أثار قرار إدارة مستشفى النبوى المهندس للطب النفسى (المعمورة) التصريح بخروج 1600 نزيل من المستشفى بعد تلقيهم العلاج- حالة من الجدل فى الشارع السكندرى، وفى الوقت الذى أعرب فيه مواطنون عن مخاوفهم من تداعيات القرار، أكد مدير المستشفى أن السماح بخروج المرضى يرجع إلى تحسن حالتهم، نافياً صحة ما تردد حول خطورتهم على المجتمع، فى حين أدان مركز «ضحايا» لحقوق الإنسان عملية إخراج المرضى النفسيين من المستشفيات، مؤكداً أن الشارع ليس هو الحل الصحيح لحل مشكلات المرضى النفسيين، الذين بدأت أعدادهم فى التزايد فى الفترة الأخيرة بفعل ضغوط الحياة المستمرة على المصريين، وارتفاع نسبة المصريين الذين تحت خط الفقر- بحسب مدير المركز.
قال أحمد فريد، محاسب، إن القرار الذى اتخذه المستشفى، يعتبر مخالفاً لأبسط حقوق الإنسان، والتى تتيح للمواطنين الحق فى الحياة وتلقى العلاج. وأضاف: «المريض النفسى لا يستطيع المطالبة بحقه، ولكن المجتمع مطالب بذلك فى الوقت نفسه، ضماناً لحياتهم، وحياة الآخرين فى الشوارع، الذين قد يتعرضون للمخاطر عند احتكاكهم بالمرضى».
قال أشرف عثمان، طالب جامعى: «لا أتخيل كيفية التعامل مع مريض نفسى أواجهه فى الشارع، لكنى أعتقد أن الأمر لا يمثل خطورة داهمة على الشارع والمواطنين، وإلا لما تخلى المستشفى عنهم، إلا إذا كان الأمر يتعلق بنقص فى الميزانية، وعدم قدرة المستشفى على الوفاء بمتطلبات العلاج للمرضى»، معرباً فى الوقت نفسه عن تخوفه من ارتفاع أعداد المرضى، الذين قد يمثل بعضهم «خطراً كبيراً»– حسب وصفه.
فيما برر الدكتور ممدوح أبوريان، مدير مستشفى المعمورة، صدور القرار قائلاً: «بقاء المرضى فى المستشفى لا يرتبط بكونهم مرضى نفسيين، لكنه مرهون بتحسن حالتهم أو تدهورها، حيث إن المرض النفسى يعامل معاملة الأمراض المزمنة مثل السكر والضغط، والتى يستطيع أن يعيش المصاب بها لفترات طويلة من عمره، دون ظهور أعراض خطيرة عليه». وأضاف: «يتم احتجاز المريض عندما تظهر عليه مضاعفات شديدة، تؤثر على حياته أو حياة الآخرين، ويتم وضعه تحت إشراف طبى، لتلقى العلاج المناسب، سواء بجلسات نفسية أو بالعقاقير والأدوية وغيرهما حتى تتحسن حالته، أو استقرارها، وهو ما يقرره الأطباء المختصون».
ونفى «أبو ريان» صحة المزاعم، التى ترددت حول تخلى المستشفى عن النزلاء، مؤكداً أن خروجهم لا يعنى تخلى المستشفى عن مسؤوليته تجاههم، لافتا إلى أن القسم المجانى يشمل العيادات الخارجية أيضاً، وهو ما لا تزيد تذكرة الكشف به على جنيه واحد، تصرف فى مقابلها أدوية مجانية تصل قيمتها إلى 300 جنيه شهرياً لبعض الحالات. وحول ما تردد بشأن وقوف مشكلة ضعف الميزانية بالمستشفى وراء خروج المرضى، قال «أبوريان» إن خروج هذا العدد من المرضى غير مرتبط بنقص الميزانية، خاصة أن المستشفى يستقبل أعداداً تصل إلى 4500 مريض سنوياً، بخلاف مرضى التأمين الصحى، مؤكدا أن مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية مثلها مثل بقية المستشفيات، يودع بها المريض عندما يكون فى حاجة إلى عنايتها، أما فكرة أن يظل محتجزاً مثل السجناء، فهى من الأفكار الخاطئة. وأوضح أن المستشفى مستمر فى توعية أهالى المرضى بصفة منتظمة من خلال الجلسات النفسية، التى يعقدها معهم عقب خروج المرضى، حول طريقة التعامل المثلى معهم، لمنع تدهور حالتهم، مطالباً بالمساهمة المجتمعية تجاه المريض النفسى.
من جانبه، أكد الدكتور عمرو أبوخليل، استشارى الطب النفسى، أن المرض النفسى لا يمثل بالضرورة خطورة على الآخرين، والمرضى الذين يغادرون مستشفيات الأمراض النفسية يتم التأكد قبل خروجهم من أنهم لا يمثلون أى مخاطر على الشارع، مشككاً فى خروج مثل هذا العدد مرة واحدة من المستشفى - حسب قوله.
وأوضح أن مستشفى المعمورة للطب النفسى به، بخلاف القسم المجانى، قسم العيادة الخارجية الذى يصرف أفضل الأدوية الموجودة، بالإضافة إلى متابعة حالة المرضى بعد خروجهم من المستشفى، مؤكداً صعوبة خروج هذا العدد مرة واحدة من المستشفى الذى تحكمه لوائح وقوانين، من بينها عدم خروج المريض قبل التأكد من شفائه بنسبة معقولة لا تهدد حياة الآخرين، والاتصال بأهل المريض لتسلمه، نافياً ترك المستشفى المرضى يعيثون فى الشوارع. وأكد أن عدد الأسرة فى مستشفى المعمورة وصل إلى ألف سرير، وتمثل نسبة الإشغال فيه 80%، وتستغل نسبة الـ20% الباقية فى استقبال الحالات الطارئة، لافتاً إلى وجود 5 عيادات أخرى لاستقبال المرضى النفسيين فى المحافظة، مشدداً على عدم تخلى مستشفيات الطب النفسى عن المرضى قبل التأكد من سلامتهم بنسبة معقولة لا تؤثر على الآخرين، وتولى متابعة حالتهم فى حال تعرضهم لانتكاسة.
قال هيثم أبو خليل، مدير مركز «ضحايا» لحقوق الانسان، إن المعاملة التى يلقاها المرضى النفسيون فى مصر لا تليق بهم بداية من عدم كفاية الأِسرّة فى المستشفيات المعالجة لهم، خاصة مستشفيى العباسية والمعمورة، وهو ما تسبب -بحسب قوله- فى زيادة مراكز العلاج النفسى الاستثمارية التى لا تتماشى مع إمكانيات غالبية الشعب المصرى.
وطالب «أبوخليل» بمحاسبة المسؤولين المتسببين فى «طرد» المرضى النفسيين من المستشفى، الأمر الذى سيؤثر بشكل كبير على المريض من جانب، وعلى الشارع من جانب آخر، وسيتسبب فى إحداث حالة من الذعر فى الشارع، بسبب عدم تقبل المصريين عامة للمريض النفسى، الأمر الذى يتطلب إيجاد بدائل لهم، بدلاً من إلقائهم فى الشارع من خلال إنشاء دور إيواء وتأهيل لما بعد المرض النفسى، وإلحاق القادرين منهم على العمل بأعمال تعينهم على الاندماج فى الشارع.