أردوغان وجولن.. صراع على السلطة بأيديولوجية مختلفة

كتب: دويتشه فيله الثلاثاء 02-08-2016 09:41

الخلاف بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والداعية فتح الله جولن له أسباب عديدة، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو أيديولوجي. الباحث في المجال التركي جانير أفير يسلط الأضواء على أبرز الاختلافات بين أردوغان وجولن. بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سارع أردوغان إلى اتهام الداعية فتح الله جولن بدعم الانقلابيين، وبالرغم من نفي الأخير فقد طالب أردوغان الولايات المتحدة الأمريكية بتسليمه.

في هذه المقابلة نحاول توضيح سر الخصومة بين الرجلين. DW: سيد أفير، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتهم الداعية فتح الله جولن التي كانت تربطه به صلة وثيقة في السابق بأنه وحركته يقفان وراء محاولة الانقلاب في تركيا، ما أسباب الخلاف بين الرجلين؟ جانير أفير: جولن هو داعية وإمام وعالم، ويتبع خط الداعية السعيدي النورسي وهو واعظ ديني كردي يعود إلى أوائل القرن العشرين، بينما يتبع أردوغان حركة ميلي جورش التي أسسها نجم الدين أربكان في السبعينات، الذي كان يطمح في توليفة تركية إسلامية، ويستند إلى الإسلام السياسي.

وهو ما يعني ببساطة أننا أمام جهتين: جهة أردوغان، وهو محافظ وواقعي، يربط بين الإسلام والقوة السياسية ويتخذها مرجعية ومصدرا، وفي الجهة المقابلة الداعية جولن الذي يملك دوافع أيديولوجية مختلفة. علاوة على ذلك فإن أردوغان أسس سلطته داخل المنطقة التركية، بينما أتباع جولن منتشرون في جميع أنحاء العالم.

وهل هناك تمايز بين مواقف الرجلين في رؤيتهما لدور تركيا؟ نعم، موقف أردوغان يرتكز إلى النظرة المحافظة الوطنية حسب حركة ميلي جورش التي تستند إلى أيديولوجيا لا تتفق مع الجمهورية العلمانية، بينما يقدم جولن نفسه وسيطا بين الثقافة الغربية والإسلامية، حيث ترتكز مواقفه على الجمع بين القيم الغربية والليبرالية الإسلامية.

بالمقابل أردوغان يرتكز على الماضي المجيد للإمبراطورية العثمانية، ويسعى من أجل تركيا قوية، ويجند في سبيل ذلك الخطاب الديني والقومي. هل هناك فروق بين مؤيدي الرجلين؟ كلاهما لديهما شخصية قيادية (كاريزما)، وبينما يتعلق أنصار أردوغان به بصفته رجل سياسي، يقف أنصار جولن معه من جانب أيديولوجي. جولن يضم في حركته أنصارا مخلصين له، وعلى مر السنين نمت شعبيته لأسباب، منها انخراط الحركة في الأعمال الخيرية. وقدم جولن فرصا للأطفال الفقراء من أجل التعلم.

لذلك فإن معظم أنصاره هم من أوساط الحركة التعليمية الدينية. أردوغان بالمقابل خاطب في أول عام له في السلطة الجمهور المحافظ دينيا، كما خاطب أيضا الجمهور الليبرالي التواق للديمقراطية. ودعم أردوغان السكان الأكثر فقرا، وبالتالي وسع من جمهوره الانتخابي. وحاليا يقف المتدينون والقوميون الأتراك إلى جانب أردوغان. في نظر جولن ينبغي أولا بناء المدارس ومن ثم المساجد. أما أردوغان فيرى عكس ذلك، ففي نظره المساجد أكثر أهمية من المدارس.

جولن له معتقد خاص به، فهو لا يريد تحديث الدين وتكييفه مع العصر الحالي، وإنما يسعى إلى شرعنة العلم عن طريق القرآن وتبريره. وبالنسبة لأردوغان فالتعليم يعلب دورا ثانويا، وقلقه الأساسي ينصب على تعبئة الجماهير وراءه وتعزيز قوته. هل هناك أسباب تاريخية للخلاف بين الطرفين؟ أبرز اختلاف بين الطرفين يظهر في مواقفهما من الانقلابات التي حدثت في تركيا. فبينما دعم جولن الانقلاب الذي حصل في الثمانينيات، كان أردوغان وحركته من ضحاياه.

فبسبب ميولهما الأيديولوجية، بقيا في تلك الفترة بعيدين عن النظام. جولن يمثل ظاهريا فكرا أكثر ليبرالية ويقدم تفسيرا يأخذ منحى غربيا للإسلام، في حين يطمح أردوغان بدلا من ذلك لتأسيس قوة على الطراز العثماني. وللمرة الأولى تفاقمت الخلافات خلال الاحتجاجات التي حصلت ضد أردوغان في حديقة غازي، قرب ميدان تقسيم في إسطنبول، حيث لقي بعض المتظاهرين مصرعهم، من بينهم أيضا أنصار جولن، نتيجة القمع الوحشي للاحتجاجات من قبل الشرطة.

ويعتقد خبراء أن هذه الاحتجاجات شكلت بداية للصراع على السلطة في تركيا. وسابقا قام أنصار من جماعة جولن من القضاة والمدعين العامين باختلاق أدلة وهمية من أجل حبس مسؤولين عسكريين كبار مقربين من خط أتاتورك. وساهم ما حدث في تفاقم الوضع، حيث بدا غولن داعما للديمقراطية في حين اتهمته حكومة أردوغان بالتبعية لمخابرات أجنبية ضد تركيا.

كيف ترون تطور الأمور في تركيا بعد الانقلاب وبعد ردة فعل أردوغان؟ التطورات الحالية تثير العديد من التساؤلات حول مستقبل البلاد، حيث تبع محاولة الانقلاب نوع من التوافق الداخلي السياسي، وأحزاب المعرضة وجدت نفسها في محادثات مفتوحة مع الرئاسة، وبدا من الواضح وجود علامات تصالحية.

وانتشر حزب الكمالية الاجتماعي الديمقراطي الجمهوري (حزب الشعب الجمهوري) في ميدان تقسيم للمرة الأولى بعد سبع سنوات، وقدم مذكرة من عشر نقاط، وبدا بالفعل وجود مؤشرات تبين أن سياسة المصالحة ممكنة. وأصبح لأردوغان وحزب الشعب الجمهوري عدو مشترك متمثل بالانقلابيين. ولكن يبدو أن بوادر المصالحة تبددت مجددا؟ ليس تماما، فقد رأينا كيف تمت إقالة صحفيين من عملهم، وإغلاق حوالي مائة مؤسسة إعلامية ودار نشر، بالرغم من أن بينهم لم يكن يمت لحركة جولن بأي صلة.

ويبدو من خلال ذلك كما لو كان أردوغان يحاول أن يغتنم هذه الفرصة لإزالة المعارضين غير المرغوب فيهم، ويسعى لتعزيز سيطرته. ونحن نرى هذا الخطر بكل وضوح ولكن يجب علينا أيضا أن ننتظر لنرى ما إذا كان الانقلاب على المدى المتوسط قادرا على تأمين توافق سياسي داخلي. جانير أفير حائز على درجة الدبلوم في الجغرافيا، تخصص رئيسي جغرافيا سياسية ويعمل في مركز الدراسات التركية وأبحاث الاندماج في ايسن، وهو أيضا باحث في مجال العلاقات التركية الأوروبية.