«الحادية عشرة».. يابتوع التليفزيون!

نصار عبد الله السبت 30-07-2016 21:27

من بين ما يستفزنى، (وأظن أنه يستفز الكثيرين أيضا) خطأ دأب الكثيرون من مذيعى التليفزيون ومذيعاته، حينما يشير أحدهم أو إحداهن إلى الساعة الحادية عشرة فيقول دون أن يبدو على وجهه أنه ارتكب خطأ ما: «الساعة الحادية عشر»!!.. لو كنت مكان صاحب القرار فى التليفزيون المصرى وقنواته الحكومية، أو كنت مكان أصحاب القرار فى القنوات الفضائية الخاصة لأصدرت توجيها بأن يقوم كل مخطئ منهم بكتابة العبارة الصحيحة مائة مرة بخط يده وتسليمها إلى رئيسه المباشر كشرط لاستمراره فى العمل.. فإذا عاد إلى الخطأ ضوعفت عليه العقوبة!، ربما يقول لى قائل إنك تطالب التليفزيون أن يتعامل مع مذيعيه ومذيعاته وكأنهم تلاميذ لم يبارحوا المرحلة الإعدادية بعد، وسوف أرد عليه قائلا: هل بارحوها حقا؟.. لا أتكلم عما عساه لديهم من شهادات رسمية (فقدت فى الحقيقة مصداقيتها منذ زمن بعيد)، ولكنى أتكلم عن المستوى التعليمى الحقيقى لعدد لا يستهان به من مذيعى التليفزيون ومذيعاته، حيث لايتجاوز فى كثير من الحالات مستوى طالب لم يتم بعد دراسته الإعدادية!، ليس بالنسبة للغة العربية وحدها، ولكن بالنسبة لسائر المعارف الأساسية التى ينبغى أن يلم بها طالب الإعدادية (كما يفترض أن تكون، لا كما هى كائنة فعلا)!، وهوما يفرض واجبا أخلاقيا ومهنيا على التليفزيون لا باعتباره مجرد مؤسسة إعلامية، ولا مؤسسة للترفيه والتسلية، ولكن باعتباره إلى جانب ذلك وربما قبل ذلك مؤسسة تعليمية وتثقيفية تتفوق فى تأثيرها على المؤسسة التعليمية التقليدية (المدرسة)، بفضل مالديها من تقنيات خاصة عديدة، ولما كان فاقد الشىء لا يعطيه، فإننا لن نتوقع من التليفزيون دورا تعليميا أو تثقيفا حقيقيا ما دام هو ذاته يعتمد على غير المتعلمين!.. ومع هذا فإن الأمانة تقتضى هنا أن أشير إلى أنه لا يخلو من نماذج مبهرة على المستويين: التعليمى والثقافى.. بل إن من بينها ما يصح وصفه بأنه شديد الإبهار، لكن هؤلاء فى المجمل هم قلة قليلة خاصة بين الأجيال الجديدة، بينما تظل الأغلبية ذات مستوى تعليمى بالغ التدنى، ربما يقول لى قائل مرة أخرى: كل هذا لأن المذيعين لا يعرفون كيف يذكر العدد بطريقة صحيحة، أو لا يعرفون الإعراب؟.. ولمثل هذا القائل أقول إن انخفاض مستوى تعليمهم لا يتجلى فقط فى رداءة لغتهم، ولكنه يتجلى فى أوجه أخرى لا يتسع المجال هنا لذكر أمثلة لها، وحتى لو اقتصر على رداءة لغتهم العربية (بالمناسبة مستوى رداءة أغلبهم فى اللغات الأجنبية لا يقل فداحة!).. حتى لو اقتصرعلى ذلك فإنه ليس بالأمر الهين.. لماذا؟ لأن العربية الفصحى وتراثها هما تقريبا الرباط الوحيد الباقى بين سائر أجزاء الأمة العربية، وربما كانت العربية هى أهم ما يبرر الحديث عن عالم عربى أو عن أمة عربية، فى وقت تقطعت فيه روابط أخرى كثيرة بين أجزاء هذا العالم، وتفتتت دول بأكملها إلى أشلاء نتيجة للانقسامات العرقية أو المذهبية أوالطائفية.. وإلا فما الذى يميزالآن مثلا بين دول العالم العربى بكل تناقضاته وانقساماته من ناحية وبين تركيا أو إيران من ناحية أخرى؟، ثم تبقى بعد ذلك نقطة أخيرة ربما يراها البعض بيت القصيد هى: هل الذين يشغلون أماكنهم من المذيعين والمذيعات كانوا أفضل العناصرالمتقدمة للعمل فيه؟ أم أنهم لاعتبارات ما قد حجبوا آخرين غيرهم، متفوقين عليهم فى مستوى التعليم والثقافة والموهبة؟؟، ثم.. ما هو سر الاستمرار فى التغاضى عما يتصف به بعض الذين يعملون فى التليفزيون من الضحالة المفزعة؟.

nassarabdalla@gmail.com