وجعنى قلبى وأنا أجلس أمام شاشة الفضائيات أشاهد ما حدث في تركيا...... لقد انفطر قلبي وأنا أرى العسكرية تتعرض لمهانة ومذلة متعمدة قام بها بالقطع وبأوامر عليا أفراد من الجناح الآخر للأمن وأقصد بهم رجال الشرطة علاوة على بعض الميليشيات المدنية التي تنتمى إلى حزب العدالة والتنمية..... ومن المعروف أن جناحى الأمن في أي دولة هما القوات المسلحة والشرطة.... فكيف تبغي إحداهما على الأخرى دون أن تحدث شرخا عميقا بينهما... وأنا هنا لا أتحدث عما إذا كان انقلابا حقيقيا أم مسرحيا أو لماذا تم هذا الانقلاب وما هي أسبابه ونتائجه فهذا شأن داخلي تركي يخصهم هم. ولكنى أتحدث فقط عن العسكرية وما ألم بها لأننى واثق أن الكثيرين من العسكريين حول العالم قد آلمهم ما رأوه وهم يشاهدون العسكريون الأتراك يخلعون ملابسهم قطعة تلو القطعة باستسلام واضح وبهدوء شديد وبدون أي مقاومة نهائيا، ويحيط بهم عدد قليل من المدنيين ليس بيدهم أي سلاح اللهم بعض المسدسات الصغيرة.
إن الجيش التركي يعد من الجيوش القوية حقيقة فهو القوة الثامنة في الترتيب العالمى والقوة الثانية في الدول الأوروبية المشتركة في حلف الناتو... فهم مثلا لديهم ما يقرب من 600 طائرة مقاتلة....... ونحن أنفسنا عندما كنا صغارا كنا نتندر بقادتنا عندما يكونو متشددين بقولنا «معلهش عسكريتهم تركى» يعنى شديدة الانضباط والالتزام.... إن أساس العسكرية هي الكرامة. أما وقد أهينت هذه الكرامة فإن العسكرية التركية ستستغرق وقتا طويلا حتى تبرأ مما أصابها من إهانات وتستعيد كرامتها.
كل هذا جال في خاطرى وأنا في طريقي مع زملائى وقادتى الطيارين المتقاعدين لحضور حفل تخريج دفعة جديدة من الطيارين... ما إن بدأ العرض العسكرى والعرض الجوى القوى والرائع الذي أداه نسور الجو إلا وتـأكدنا أن لدينا قوات جوية ذات كفاءة قتالية عالية، وأنها تعمل في كل وقت وفي أي مكان، وهكذا قال الرئيس في كلمته.
بدأ الخريجون يرددون يمين الولاء، حيث أقسموا بالله العظيم ثلاثا أن يكونو أوفياء مخلصين ومطيعين لأوامر قادتهم حتى وصلوا إلى «حاميا ومدافعا عنها في البر والبحر والجو محافظا على سلاحى لا أتركه قط حتى أذوق الموت»..
نعم إنه لقسم لو تعلمون عظيم، رأيناه رؤى العين في حرب أكتوبر 1973.. وشاهدناه وسمعناه وتأكدنا منه من إخوتنا وأبنائنا وهم يحاربون الإرهاب الأسود
ويحاصرونه ولايزالوا حتى يقضوا عليه تماما بإذن الله...
«لا أتركه قط حتى أذوق الموت «نعم صدقتم.... فداكي يا مصر أرواحنا.. جروح مصابينا هي أوسمة ونياشين تتزين بها أجسادهم.
أليس جند مصر هم خير أجناد الأرض لأنهم في رباط إلى يوم الدين.. نعم ولهذا وكما قال الرئيس عندما أبلغوه أن مناورة القوات الجوية ستستخدم فيها الذخيرة الحية في وجود سيادتكم فقال لهم ليس هناك أي مشكلة. فكانت أول مرة تستخدم الذخيرة الحية في حفلات التخرج والعروض العسكرية بعد سنين طويلة.. أتعلمون لماذا، لأنه يوجد ثقة متبادلة بين القائد الأعلى الذي يثق في ضباطه وجنوده من كافة الأسلحة. ومن الناحية الأخرى جيش الشعب وجد أن هذا القائد يحب بلده مصر بشدة فأحبوه وأخلصوا له.
سلمت يا جيش مصر.... سلمت يا جيش العزة والكرامة.... حفظ الله مصر وشعبها وجيشها ورئيسها قائدها الأعلى للقوات المسلحة..
...... وفي طريق عودتى من الكلية الجوية وجدت على وجوهنا جميعا ابتسامة عريضة ورؤوسنا مرفوعة وكرامتنا عالية اعتزازا وفخرا بما رأيناه، وأننا ننتمى إلى هذه المؤسسة العريقة التي هي جزء من نسيج شعب مصر العظيم.
** لواء طيار أ.ح. متقاعد