إلا أموال الأوقاف

عبد الناصر سلامة الإثنين 01-08-2016 20:21

أموال الأوقاف ليست أموال الدولة، هى أموال ناس طيبين، وهبوها يوماً ما للإنفاق على حِفظ وحَفظة القرآن الكريم، وهبوها للإنفاق على العلم والعلماء، للإنفاق على المساجد، على الترميم والصيانة، والإحلال والتجديد، وزارة الأوقاف تدخلت بعد ذلك لتنمية هذه الأموال والأراضى، بالبيع والتأجير وإقامة عمارات سكنية ومشروعات مختلفة، شابها ما شابها من اللغط، ليس ذلك هو الموضوع.

الموضوع هو أن الأنظار تتجه الآن لأموال الأوقاف، البعض يُحرّض على القفز عليها، من خلال الوزير الحالى، فى ظل المرحلة الحالية، أعتقد أن أى دعوى قضائية أمام مجلس الدولة، أو الدستورية العليا، سوف توقف وترفض أى تصرف فى أموال الوقف، لأى سبب كان، سوى الذى تم الوقف عليه منذ البداية، لأن فى ذلك مخالفة لشروط الواقف، لذا يجب ألا يكون الأزهر بمنأى عن ذلك الذى يجرى، على اعتبار أن هذه أموال الشؤون الدينية التى من المفترض أنها اختصاص أصيل للأزهر، بحكم الدستور، وما الأوقاف إلا بمثابة الوصى على الإنفاق والإدارة.

المتعارف عليه شرعاً أن الوصى إذا خان الوصية يتم سحبها منه، ليس ذلك فقط، بل يعاقَب، لذا كان الأولى بالأزهر والأوقاف معاً أن تستقلّا بموازنتيهما، حتى لا تصبحا عُرضة للضغط والابتزاز، بتحديد موضوع الخطبة، ثم تحديد ورقة للخطبة، ثم تحديد من يخطب، أو الاعتراض عليه، ثم التدخل الخارجى فى الترقيات والتعيينات والتدخلات، وما شابه ذلك، وهو الأمر الذى كان يستهدف الوقف الابتعاد عنه منذ البداية.

الجهاز المركزى للمحاسبات، وغيره من الأجهزة، يجب أن تراقب أوجه الإنفاق، لاشك فى ذلك، إلا أن السلطة التنفيذية، ممثلة الحكومة، أو غيرها من المؤسسات، كان لا يجب بأى حال أن تتدخل فى عمل الأزهر أو الأوقاف، إلى الحد الذى جعل منهما إدارتين تتبعان بطريق غير مباشر السلطات الأمنية بمختلف فروعها. سوف نجد أن عدد العلماء والمشايخ والعمائم والأساتذة والخطباء، وحتى مقيمى الشعائر والعمال، الذين يترددون على الأجهزة الأمنية فى اليوم الواحد، أكثر من نظرائهم فى الجهات الحكومية الأخرى، ناهيك عن الأوراق والملفات التى يتم إرسالها إلى هذه الجهات للإفادة بالرأى واتخاذ اللازم، بصفة يومية أيضاً.

كل ذلك نتيجة عدم استقلال الذمة المالية لعلماء الدين، أو الشأن الدينى بصفة عامة، وهو الأمر الذى كان قد فطن إليه الأولون السابقون بتخصيص وقف من أموال المسلمين للإنفاق على شؤونهم الدينية، حتى لا تصبح هذه الشؤون عرضة لأهواء هذا المسؤول أو هذه الجهة، وهو ما يجب أن يعمل الأزهر الآن على تصحيحه، من خلال لجنة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، ووزير الأوقاف، فلسنا فى حاجة أبداً إلى مزيد من شق الصفوف.

أموال الأوقاف، أيها السادة، حال اتجاه النية إلى التصرف فيها، بأى شكل من الأشكال، يجب العودة إلى المتبرعين بها منذ البداية، وإن لم يكونوا على قيد الحياة، وهو الأغلب، فعلينا الرجوع لورثتهم، علينا الرجوع إلى القوانين المنظمة لمثل هذه الأمور، علينا الرجوع إلى مجلس الدولة، التصرف فى مال الوقف لا يكون أبداً بقرار فوقى، أياً كان، لا يكون بالأهواء، وإذا كان هناك فائض فليتم توزيعه على الفقراء والمحتاجين، على مصارف الصدقات الثمانية.

بخلاف حديثنا عن الماضى، وحق المتبرعين فى تنفيذ ما أوصوا به، يجب أيضاً أن نأخذ فى الاعتبار حقوق الأجيال المقبلة، فلا يجب أبداً العمل بمنطق «نحيا اليوم ونموت غداً». من حق الأجيال المقبلة أن تجد وقفاً تنفق منه على الشأن الدينى، على المساجد والعلماء تحديداً، لذا لا يجب أبداً أن تقودنا عمليات التجريف الحاصلة الآن إلى أى شىء وكل شىء، دون دراسات مسبقة، ودون أدنى تفكير فى مستقبل تلك الأجيال.

مصر، أيها السادة، فى حاجة إلى الاستفادة من عقول أبنائها فى كل التخصصات للخروج من عنق الزجاجة مالياً واقتصادياً، فى حاجة إلى خطط تسير بنا إلى الاتجاه الصحيح تنموياً، فى حاجة إلى احترام الآخر أياً كان، وبدء صفحة جديدة من الوفاق، ذلك أن مصادرة هذه الأموال، أو الحجز على تلك، أو الإجهاز على الأخرى.. كل ذلك لا يقيم مجتمعات، كلها حلول وقتية لا تساهم فى تحقيق أى تنمية من أى نوع، وهو الأمر الذى يجعلنا لا نرى فى أموال الأوقاف حلاً من أى نوع، سوى أنها المُسكنات.

هى إذن مهمة علماء الأزهر بالدرجة الأولى، قبل أن تكون مهمة الأوقاف، ذلك أنكم سوف تُسألون عنها كأمانة أمام الله سبحانه وتعالى، فليس من المنطقى أبداً أن تكون مسؤولية عظيمة كهذه من مهام مجموعة موظفين هنا أو هناك، حتى وإن كان يوجد من اللوائح والقوانين ما يمكن أن تشير إلى ذلك، ففى النهاية جميعها من صنع البشر، قابلة لإعادة الصياغة.