تصاعدت الخلافات بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف حول الخطبة المكتوبة، أمس، وجدد الأزهر رفضه الشديد لخطبة الجمعة المكتوبة، وأعلن الالتزام بقرار هيئة كبار العلماء برفض خطبة الوزارة، وعدم الالتزام بقرار الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، بتطبيق الخطبة المكتوبة، وأصرت المشيخة على تحديد موضوع خطبة آخر فى الجامع الأزهر، أمس، ليكون «الوحدة الوطنية وحقوق المسيحيين فى الإسلام» دون الالتزام بموضوع «النظافة سلوك حضارى»، الذى حددته وزارة الأوقاف فى خطبة الجمعة الموحدة المكتوبة أمس.
وألقى الدكتور محمد عبدالعاطى، الأستاذ بجامعة الأزهر، خطبة الجمعة أمس، بالجامع الأزهر عن «الوحدة الوطنية وحقوق المسيحيين فى الإسلام»، وأكد خلالها أن الشريعة الإسلامية تدعونا دائما إلى الإحسان إلى المسيحيين، مؤكدا أن مصر وطن واحد ونسيج واحد، لا يفترق فيه المسلمون والمسيحيون، وإنما هم أبناء وطن واحد يجمعهم، ولن تستطيع أى قوة أن تنال من وحدة الشعب المصرى مهما حاولت من مكائد ومؤامرات.
وشدد «عبدالعاطى» على أن الرسول يأمرنا بالإحسان إلى أهل الكتاب وعدم إيذائهم مطلقاً، وقال فى حديثه الشريف: «من آذى ذمياً فقد أذانى»، والذمى هو من أهل الكتاب الذى يسكن ديار المسلمين.
وحذر خطيب الجامع الأزهر من الالتفات أو الاستماع إلى من يحاولون نشر الفرقة الوطنية والصراعات بين أبناء الوطن الواحد من المسلمين والمسيحيين، مشيدا بالدور الذى يقوم به «بيت العائلة المصرية»، التابع للأزهر الشريف، وبمشاركة الكنيسة المصرية فى وأد محاولات نشر الفتنة الطائفية.
وعن التزام الأزهر بالخطبة المكتوبة، قال «عبدالعاطى» لـ«المصرى اليوم»: «وزارة الأوقاف لها إدارتها ورجالها وأدرى بحال أئمتها ومساجدها، وتلزم أهلها ولا تلزم الأزهر ولا المشيخة ولا كبار العلماء، فهى تلزم الموظفين أئمة الأوقاف الذين يتقاضون رواتبهم منها».
وألقى الشيخ نور الدين الشحات، إمام وخطيب مسجد السيدة زينب، خطبة الجمعة وفق إرشادات «الأوقاف» المعنية بالالتزام بالخطبة المكتوبة. والتزم عبدالله رشدى، خطيب مسجد السيدة نفيسة، بموضوع الخطبة الموحدة التى ألقاها فى حضور وزير الأوقاف، حيث تناول أهمية النظافة فى الإسلام باعتبارها تمثل نصف الإيمان، مشددا على أن هناك أنواعا عدة للنظافة سواء فى الملبس أو المسكن أو الطرقات، والأخلاق كذلك.
وشدد «رشدى» على ضرورة إطلاق حملة بعنوان «نحو مجتمع نظيف متحضر»، والمقارنة بين الواقع وما يجب أن يكون بتنفيذ تعليمات الفقه الإسلامى الذى يؤكد فى العديد من الآيات والأحاديث على ضرورة الاعتناء بالنظافة.
من جانبه، شدد الدكتور مختار جمعة على أن تعميم موضوع الخطبة المكتوبة التى تسعى وزارة الأوقاف إلى تطبيقها ليس صراعًا مع أحد، ولا ينبغى أن يكون، وأنه يجب علينا جميعًا أن نعطى النموذج والمثل فى الألفة والتعاون على البر والتقوى والمصلحة الوطنية، وأن نعليها فوق كل اعتبار، وأن يحسن بعضنا الظن ببعض.
وقال وزير الأوقاف، فى بيان أمس: «لا أحد يحتكر الصواب فيما يحتمل الخلاف، فمن اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، غير أن رأى ولى الأمر أو من ينوب عنه يقطع الخلاف فيما يحتمل الخلاف».
وأضاف: «الخطبة المكتوبة تحقق مصلحة شرعية ووطنية معتبرة فى إطار خطة ومنهجية شاملة لنشر الفكر الإسلامى المستنير، وكبح جماح الفكر المتطرف وحرمانه من أى محاولة لاختطاف الخطاب الدينى مرة أخرى، والعمل بقوة وسرعة وحسم على استرداد ما اختطف منه فى عام الإخوان الأسود وما سبقه من سنوات عجاف».
وتابع أن «تأييد هذا الأمر تجاوز قيادات وأئمة الأوقاف إلى عشرات العلماء الذين لا يقل حماس بعضهم للخطبة المكتوبة عن علماء وقيادات وأئمة الأوقاف لما يرونه فيها من مصالح معتبرة».
