«المصري اليوم» ترصُد كواليس ثورة قرية قناوية على تقاليد «الشبْكة»: «نجع الجديدة» ترفع شعار «الستر» قبل «الذهب»

كتب: مي هشام, آلاء عثمان السبت 30-07-2016 20:22

بدأ أبناء نجع الجديدة- مركز نقادة، فى قنا، فى تطبيق إلغاء الذهب فى الزواج، نظرًا لارتفاع أسعار الذهب والغلاء الفاحش الذى يؤثر فى إقبال الشباب على الزواج». هكذا تداولت صفحات مختلفة على «فيسبوك» النبأ من قلب إحدى قرى الصعيد، مصحوبة بصورة فوتوغرافية، تضم مجموعة من كبار شيوخ وشباب القرية يتصافحون بحرارة، بعد انتهائهم من صياغة الاتفاق المشار إليه فى البيان السابق.

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

تفاصيل الاتفاق تضمنت إلغاء طقس شراء الشبكة، أحد أهم التقاليد المصرية المنظمة للزواج، بعد اجتماع ودى جمع أهالى وكبار مشايخ القرية، بعد وصول جرام الذهب من عيار 24 إلى 350 جنيها خلال الأسبوع الماضى، ليقرر الجميع وقف الطقس الاجتماعى الشهير، ترشيدًا لنفقات الزواج، وتيسيرًا على الشباب الذين كانوا طرفًا فاعلًا فى الاتفاق.

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

ورغم أن ارتفاع أسعار الذهب كان السبب الأبرز فى الاتفاق، إلا أنه لم يكن المُحرك الرئيسى للمُبادرة القناوية، إذ كشفت «المصرى اليوم» من خلال زيارة ميدانية لـ«نجع الجديدة»، مهد الثورة على زواج «الأساور الذهبية»، كواليس وتفاصيل المبادرة الحقيقية، وموقف الإرث الاجتماعى لأهالى قنا منها، لتكمل ما سقط من تغطية مواقع التواصل الاجتماعى المفترضة للحدث.

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

تستغرق المسافة ما بين القاهرة ومُحافظة قنا 7 ساعات كاملة على الطريق الصحراوى، تستقبلك بعدها مدينة هادئة تتبعها عشرات القرى الريفية المُتلاصقة والموزعة على مراكز المُحافظة المُختلفة، تهنأ شوارع المدينة بحركة السيارات معتدلة الكثافة، توافد مُستمر فى الشوارع الرئيسية على المحال التجارية، التى يصل إليها متسوقون من شتى أنحاء المُحافظة فى رحلات تبضع، تتميز بعض تلك الرحلات بأجواء خاصة، ملؤها البهجة، حيث تستهدف منطقة الصاغة فى وسط المدينة، تستهدف تلك الرحلات الصاخبة، والتى تُعد من تقاليد المنطقة، شراء «شبكة العروس» ذاك الحدث الجلل والمُنتظر من قبل «ناس العريس وناس العروس» كما يُفضل أن يصفهم، صفوت جرجس، الصائغ بمدينة قنا بلكنته الصعيدية النقية.

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

على مدار ما يزيد على 28 عامًا عمل «صفوت» بمجال الصاغة، ترامت إلى مسامعه الأسبوع الماضى أقاويل عن عزم قرى مركز «نقادة» التخلى عن «الشبكة» بغير رجعة، إلا أن خبرته بمجال عمله تؤكد أن الشائعة غير مرجحة- من وجهة نظره- بل ومُستحيلة التطبيق على أرض الواقع، خاصة إذا ما كان بطلها الرئيسى أهالى الريف، يقول «جرجس» باسترخاء: «القرى أصلا هم اللى بيشتروا الذهب»، ليضع بذلك قاعدة حاكمة للتباين فى أسلوب شراء ذهب العروس بين أهل المدينة المُتمتعة باعتدال كمى يقصر هدية الزواج على «دبلة ومحبس»، وأهالى القرى التى تتخطى فيها «الشبكة» فى أغلب الأحوال حاجز الـ 50 جراما لتتنوع ما بين «أساور وسلاسل» وغيرها.

