يبدأ، اليوم فى مصر، عرض فيلم «اشتباك» إخراج محمد دياب الذى كان عرضه الأول فى افتتاح مسابقة «نظرة خاصة» فى مهرجان «كان» هذا العام.. انظر «المصرى اليوم» عدد 14 مايو 2016، وهو من أهم الأفلام المصرية هذا العام، بل منذ ثورة يناير 2011.
لا أحب الصخب التليفزيونى المصاحب للعروض الرسمية فى المهرجانات، أو فى العروض الخاصة فى مصر، ولذلك أفضل مشاهدة العروض المخصصة للصحفيين والنقاد فقط، لأننى من الأجيال العتيقة التى تعتقد أن كتابة نقد الأفلام تحتاج إلى التركيز والهدوء والتأمل، وأن النقد موجه إلى المتفرج الذى يقرأ على أمل أن يعاونه فى قراءة الفيلم كما هو، وليس للتسلية.
ولذلك شاهدت «اشتباك» فى مهرجان «كان»، فى عرض الصحافة الذى يقام صباحاً، وليس فى العرض المسمى «رسمى» فى المساء، وكتبت عن الفيلم النقد المشار إليه مباشرة بعد العرض، وعلى غير عادتى فى نشر النقد مع العرض فى مصر، بسبب ما قيل عن «إخوانية» الفيلم، ولم أجده كذلك، فالأحداث تدور فى يوم من الأيام التى أعقبت ثورة 30 يونيو، وإسقاط حكم الإخوان بين المظاهرات الإخوانية والمظاهرات المعارضة لها عام 2013، ويعبر الفيلم عن هذا الانقسام المستمر حتى الآن، فهو ليس «تاريخياً لمجرد أن أحداثه تدور ذلك العام، وإنما يتناول الواقع السياسى المعاصر لزمن إنتاجه وعرضه، ولا ينحاز الفيلم إلى أى من الطرفين، وإنما يحذر من استمرار ذلك الانقسام على الجميع وعلى مستقبل مصر، ويؤكد أن الديمقراطية التى طالبت بها ثورة يناير، وأكدت ثورة يونيو المطالبة بها لم تتحقق بعد، ومن ذا الذى يقول إنها تحققت؟!
وربما يقال هنا إن الفيلم السياسى لا بد أن ينحاز إلى أحد الطرفين فى أى صراع سياسى، ولكن عدم الانحياز أيضاً موقف سياسى يتجاوز الانحياز إلى رؤية وطنية وإنسانية صادقة، بالمعنى الدرامى للصدق، وليس بالمعنى الأخلاقى، ومن يبحثون عن فيلم ضد الإخوان أو مع الإخوان عليهم البحث عن ذلك فى فيلم آخر غير هذا الفيلم.. «اشتباك» ليس من أفلام الدعاية السياسية.
وقد كان الظهور المفاجئ للداعية الإسلامى معز مسعود على السجادة الحمراء فى العرض الرسمى للفيلم، باعتباره مشتركاً فى إنتاجه- مدعاة لمن يرون العمل إخوانياً بأنهم على حق، ولست أعرف فكر الرجل، ولا فكر أى من المشتركين فى الإنتاج، فلكل ناقد منهجه، وليس من منهجى البحث عما وراء الأفلام، إلا من الأفلام ذاتها، بل إن العمل الفنى فى منهجى ما إن ينتهى حتى يستقل عن صانعه، ويصبح ملكاً أدبياً لمن يتلقاه فى بلاده، أو فى أى بلد، فى زمن إنتاجه، أو فى أى زمن قادم.
اليوم يشتبك الفيلم مع جمهوره فى مصر الذى توجه إليه محمد دياب بعمله، ثم ما هو هدف الفيلم السياسى سوى إثارة الجدل والنقاش فى السياسة؟! وما الحياة السياسية التى تخدم الحاضر والمستقبل من دون جدل ونقاش؟!