وقال: «سبيلنا التواصل ثم التواصل والحوار ثم الحوار، ولا يوجد نص شرعى أو قانونى يمنع الخطيب من أداء خطبته مقروءة طالما أن هذه هى قناعاته، وأنه يرى فيها ما يعينه على توصيل رسالته على الوجه الأفضل، مع أننا مازلنا فى مرحلة نشر خطبة استرشادية يمكن للخطيب أن يلتزم بها أو بجوهرها».
وأضاف الوزير خلال اجتماع مع قيادات الوزارة: «مستمرون فى تطبيق الخطبة الموحدة المكتوبة، ولا يوجد نص قانونى واحد يمنع تطبيق الخطبة المكتوبة، بل إن المادة السادسة من القانون رقم 272 لسنة 1959 تؤكد حق وزارة الأوقاف فى الإشراف على المساجد وتنظيم شؤونها الإدارية والدعوية، سواء فيما تم ضمه للأوقاف أو ما لم يتم ضمه، وهو ما أكده حكم محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية، إذ تتولى وزارة الأوقاف إدارة جميع المساجد والزوايا، سواء صدر بوقفها إشهاد أم لم يصدر، وأيًّا كان تاريخ إنشاء هذه المساجد أو الجهة التى أنشأتها فقد أضحت منوطة بوزارة الأوقاف وتدخل ضمن مسؤولياتها وواجباتها».
وتابع وزير الأوقاف: «سنعمل بكل ما أوتينا من قوة على استرداد خطابنا الدينى من مختطفيه من خلال العمل على تحصين نشئنا وشبابنا بالعلم والثقافة والعمل».
وحذر الوزير، فى بيان أمس، من «سعى جماعات إرهابية كثيرة إلى اختطاف الخطاب الدينى من علمائه المدققين وأهله المتخصصين، والعمل على توظيفه لتحقيق مكاسب حزبية أو شخصية أو أيديولوجية ولو على حساب دينها ووطنها معًا»، وقال إن بعضها لا يؤمن بوطن ولا بدولة وطنية، وبعضها الآخر ولاؤه لتنظيمه فوق كل ولاء، وانتماؤه له فوق كل انتماء.
واستعرض وزير الأوقاف خطة عمل الوزارة فى المرحلة الراهنة لنشر الفكر المستنير فى مصر والعالم كله من خلال إنشاء وتطوير مكاتب تحفيظ القرآن الكريم العصرية، التى تعمل إلى جانب تحفيظ القرآن الكريم على تنشئة أبنائنا على القيم الإيمانية والأخلاق الإنسانية الرشيدة، إضافة إلى مراكز الثقافة الإسلامية، ومن خلال تنقية كتب التراث مما علق بها من إسرائيليات أو دخيل أو موضوع، ومن خلال تعميم مشروع خطبة الجمعة الموحدة المكتوبة الذى نراه محصنًا للخطاب الدينى من أن يختطف مرة أخرى، بل نراه يسهم إسهامًا واضحًا فى استرداد الخطاب الدينى من خاطفيه.
وأكد أن القطاع الدينى بالوزارة بصدد تشكيل اللجنة العلمية لإعداد وصياغة الخطبة المكتوبة، ولحين انعقاد اللجنة ووضع برنامج عملها وإخراجها خطبة نموذجية فإن جميع قيادات الديوان العام والمديريات سيلتزمون بها، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بالموضوع أو بجوهره وعدم الخروج على جوهر الموضوع أو على الوقت المحدد ما بين 15 و20 دقيقة.
وقال الشيخ حمادة المطعنى، مدير إدارة أوقاف السيدة زينب، لـ«المصرى اليوم»، إنه طالب جميع الأئمة فى المنطقة بالالتزام بالخطبة المكتوبة، سواء من ناحية الموضوع أو الوقت، وشدد على أنه فى حالة عدم الالتزام ستتم إحالتهم للتحقيق، مشيرا إلى أن الإمام سيكشف توجهاته من خلال التزامه بالقرار من عدمه.
وأضاف أنه «فى حالة عدم التزام الإمام بالخطبة المكتوبة فسيعتبر من جماعة الاخوان و(مشتقاتها)»، موضحاً أنه حتى الآن لم يتم استدعاء أى أمام يلتزم بالقرار من قبل جهاز الأمن الوطنى، فيما تم استدعاء المتجاوزين للتنبيه عليهم بعدم الخوض فى أمور سياسية.
وتابع «المطعنى» أن الخطبة المكتوبة بمثابة حملات لمعالجة القضايا العصرية، والظواهر السلبية بصفة عامة، مؤكدا أن العالِم يظهر علمه من خلال الدروس وليس فى خطب الجمعة، وأن خطبة الجمعة لا يمكن تركها للإثارة والبلبلة، خصوصا أن المتلقى لا يفرق معه إذا كانت الخطبة مكتوبة أو ارتجالية.
وقال إن الوزارة أعطت مساحة فى قرارها بالسماح لمن يريد ألا يلتزم بالنص المكتوب من الأئمة لعدم التأثير على من يجيدون فنون الخطابة، فى حين ألزمت الجميع بعدم الخروج عن سياق الموضوع أو الإطالة عن الوقت المحدد.