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

يُرجع الصائغ الأربعينى ما يصفه بـ«عادات مترسخة» لضيق ذات يد أهل المدينة، المُقتصرة أنشطتهم الاقتصادية على العمل بوظائف حكومية تُدر الضرورى من الدخل دون مساحة للرفاهية، عكس القرى- من وجهة نظره- التى تدر فيها الزراعة على أربابها وفير الدخل، لتتراوح فى النهاية فاتورة «الشبكة» ما بين 10 و70 ألف جُنيه حسب المستوى الاقتصادى للعائلة، لذا يستبعد الصائغ خيار ضرب نوبة تغيرات اجتماعية مفاجئة لأرجاء مُحافظته لتهدم تلك العادات ببساطة، ورغم ذلك يطفو على السطح موضوع «إلغاء الشبكة» بمجرد أن تدخل زبونة إلى متجره، تُبدى السيدة إعجابها بالمُبادرة، ودورها المرتقب فى تخفيف أعباء الزواج عن الشباب، بيد أنها سُرعان ما تُنهى الحديث الفرعى وتطلب بوضوح: «شبكة فى حدود 15 ألف لبنتى»، تفسر اختيارها بعدم الانضمام للمبادرة لاحقًا: «دى بنتى الوحيدة ولازم أفرح بيها»، تتهلل ملامح «جرجس» بابتسامة المُنتصر.

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

لأهالى «نجع الجديدة» رؤية مُختلفة عن التغيير، ومفهوم مُغاير لما طرح «جرجس» عن العادات الريفية، خاصة فى قريتهم الواقعة على بعد ما يزيد على 28 كيلو مترا جنوب المدينة، والمُحاطة بمساحات خضراء، تشى بنشاطها الزراعى الرئيس، فضلا عن منازل ريفية بسيطة وأخرى مكونة من طابقين على أقصى تقدير، أمام أحد تلك المنازل يجلس عبدالوارث العبد، كهل ستينى بشوش، مُدير مدرسة بالمعاش، يستعين على التقدم بالعمر بعصا خشبية ونبرة حماس لا تفارق حديثه، ويُفضل بدء الحديث عن المبادرة بقصة تبلغ من العمر 45 عامًا: «سنة 71 كنت مدرس وماهيتى 12 جنيه، دفعت 120 جنيه مهر وماليش صالح، أبو العروسة يجيب كل حاجة»، يؤكد الكهل أن تعاون والد عروس لم يكن استثنائيا، بل نظاما حاكما للزيجات فى القرية منذ عدة عقود، حيث شملت البساطة تفاصيل الزفاف، وشكل التعاون بين الزوج ووالد عروسه سر نجاح الزيجة، دون تكلف أو إرهاق لأحد الأطراف: «زمان كان فى بساطة والناس كانت راضية ببعض». وأن المبادرة تستهدف تخفيض نفقات الزواج وليست أوامر فرضت بقانون.

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

منذ عدة أشهر أقدم «عبدالوارث» على تزويج أحد أبنائه ليعانى ما يصفه «بتغير غير محمود فى عادات القرية»، بلزوم ما لا يُلزم، والإفراط فى الإنفاق دون داع، فعلى سبيل المثال وُضع مبلغ 20 ألف جُنيه كحد أدنى لمصاغ العروس، يتعين على والدها أن يمنحها بدوره القدر ذاته من الذهب قبل الزفاف بلا زيادة أو نقصان، إضافة إلى منزل الزوجية، الذى يجب أن يؤسس بالكامل، إلا أن تكاليف الزواج لا تقتصر على ذلك فى «نجع الجديدة» حيث ينتقل «عبدالوارث» للحديث عن أعباء ذوى العروس بدءا بطقس «الردة» الذى تُرسل فيه الأسرة للزوج المُرتقب أشكالا وألوانا من طيب الطعام والحلوى والخبز بكميات يصفها «عبدالوارث» بالمبالغ فيها، مثل 30 زوجا من الحمام و15 كعكة إفرنجية وشتى ثمار الفاكهة المُزدهرة بالأسواق إبان الزيجة، وتحديدًا بمجرد أن تصل «ناس العروسة» شبكة ابنتهم.

