من فات قديمه تاه»: معرض يضم 3 آلاف «أنتيكة» نادرة تعيد أهالي «الثغر» إلى أيام «الطربوش» و«المنشة»

كتب: رضوي عادل, سارة السيد الأربعاء 08-12-2010 22:46

بحثاً عن ماض يهدد معظم ملامحه الانقراض، ورغبة فى الاحتفاظ بما تبقى من ملامح ميزت المجتمع المصرى فى القرنين الماضيين، سعت مكتبة الإسكندرية إلى توثيق تاريخ المواطن المصرى، من خلال الأدوات التى كان يستعملها فى حياته اليومية، والحرف التقليدية التى شكلت مستقبل الكثير من الصناعات الحالية، حرصاً منها على ألا يتوه الجيل الحالى عن تراثهم، حتى يستطيعوا تشكيل مستقبلهم.


«من فات قديمه تاه» معرض يمثل حقبة أخرى من الزمن، ويعود بزواره إلى ما قبل الخمسينيات من القرن الماضى، فبالداخل يمكنك أن ترتدى الطربوش وتمسك بـ«المنشة» وتقابل العائلة المالكة، وتشاهد فيلما وثائقيا من ماكينة عرض أفلام تعود إلى الأربعينيات، وبإمكانك أيضاً أن تستمع إلى صوت المطرب عبده الحامولى عبر جهاز «الجراموفون


«وابور جاز» و«طربوش» و«راديو» و«جراموفون»وحصرياً: «المكتبة» تشترى مطبعتين سريتين لعرضهما

 

«أنت الآن تعيش فى عام 1880، فى أواخر القرن الـ19، هنا كل ما كان يستخدمه أجدادك فى حياتهم اليومية، فى عهد محمد على، ومن بعده الملك فاروق، يمكنك أن تحصل على مقتنياتهم الخاصة.. وعلى تحف يرجع تاريخها إلى عشرات السنين».. هكذا بدأ رأفت الخمساوى حديثه عن مقتنياته التى ظل يجمعها طوال العقود الماضية، ليجد الفرصة المناسبة لعرضها فى مهرجان «من فات قديمه تاه» الذى تنظمه مكتبة الإسكندرية.


«اللى ما يعرفش ماضيه عمره ما هيكون له حاضر ولا مستقبل».. كلمات يؤمن بها الخمساوى، فكانت دافعه لجمع أكثر من 3000 قطعة نادرة وتحفة أثرية يرجع تاريخها إلى أكثر من 140 عاما، هنا تليفونات.. وأنتيكات وطرابيش، وركن خاص بالملك فاروق، وعملات أوروبية وعربية ومصرية قديمة، كل ذلك يمكنك مشاهدته وأنت تتجول فى معرض «من فات قديمه تاه».


يعرض الخمساوى فى معرضه أنتيكات من تليفونات قديمة، وأجهزة راديو، وطوابع، وعملات قديمة، وطرابيش، ويقول: «هنا طرابيش كانت تباع فى عشرينيات القرن العشرين، فكان الطربوش يستورد من الخارج، وكان يباع بـ130 قرشا والطريف أنه إذا وجد الزبون عيبا فى الطربوش، يتكفل صاحب المحل بتعويضه بـ5 جنيهات، عقابا لصاحب المحل، وهو ما يمثل أضعاف ثمن الطربوش الأصلى».


على يسار المعرض تجد مطبعتين كبيرتين، يحكى عنهما الخمساوى فيقول: «هنا مطبعتان سريتان، إحداهما يدوية والأخرى كهربائية، كانتا تستخدمان فى طباعة المنشورات السرية فى الثورات السياسية»، وأكد أن المكتبة اشترت المطبعتين، وستعرضهما فى أحد متاحفها، بعد انتهاء المعرض.


حلاق عام 1890 لا يختلف كثيرا عن حلاق 2010، إلا أنه فى القرن الماضى كان لا بد أن يحصل الحلاق على رخصة من «الإسبتالية» أو المستشفى، مكتوب فيها «نقر نحن الموقعين أدناه من الأطباء أن هذا الشخص يستطيع مزاولة مهنة الحلاقة، ويحصل على لقب حلاق خصوصى»، يعرض الخمساوى فى معرضه عددا من رخص الحلاقة، والحقيبة الخاصة بالحلاق الخصوصى، وبجانبها أشكال مختلفة من الأمواس والماكينات الخاصة بالملك فاروق نفسه.


تضمن المعرض ركنا خاصا بالصحافة، حيث عرض لعشرات الجرائد القديمة التى كانت تصدر فى أوائل القرن الماضى، ويتابع الخمساوى قائلا: «استطعت جمع هذه الجرائد من عام 1880 حتى ثورة 1952، حيث جمعت أسماء مختلفة من الجرائد، السلام والوقائع، والمصرية، لنرى كيف تطورت الصحافة فى مصر، والحفاظ على التاريخ الصحفى».


