يوجد قانون أو عدل، ولكننى أريد أن أتحدث عن «حقوق الإنسان»، تلك الحقوق التى أقرها العالم فى وثيقة وُقعت عام 1948، والتى لم يصل نبؤها حتى الآن لإدارة الزمالك، وهى الوثيقة التى وافق عليها جميع دول العالم، وتكفل فى أغلب نصوصها حق الإنسان فى حياة تصون كرامته وآدميته، وذكرت صراحة، فى بندين منها، ما يؤكد هذا المفهوم الراقى فى التعامل مع البشر بعضهم البعض، حيث تنص، فى مادتها الخامسة: «لا يُعرض أى إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة». وتؤكد نفس المعنى، ولكن بشكل أدق، فى نص المادة الثانية عشرة بأنه «لا يُعرض أحد لتدخل تعسفى فى حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق فى حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات».

والنص الأخير عندما تقرؤه تشعر بأنه تم تفصيله على لاعبى الزمالك وأجهزته الفنية المتعاقبة، وكأن العالم فى عام 48 كان سيعلم ما سيحدث فى الزمالك عام 2016، وأن العاملين فيه من لاعبين وأجهزة فنية متعاقبة سيتعرضون لأبشع أنواع التعذيب النفسى والمعنوى، حيث التشهير بالشرف والسمعة والطعن فى الحياة الخاصة والأسرة، فكلام «كوفى» أيقظنى وكان مثل اللكمة فى الصدر أو اللطمة على الوجه دفعتنى للعودة والتيقن والتذكر ماذا حدث لكل مَن عمل فى نادى الزمالك ولم يحالفه التوفيق أو حالفه التوفيق ولكنه لم يسجد شكراً للإدارة، فوجدت أن الزمالك أهدر كرامة وآدمية عشرات من النجوم والمدربين وشهَّر بهم، وأوجز لكم بعض الكلمات والتصريحات المسجلة فى برامج تليفزيونية، والتى مازالت متداولة على «يوتيوب»، والتى أطلقها مسؤول زملكاوى، وفيها إهانة للكرامة الإنسانية تدفعنا جميعاً لأن ننحنى خجلاً أننا نعيش فى مجتمع يُهان فيه البشر بهذا الشكل:

باسم مرسى: «ورحمة أمى الغالية يا ولد هرجعك تانى بالشبشب بتاعك، ورحمة أمى وأمك هرجعك لاعب مغمور تانى زى ما كنت أنا جايبك من الشارع».

عبدالواحد السيد: «إيه الواد الخرم ده اللى عاوز فلوسه، إنت واخد 18 مليون جنيه من النادى، ده انت فضيحة يا عبدالواحد انت فضيحة، إنت ناسى المصايب اللى انا طلعتك انت واخوك منها، إنت نسيت نفسك ولَّا إيه؟! انت خرم».

ميدو: «أقسم بالله يا ميدو هخلى أصغر عيل عندى فى ميت غمر يضربك بالخرزانة على مؤخرتك عشان يفوقك انت يا ولد بتتكلم عن سيدك انت يا خدام (....) يا سافل يا قليل الأدب هضربك بالجزمة على دماغك ودماغ أبوك، أنا أملك انى أخليك ماتنزلش من بيتك لمدة سنة انت وابوك، إنت ناسى تاريخك؟! إنت هربت من الزمالك وانت لسة عيل.. أحمد اللى مش عاجبك جزمته برقبتك، على الأقل مش بيسكر زيك، انت بتقول على.. بيه يا كلب يا جزمة قديمة.. دا انا جزمتى بدماغك انت وابوك، أنا هرَبِّيك، أبوك معرفش يربيك وباعك وانت صغير»، (وكلام أكثر إهانة أتعفف عن أن أزعج به القارئ)!

حازم إمام (الكبير): «أنا عملت عزاء ابوه عشان هو شغال فى النادى يا حازم يا كداب، العزاء اتكلف 350 ألف جنيه».

عمر جابر: «مين الولد ده أصلا؟! مين المكسح ده اللى كل شوية يقول غيرونى؟! إنت يا ولد منتمى لجماعة إرهابية مسلحة، أقسم بالله مش هتلمس كورة فى الزمالك ولا فى أى نادى فى العالم.. (اللاعب المكسح باعه الزمالك هذا الموسم لبازل السويسرى مقابل مليون و650 ألف يورو)».

شيكابالا: «إنت بطلت كورة، بقالك سنتين مالمستش كورة، وسمعتك الكروية كانت سيئة، وعندنا لعِّيبة أدك 100 مرة ويتفوقوا عليك بمراحل».

محمد إبراهيم: «بالنسبة للى قاله الولد اللى اسمه محمد إبراهيم ان هو من الألتراس، هذا المجرم الجبان كان لازم يمشى من الزمالك».

محمد حلمى: «عايز تقع ملكش مليم عندى، واللى حاسس انه فاشل وعايز يمشى يمشى، أنا مابمَشِّيش حد».

كوفى: «لاعب متمرد هربان وكداب ومزور جواز سفر.. لا وحياة امك انت وبوركينا فاسو».

«فيريرا» (الفائز ببطولتى الدورى والكأس): «مدرب فاشل، أنا بقول اهو المدرب بتاعنا فاشل فاشل ومش بيعرف يدير الماتشات الكبيرة، إنت راجل فاشل ومدرب مجنون وغبى ومجر، طول الليل بيسكر فى الماريوت على حساب نادى الزمالك».