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

يُرسل الزاد نفسه لآل الزوج بمجرد إتمام الزيجة، صبيحة الزواج، ثم ثالث أيامه وأخيرًا سابع أيامه، على ألا يغفل ذوو العروس نصيب عمات وخالات الزوج من الخيرات، حيث يُرسل صندوق من المخبوزات لكل منهن فى كل من المُناسبات سالفة الذكر، يكشف بذلك «عبدالوارث» حجر أساس مُبادرة قريته، وهو تخفيض نفقات الزواج غير الضرورية والتى تُثقل كاهل الآباء والأبناء من الطرفين كاملة: «إحنا عاوزين الاقتصاد فى كل حاجة.. عندنا اخواتنا فى القاهرة بيتجوزوا من غير دهب ولا تالت ولا سابع، إحنا كدا ألعن من القاهرة».

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

فى ضوء فاتورة الزواج الباهظة، نشأت مُبادرة «نجع الجديدة» للحد من نفقات الزواج الباهظة، باقتراح وإصرار من الشباب: «الشباب فكروا فى المُبادرة من 6 أشهر» يشرح «عبداللطيف»، موظف خمسينى بوزارة التربية والتعليم وأحد داعمى مُبادرة الشباب وأيدوها بعد خروجها مؤخرًا للنور فى مُحاولة لرفض عادات وتقاليد مُفتعلة ودخيلة على الصعيد وجدت طريقها لوجدان الأهالى منذ 12 عاما على الأكثر، رُغم ذلك يؤكد أن المجتمع والإعلام أساءا فهم المُبادرة التى لم تنصب فقط على المصاغ بل تستهدف تخفيض شتى نفقات الزواج إلى الحد الأدنى المتفق عليه والمقبول فى نظر أهل القرية، لذا يعد «عبداللطيف» أسبوعا كاملاً كمساحة للنقاش بين أهل القرية رجالا ونساء، كبارا وصغارا خارج قنا وداخلها للاستقرار على التفاصيل بعد وضع الخطوط العريضة.

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

يقول عبداللطيف إن جميع الطبقات الاجتماعية تعانى من أزمة الزواج فقيرة أو غنية، فميسورو الحال يضطر بعضهم لمُنافسة بعض فى المُغالاة فى السلع المُشتراة، أو وزن الذهب وقدر الأطعمة، بينما يُعانى الفقراء فى مُحاولة اللحاق بركب الميزانيات العملاقة، فيضطر الموظف لوهب راتبه كاملاً للزيجة المُقبلة، فيما يلجأ المُزارع للاقتراض من البنك لتغطية النفقات على النحو الشائع، إلا أنه حتى القروض البنكية لا تحل الأزمة كاملة، ولا تقى شباب القرية شر تأخر سن الزواج فيقول عبداللطيف: «أنا لو عندى ولدين، هجوز واحد واللى بعده هيتأخر 4 سنين، أكون شميت نفسى».

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

من وجهة نظر «عبداللطيف» يُعد أحد الأسباب الرئيسة لتفشى ظاهرة الإسراف الدخيلة على القرية هو سفر أبنائها للخارج، وعودتهم بطموحات واسعة، وأموال وفيرة، إضافة لحفنة من السلوكيات الاستهلاكية المُستجدة التى لا تُلائم مُجتمع القرية البسيط بل ومُنافسة بعضهم البعض فى تنفيذها.

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

وعلى الرغم من أن المشايخ والأهالى لم يتوقعوا تنامى الاهتمام بخطوتهم للعودة للتراث المُحبب فى الاقتصاد والتعاون، إلا أن أهالى القرى المُجاورة أُعجبوا بالمُبادرة بل وقاموا بزيارات عدة للقرية ليحذوا حذوها، وذلك بفضل مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك ماخلاش» على حد وصف «عبداللطيف»، إلا أنه يعتبر انتشار المُبادرة بين القرى أمرًا إيجابيا للتخلص من الداء، فضلا عن تماثل العادات والتقاليد بين القرى المتجاورة لتسهيل عمليات المُصاهرة المُستقبلية.