«حتى النظارات الطبية فى عام 1910 اختلفت عن نظارات اليومين دول» هكذا يرى الخمساوى، حيث عرض فى فاترينة خاصة، مجموعة من النظارات الطبية، القديمة وأشهرها، تلك النظارة التى كانت تخلو من الذراعات، بل يقوم الشخص بتعليقها على أنفه بإحكام ومهارة دون أن تقع، بالإضافة إلى نظارة بدون إطارات، والتى علق عليها قائلا: «ليس صحيحا أن هذه النظارات حديثة، بل كانت موجودة من عشرات السنين، وهو ما يعنى أن التطور، والحداثة لم تكن وليدة هذه الأيام».


وبنفس القسم الخاص فى المعرض، تلمح ركنا خاصا بالصحافة الملكية، فهنا توجد كل الجرائد التى تحدثت عن الملك، «عاش الملك»، «مات الملك» كلها عبارات تلمحها فى الصفحات الأولى من الجرائد، وصحيفة نادرة كانت تحتفل بمئوية محمد على باعتباره مؤسسا لمصر الحديثة.


مجموعة خاصة من الموازين التى كان يستخدمها الباعة، فى أوائل القرن الماضى، تقابلك فى معرض الخمساوى، موازين حساسة لباعة الذهب، وميزان لبائعى الخضروات، والسلع الغذائية، تلمح الاختلاف بين كل هذه الموازين، وفى النهاية مئات العملات العالمية والأوروبية والمصرية التى قام بجمعها على مدار السنوات من فئة الـ100 والـ50 والـ20، معربا عن سعادته فى تنظيم مثل هذه المعارض التى ترجع «شباب اليومين دول لماضيهم، ومعرفة تاريخ أجدادهم فى أبسط تفاصيل حياتهم، وفعلا اللى يفوت قديمه آخرته التوهان، وأنا أفتخر بأنى أنظم هذا المعرض الذى عبر عنه الناس قائلين: «معرض الخمساوى واكل الجو

فى ركنه الخاص بمعرض «من فات قديمه تاه» فى مكتبة الإسكندرية، يعرض مكرم سلامة 30 صورة نادرة لكسوة الكعبة، و300 أفيش لأفلام مصرية قديمة، يلتف الشباب حول عشرات الصور القديمة للإسكندرية، وأفلام أبيض وأسود ويوسف شاهين، ليشاهدوا مجموعة من الصور النادرة، وماكينتين قديمتين فى عرض الأفلام.


«تستطيع أن تحكم على حب الشباب للماضى من خلال رؤية عشرات الشباب وهم يشاهدون تاريخ السينما المصرية».. بفرح عبّر مكرم سلامة، أحد المشاركين فى المعرض، عن إعجابه بالإقبال الشبابى الكبير، ويقول: «هنا 30 صورة لمحمل الكعبة وكسوتها التى كانت تصنع فى مصر، وتخرج منها إلى بيت الله الحرام، فى مكة المكرمة بالأراضى الحجازية، التى تعرف بالسعودية اليوم، وهى صور نادرة، لا تستطيع أن تجدها فى أى مكان». بين عشرات الصور تجد ماكينتين قديمتين لعرض الأفلام القديمة، يحكى عنهما فيقول: «الأولى صغيرة 8 مل، والثانية أكبر منها 16 مل، وهما ماكينتا عرض سينمائى، يرجع عمرهما إلى أربعينيات القرن الماضى، وسط آلاف الوثائق، وأفيشات الأفلام خاصة أفلام يوسف شاهين النادرة».


«لحن الخلود» و«مذكرات الآنسة منال» و«الخائنة».. من بين أبرز أفيشات الأفلام الموجودة على جدران المعرض، ويؤكد سلامة أنه يمتلك العشرات من هذه النوعية من الأفيشات القديمة، بالإضافة إلى صور الإسكندرية القديمة، والطراز المعمارى المميز، وهنا تجد للقاهرة مكانها، حيث توجد صور لمدينة الألف مئذنة، بطرازها المعروف، وحرفها الخاصة من النحت على الخشب والنحاس، والزى المعروف لأصحابها

من خلف الإطار الخشبى الذى يجلس بداخله، وفى يده مجموعة من الخيوط المصنوعة من سعف النخيل الملونة بألوان طبيعية 100% لصناعة «الحصير»، قال صالح بدر الدين لـ«إسكندرية اليوم»: «صناعة الحصير من الصناعات التراثية القديمة جداً، التى دخلت فى طور الاختفاء، بعد انتشار مصانع السجاد الآلى، ولجوء الكثير من أصحاب المهنة للعمل بها، توفيراً للوقت الذى يستغرق فى صناعة القطعة الواحدة».


أشاد «بدر الدين» بدور وزارة الثقافة فى الحفاظ على مهنة صناعة الحصير قائلاً: «عشان واحد يتعلم صناعة الحصير محتاج مش أقل من 10 سنين، ومعظم الشباب بيقول يا مين يعيش ومش بيرضى يتعلمها» وأكد أنه ورث مهنة صناعة الحصير عن والده، وكان وقتها فى السابعة من عمره، وبعدها تولت وزارة الثقافة مهمة تسويق منتجاته، التى حاول أن يبعد فيها عن الأشكال والألوان التقليدية، ويُخرج إبداعات جديدة تساعد على تسويق المنتج بشكل أوسع، والمنافسة بها فى مسابقات على مستوى الدولة والدول العربية.