هذه بعض الأمثلة أو العناوين العريضة وقليل من الإهانات الكثيرة التى تعرض لها العاملون فى الزمالك، والتى دفعت «كوفى» لاحترام نفسه والهروب من الحياة اللا آدمية والظروف القهرية البشعة التى يعيشها، وكتب كلمته الصعبة بأنه ليس «لاعباً مصرياً» حتى يسمع إهانته وإهانة والدته ويصمت.

والآن وفى ظل غياب القانون والعدل وفى مجتمع لا يتوقف ولو بنظرة استعجاب عند إهانة شخص، ما بالك إذا كان نجما وقدوة فى تصرفاته للأطفال والشباب، فإننى لم أعد ألوم على مَن يهين ويهدر حقوق الإنسان وكرامته، ولكننى ألوم على هؤلاء النجوم الذين يقبلون على أنفسهم هذه الإهانات من أجل مال أو شهرة أو خوف من ضياع رزق.

وسأحكى لهم قصة حقيقية تكشف كيف أن العفة وعزة النفس والاعتداد بالكرامة يجزى الله صاحبها:

فقبل ثلاثة أيام، كتب صديقى محمد فوزى، رئيس تحرير جريدة التحرير الورقية والإلكترونية، على صفحته فى «فيس بوك»، يحكى قصة حدثت له أثناء وجوده فى مستشفى أبوالريش: «لقيت ست غلبانة شايلة طفل، وماسكه فى إيدها اتنين، لابسين هدوم بسيطة جدا وباين عليهم البؤس، وواقفة بتعيط وتبص للسما وتقول: يا رب..

قرَّبت من الست وانا بقول لنفسى بالتأكيد الست دى متسولة ومختارة المكان ده، لأنها عارفة المعاناة اللى الناس بتمر بيها، الست لا نادت علىَّ ولا حتى بصت ناحيتى، روحت لها: بتعيطى ليه؟ ماردتش. محتاجة فلوس؟ ردت: لا. طب بتعيطى ليه؟ مسحت دموعها بكم جلابيتها، وحكت: أنا من بنى سويف وولادى التلاتة تعبانين وبقالى شهر دايخة آجى يوم من أول النهار لآخره، ويوم اشتغل فى أى بيت عشان ألاقى أجرة الطريق، طب وفين جوزك؟ سألتها: مات.

كان من الصعب أن تدخل بـ«التلات أطفال» لأن الضغط على المستشفى كبير، ولجأ (فوزى)- كما حكى- لصديق سارع بالحضور لمساعدة السيدة، فيقول: عزمت عليها نقعد على قهوة جنب المستشفى لحد ما زميلى يوصل، طلبت لها شاى رفضت، قولتلها طب أى حاجة، برضو رفضت. قمت جبت للعيال عصير وبسكويت رفضت برضو، وطلَّعت كيس بلاستيك اسود فيه عصير وسندوتشات وقَعَدت تأكل العيال وتضحك فى وشهم وتغنى لهم، والعيال تاكل وتضحك.

ثم وصل صديقه واصطحب السيدة من عيادة لأخرى بالمستشفى حتى وقع الطبيب لإدخال الأطفال الثلاثة: عرضت على الست أى فلوس، رفضت برضو، وقالت لى: هروح البلد يوم واجى يوم والولد الكبير هيخلى باله من اخواته. (بالمناسبة الولد الكبير المريض عنده 7 سنين ونص).

والقصة تشير كيف أن سيدة فقيرة عزيزة النفس تعانى الفقر والحاجة والألم والحزن ترفض أن تتسول أو أن تتخذ من ضائقتها مبرراً للانهزام والانكسار.

ولكن المهم هنا كيف كان جزاء الله لتلك السيدة التى تحمل فى صدرها عزة نفس وكرامة لا أجدهما عند نجوم يملكون الشهرة والملايين، فبعد أقل من نصف الساعة من نشر قصتها تأثرت صديقة لـ«فوزى» بعزة نفس تلك الأم الفقيرة، واتصلت به، وبعد أقل من ساعتين كان الأطفال الثلاثة فى مستشفى دار الفؤاد ليحصلوا على عناية لم تكن فى الأحلام، ولم تطلبها السيدة عزيزة النفس من أحد، ولكن الله كافأها من حيث لا تدرى ولا تحتسب، والأكثر من ذلك وفرت لها السيدة كريمة الخلق والإحساس والإنسانية فرصة عمل لتظل بجوار أولادها ولا تتركهم فى المستشفى وتسافر بلدها».

هذه القصة الواقعية أهديها للاعبى الزمالك وأجهزته الفنية والعاملين فى أى مكان على وجه هذا البلد وهؤلاء الذين يقبلون الإهانات ويهدرون كرامتهم وعزة نفسهم، خوفاً من انتقام شخص أو حرصاً على رزق!

ويقول الشاعر:

«ليس مَن مات فاستراح بميت

إنما الميت ميت الأحياء

وهو الذليل المهان..»

وأقول: «كن عزيز النفس وسلم أمرك لله وسيجازيك خيراً».

.............

آه بالحق يا زمالك.. هو ستانلى راح فين؟ فين؟ فين!