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

لافتة حكومية فحسب هى التى تُشير إلى أنك خرجت من الحدود الإدارية لـ«نجع الجديدة»، إلى رحاب «قرقطان الشرقية»، القرية التى تبعُد عن «النجع» خُطوات معدودة لا أكثر، وفى حين لايزال حديث الساعة فى نجع الجديدة مصبوغًا بنبرة الفخر لإجماع أهل القريّة كبارًا وصغارًا على التمرُد على طقس شراء الذهب لأجل «تيسير الحلال»، تمتلك «قرقطان» داعيًا آخر لفخر صعيديّ خالِص، فيما يخُص تسهيل إجراءات الزواج، أو الحلال، كما يحلو لأهل الناحية الإشارة إليه.

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

«اللى عملته نجع الجديدة الجمعة اللى فاتت، قرقطان مطبّقاه من زمان، عشان حافظنا على تراث كبايرنا»، هكذا يصوغ مدير مركَز الشباب بمركز «نقادة»، فتح الله سليم، موطِن فخر قرقطان، والتى، حسبه، لا تتعدى بأى حال محتويات شبكة العروس فيها سوى «دبلة ومحبس»، كقيمة موحدة لكافة زيجات «قرقطان»، لا يخطُر ببال أى من المقبلين على الزواج تخطّيها، لأنها فى حُكم الموروث الذى لا يصح بأى حال التمرُد عليه.

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

يحتفى حمدى صديق، إخصائى اجتماعى بوزارة التربية والتعليم، بمديرية قِنا، بفلسفة إجراءات الزواج المُسهّلة فى قرقطان الشرقيّة، ففى حين لم يأن أوان تزويج صغيراته، إلا أنه اختبَر طقوس «المصاهرة» بنفسه، أثناء تزويج أخواته البنات. يحبِذ حمدى استخدام لفظ «مصاهرة» للتعبير عن عملية النسب، بديلاً عن الشبكة، مُعللاً وجهة نظره بتحليل لغوى لطيف «المصاهرة تعنى انصهار عيلة فى عيلة»، بديلاً عن ممارسات البيع والشراء التى يشير للفرق بينهما المتعارَف عليه بين أهل قرقطان الشرقية: «لو الزواج بيع، كنا اتمسّكنا بالصيغة وتقلنا بناتنا بالدهب لأن البيع فيه غال ورخيص، لكن بما إنه مُصاهرة، فاحنا مش بنبُص للأمور دى».

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

يحمِل أحد الصغار لحمدى ألبوم صور العروس قبل الأخيرة فى قرقطان، حيث لم تُطبع صور الأخيرة فى ألبوم تذكارى بعد، ويُطلِع حمدى «المصرى اليوم» على محتويات الألبوم الذى يُخلِد ليلة العُمر لعروس ما لبثت أن انتهت من دراستها الثانوية، حتى تزوّجت لأحد أبناء عمومتها، فى التوقيت المثالى تمامًا، يعزو حمدى إتمام الزيجة لسهولة الزواج فى قرقطان «لما أبقى ضامن بنتى ياخُدها ولد اخويا، من غير ما اتدايِن، ده هيساهِم فى ستر البنت والولد»، فيما يُشير فى صور العروس إلى طقم الذهب الصينى الذى تزدان به فى ليلة عُمرها، والذى لا يتعدى سعره بضع عشرات من الجنيهات، تشترى بها عروس قرقطان فرحتها. يعتبِر حمدى أن احتفاظ تسهيل إجراءات الزواج بقرقطان للفتيات بسن زواج معقول، مانعًا إياهن من خطر أن «تعنّزن»، حسب ما تقتضيه اللكنة القناوية للتعبير عن شبح العنوسة، هو الضمانة الأولى لاستمرار موقف «قرقطان الجديدة» الزاهد فى الذهب، يقول حمدى «البنت اللى اما تخلّص علامها تلاقى عريسها مستنيها، عُمرها ماهتبُص لصاحبتها فى المدرسة اللى دهب الشىء الفلانى حاشها عن الجواز وقعّدها جنب أهلها».

