من المؤكد أن الجماعة كانت تعانى من تضييق وحصار فى عهد حسنى مبارك.. صحيح أن هذا الوضع شهد انفراجة نسبية عام ٢٠٠٥، بسبب الضغوط التى مارستها الإدارة الأمريكية على النظام المصرى آنذاك لإعطاء الإخوان بعض الحرية، وبالتالى الاندماج فى الحياة السياسية، وهو ما برز فى حصول الإخوان على ٨٨ مقعدا داخل مجلس الشعب.. لكن، يمكن القول بشكل عام أنه خلال نظام حكم مبارك، عانت الجماعة من الكثير من الملاحقة والمطاردة، ويكفى أن يقال إن مجموع من تم إلقاء القبض عليهم من الإخوان خلال تلك الفترة بلغ حوالى ٣٠ ألفا.. وقد أدى هذا الوضع إلى تقليص حجم التواصل، ومن ثم نشوء فجوة ظاهرة، بين أعضاء مكتب الإرشاد الذين يمثلون القيادات العليا للجماعة من ناحية، والأفراد الذين يشكلون السواد الأعظم لها من ناحية أخرى.. وللتغلب على هذه العقبة، اعتمد أعضاء المكتب بشكل كامل على القيادات الوسيطة، وهذه يمكن تقسيمها إلى قيادات وسطى ودنيا.. وتشكل المكاتب الإدارية بالمحافظات المختلفة القيادات الوسطى، بينما تمثل مجالس إدارات المناطق والشعب، علاوة على مسؤولى الأسر الإخوانية القيادات الدنيا.. نعم هناك مجالس شورى لكل هذه المؤسسات التنفيذية، لكن ممارساتها لدورها الحقيقى يكاد يكون معدوما.. وتلعب القيادات الوسيطة (الوسطى والدنيا) دورا من أخطر الأدوار فى التحكم الفعلى فى كل شىء داخل الجماعة، فهم الذين يشرفون- بشكل مباشر- على تنفيذ خطة الجماعة فى الأقسام المختلفة؛ الأسر والتربية، نشر الدعوة، السياسى، الأخوات، البر، الأشبال، المهنيين، الطلبة، العمال والفلاحين، وهكذا.. وهم الذين يقومون بالعملية التربوية للأفراد، كما أنهم المسؤولون عن متابعة الأفراد بشكل لصيق، وبالتالى معرفة أحوالهم، الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما لا يتوافر لأعضاء مكتب الإرشاد.. وقد أدى هذا كله إلى تعاظم الإحساس لدى القيادات الوسيطة بأنها هى القيادة الحقيقية للجماعة، وأنه لولاها ما استطاع مكتب الإرشاد أن يفعل شيئا.. وقد أقر المكتب أن يكون للأمين العام للجماعة عدد ٧ أمناء مساعدين يمثلون همزة الوصل بينه وبين المكاتب الإدارية على مستوى الجمهورية، فهم الذين يباشرون نقل الأخبار والتقارير والمعلومات من الأمين العام إلى مسؤولى المكاتب الإدارية، والعكس.. ومن خلال الأمناء المساعدين، استطاع الأمين العام أن يتدخل فى كل صغيرة وكبيرة داخل مؤسسات الجماعة المختلفة، خلافا لما تقتضيه اللوائح والنظم.. ومع مرور الوقت، صار للأمناء المساعدين هيمنة وسطوة كبيرة، خاصة على القيادات الوسيطة.. وفى ظل ثقافة السمع والطاعة والثقة فى القيادة، مارس هؤلاء وأولئك، كل على مرؤوسيه نوعا من الكبر والتعالى والتسلط.. أتذكر جيدا أن عضوا بأحد المكاتب الإدارية جاءنى يشكو أن رئيسه المباشر أذاقه الذل والهوان مدة ١٩ عاما، ورجانى أن أفعل شيئا حتى لا ينتخب هذا المسؤول مرة ثانية (!!) لقد استطاعت القيادات الوسيطة، فضلا عن الأمناء المساعدين، أن يتحولوا- فى غفلة من أعضاء مكتب الإرشاد- إلى فراعين داخل الجماعة.. وقد ساعد على ذلك، السلوك غير الأخلاقى لبعض هؤلاء الأعضاء، إذ كانوا يستغلون القيادات الوسيطة فى تشويه صورة إخوانهم من أعضاء المكتب الآخرين، الأمر الذى أدى إلى عدم الاستقامة الأخلاقية للكثيرين من القيادات الوسيطة ذاتها.. كانت الجماعة تبدو من الخارج كتنظيم هرمى محكم ومنضبط، وأن قياداتها (العليا والوسيطة) وأفرادها على مستوى عال من الثقافة والأخلاق والسلوك.. والحقيقة كانت غير ذلك، فكل مؤسسة تعمل بطريقة شبه منعزلة، والإدارة المباشرة وغير المباشرة فرعونية، والتقارير والمعلومات التى ترفع لمكتب الإرشاد غير صحيحة.. لقد كانت الجماعة تنظيما خاويا على عروشه، فكيف لها أن تتصدى لحكم مصر؟.