«القرى» و«النجوع» هى البيئة المناسبة لتسويق منتجه، هكذا قال «بدر الدين»، مشيراً إلى أن ثقافة استخدام «الحصير» غير موجودة إلا فى بيوت الفلاحين، وفى بعض القرى السياحية، التى تخصص أركاناً للبيئة المصرية وتعرض فيها منتجات من وحى هذه البيئة لبيعها للسياح، وتمنى «بدر الدين» ألا تنقرض الحرفة التى تعلمها على يد أبيه وأجداده من مصر، مثل الكثير من الحرف التراثية التى تعانى من خطر الاختفاء

«الفخار» بجميع أشكاله مثل القلل والفازات والأوانى الفخارية وغيرها، مهنة أخرى، أكد صانعها أبو سريع حسن محمد أنها أوشكت على الانقراض، بسبب عزوف الشباب عن تعلمها الذى يستغرق وقتاً كبيراً، ومهارة عالية، ورغبتهم فى تعلم حرفة سهلة تدر عليهم الربح السريع.


يقول «أبوسريع»: إن أول لقاء بينه وبين الطين المصنوع منه الفخار كان عام 1959، عندما كان فى التاسعة من عمره، وكان لوالده الذى مارس المهنة نفسها، دور كبير فى عشقه لها، مضيفاً: «كنت بشوف والدى يقعد قدام الطين يطلع منه أحلى الأشكال، وكنت بستغرب إزاى الطينة ممكن تتحول لشىء جميل بالشكل ده، وقررت إنى أتعلمها، ومرة على مرة بقيت بصنع قلل صغيرة، وأشكال بسيطة، لغاية ما احترفت».


تبعية «أبوسريع» للهيئة العامة لقصور الثقافة وفرت عليه الكثير من المجهود فى تسويق صناعته، ولكنه أكد أن المهنة فى طريقها للزوال، بسبب غياب الوعى، موضحاً: «يصعب تعليم شاب عنده 24 أو 25 سنة، لكن سهل جداً تعليم طفل، والموهبة أكيد بتلعب دور كبير فى مدة التعليم، وبتفرق من واحد للتانى، وطول المدة هو اللى بيخلى كتير من الشباب يهرب من تعلم الصنعة وبيدور على صنعة يتعلمها بسرعة عشان تجيبله فلوس».


حساسية الأنامل والأقدام والنظر هى مفاتيح العمل الجيد من وجهة نظر «أبوسريع»، وهو الأمر الذى يفرّق بين حرفى وآخر، مؤكداً أن الحرفى المتميز يستطيع تمييز العمل الجيد الصنع من الردىء بمجرد النظر إليه.

«هلال» يخشى ضياع مهنة الحفر على النحاس بانتهاء جيله.. و«الزومبا» و«الكوبيا» أهم أدواته



من تحت نظارته الطبية وبتمكن من يستطيع الحديث بطلاقة دون أن يثنيه ذلك عن التركيز فيما تقوم به يداه من حركة باتت تعرف طريقها من كثرة الممارسة، قال هلال السمان، أحد الحرفيين، الذين ما زالوا يحافظون على مهنة الحفر على النحاس، وواحد من المشاركين فى المعرض: «بداية معرفتى بالنحاس كانت منذ 30 عاماً، كهواية جذبتنى بدقة صنعها، وأشكالها، وبعد ممارستها بفترة، تحول الموضوع لمهنة، أحصل منها على مصدر رزقى، خاصة أن المشغولات النحاسية رائجة بين السائحين الأجانب لتميزها بالزخارف الهندسية الإسلامية والخطوط العربية، وأشكال الطيور والحيوانات المصنوعة بمهارة شديدة، وتعبر عن البيئة المصرية، لذا يرغب الكثير منهم فى شرائها كتذكارات وهدايا عند عودتهم لبلادهم». الكويت وقطر ولندن وباريس، بعض الدول التى زارها «هلال» للترويج لمنتجاته، التى أكد أنها تلاقى رواجاً خارج مصر أكثر من داخلها. وعن الأدوات التى يستخدمها فى «حفر النحاس» قال «هلال» إن الشاكوش وأقلام الحفر ذات «التخانات» المختلفة أهم الأدوات، يليها قلم «الزومبا» وقلم «التقطيع» و«البرجل» وقلم «الكوبيا» وزيت التليين. أبدى «هلال» تخوفاً واضحاً من اندثار حرفة حفر النحاس، وأرجع ذلك إلى أن عدداً قليلاً جداً من الحرفيين فى جيله من كبار السن هم الذين لا يزالون يمارسون هذه المهنة، وأن شباب الحرفيين لا يقبلون عليها لعدة أسباب يعد أبرزها ارتفاع سعر النحاس، الذى وصل سعر الكيلو منه إلى 60 جنيهاً، مما يجعل ثمن المشغولة فى النهاية مرتفعاً بعض الشىء، وهو ما أضاع على الحرفة شريحة كبيرة من جمهورها، على حد قوله.