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

يتوارَث أهالى قرقطان حكايا مأثورة، يدللون بها على رجاحة موقف القرية من «مصاغ العروس»، يحكى آدم محمد، أحد أهالى قرقطان عن عروس من «دنفيق» تُعَد مضرِب مثل فى زُهد المصاغ المُغالى فيه، حيث كادت تودى بزيجتها تحكُمات «الشبكة» التى تقضى بأن يشترى الوالد لفتاته مقدارا مساويا من الذهب الذى ابتاعها إياه الخطيب فى الشبكة، الأمر الذى لم يكُن ليتحمّله الأب قصير ذات اليدّ، وأنذر بخراب الزيجة، بخاصّة، عندما أتى الخطيب المُقتدر، بكومة من الذهب للعروس «يتاقلها به»، على حد تعبير آدم، لتختار العروس «أخف غويشتين» مما أتى بها الخطيب، وتُعرِض عن الباقى، فلا يُجبَر الوالد على شراء مثله، أو تخرَب الزيجة بسبب الذهب، مُعللةً «أنا مش غازيّة عشان ألبس كُل الدهب ده».

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

فى مجلسٍ نسائى صاخِب بضحكات صعيديّة متحفظة، تتبادَل سيدات أصبحن من جيل الجدات نوادرهُن عن مصاغ شبكاتهن، الذى باعَد بينه وبينهُن تطاوُل الزمن، وبيع أكثره لمواصَلة العيش، أو تبدّل، إلا أنهن مازلن يذكُرن قيمته بالضبط، وما دار حوله من نقاشات ومفاوضات، تحدد جدّة بصوت رقيق أسهم الزمن فى ترقيقه أكثر قيمة شبكتها هى بعشرين جنيها، بينما تتندّر أخرى، مازال بصوتها بعض من الصلابة «جوزى فضل يعايرنى بالسنين عشان جابلى دهب بـ35 جنيه»، يتضاحك المجلس الذى تُمثّل فيه سيّدات من جميع الأعمار، تتلقّف «أم أسماء»، والتى تُباشِر هذه الأيام تجهيز زيجة فتاها الأخيرة، من حديث الذهب، مُبادرة «نجع الجديدة» لإسقاط طقس الشبكة، لتُعلن فى حماس دعمها للمبادرة وتعميمها «أنا مع مبادرة نجع الجديدة جدًا، بدلاً من الديون والجمعيّات اللى بنقعُد نسِد فيها بالسنة والسنتين بعد الجواز».

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

قبل 4 أعوام تقدم شاب يطلب أسماء للزواج، صارح الأسرة القرقطانية منذ اللحظة الأولى بضيق ذات يده، حيث لن يتحمل شراء مصاغ يزيد على 9 آلاف جُنيه، وافقت أسماء حمدى، الشابة العشرينية، التى كانت لا تزال حينها طالبة فى معهد القراءات الأزهرى، وتعاونت مع مخطوبها: «اللى هتجيبه أنا راضيه بيه»، أيقنت أسماء اليوم أنها اتخذت القرار السليم آنذاك، تقص الشابة ذكريات فترة خُطبتها من غرفتها المتواضعة بمنزل الزوجية الريفية، تعلو وجهها ابتسامة رضا بينما تداعب أحد أبنائها بين الحين والآخر: «إحنا هنا متواضعين والمهم فى العريس يكون متربى وعنده خلق وبيشوف شغله».

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

رغم مرور زواجها بفترات تعثر مادى إلا أن «الحب والتعاون» على حد وصفها منحا حياة الثنائى عدة دفاعات فى سبيل الاستقرار، فعلى الرغم من نقص بعض مُفردات شوارها إبان الزواج إلا أن زوجها أكمله تدريجيًا لاحقًا، بل وبدل لها مصاغها الذهبى بجديد مرتين أكثر فخامة وقربًا لقلبها.. يتبع الثنائى نظام الادخار لتجديد المنزل، أو شراء أى سلعة تخطر ببال أسماء دون عُجالة أو إسراف، حتى دراستها الأزهرية تعاونا على أن تُنهيها بنجاح، حيث كان يُساعدها زوجها فى رعاية الأبناء والأعمال المنزلية بينما تذهب هى لأداء الامتحانات.. تقول الزوجة الهادئة بخجل: «لما تحبى جوزك كل حاجة بتبقى حلوة، لما خدنى لبتاع الدهب قلت أى حاجة، أنا كنت شرياه وعاوزاه هو».

جولة المصري اليوم داخل «قرية قرقطان»

على حائط المساحة غير المسقوفة من إحدى الدور بنجع الجديدة، نٌقِشت بألوان مبتهجة عِبارة «سيّد يحِب عائشة»، فى إشارة لآخر ثنائى تزوّج بالدار، فيما أدرك الدور زينب لتكون هى عروس الدار التالية، وبالرغم من دُنو موعِد زفافها، إلا أن ذاك لا يمنعها من الانخراط فى واجبات منزلية. تُبدى العروس التى على وشك الزفاف موقِفها من مبادرة شباب وكِبار «نجع الجديدة» بإسقاط طقس الشبكة مازِحةً «أنا مش مع المُبادرة طبعًا».. تشرَح زينب موقفها من دافِع أنثوى خالِص لا يعبَأ بتكاليف الزواج «تبقى اخواتى انشبكوا بخمسين وستين وسبعين ألف، وأنا اتجوّز بلا شبكة؟!»، تقولها وتعود لتحتفى بالمُبادَرة فى شىء من الجَد، احتفاء نابِع من مخاوِف الفتيات المقبلات على الزواج التقليدية «ما ممكِن يصيّغها قد كِدة، ومايبقاش بينهم هديان سِر». تستعيد أخيرًا العروس مرحها، لتعتبر نفسها آخر عرائس الدهب فى «نجع الجديدة»، مُتندِرةً بموقف أخيها الذى تزوّج حديثًا «أخويا بيقول إنه ندمان إنه اتجوِز من سِنة، وبيقول هيتجوّز تانى بعد القرار»، ووجدت لنفسها مخرجًا قائلة: «خطيبى أساسًا من القاهرة مايسريش عليه القرار أنا نفدت فى كل الأحوال».

على بُعد خطوات من مسجِد نجع الجديدة، الذى شهد اجتماع أهالى «دنفيق» ليتخلوا عن طقس شراء الذهب فى الزواج للأبد، تقع «المندرة العمومية»، التى مازالت بدورها مصطخبة بأحاديث ومفاوضات البند المُضاف حديثًا لعقد أهل القرية الاجتماعى.. ويعتبر جمال العبد، الذى يعرّف نفسه على أنه «أحد أولياء الأمور المُرحبين بالفِكرة»، أن صلة القرابة بين أهلية دنفيق هى من دعمت المبادرة النابعة بالأصل من الشباب «عشان إحنا عيال عم وعيلة واحدة كُلنا».

ويعتبر جمال العبد أخيرًا تضامُن المقتدرين على شراء الذهب مع القرار، والذى كاد يصل التوافق عليه حد الإجماع ما قدّره هو بـ90% من أهالى نجع الجديدة، هو شرط الوصول لتوافُق شبه كامل بشأن إلغاء ذهب الشبكة: «المقتدر لازم يبدأ فى تطبيق الفكرة، عشان يكون قدوة، وبعد الجواز هات اللى تجيبه»، فيما يتطلع شباب المُبادرة لأكثر من ذلك، بتمدد حدودها خارِج نجع الجديدة، الأمر الذى يُدلل على إمكانيّته جودَت «جالنا تعليقات ودعم من سوهاج والمنيا وبنى سويف وأسيوط عن طريق جروبات فيسبوك».

شاهد فيديو «كواليس ثورة قرية قناوية على «الشبْكة»» على الرابط التالى:

https://www.youtube.com/user/almasryalyoum