«مهاويس» الصحارى

كتب: سندس شبايك الثلاثاء 07-12-2010 21:17


فى الوقت الذى يحلم فيه أغلب الشباب بقضاء إجازاتهم فى فنادق فاخرة، ويسعى آخرون للعمل ليلاً ونهاراً للاستمتاع فى نهاية يومهم ببعض الرفاهيات، قرر البعض التمرد على ذلك، يقضون أياما فى الصحراء التى تفتقر إلى أبسط الاحتياجات الأساسية، يذهب فتيان وفتيات لقضاء إجازاتهم أو المشاركة فى أعمال تطوعية، «شباب اليوم» عايشت مجموعة من الفتيات ممن يعتبرن أنفسهن مهاويس الصحراء، بعيدا عن تعقيدات الفتيات المعتادة واهتمامهن بجمالهن ورفاهيتهن، يقضين أسبوعا فى صحراء فسطاط وادى الجمال بمرسى علم.


يبدأ اليوم فى السادسة صباحا بعد شروق الشمس مباشرة، فالأنشطة اليومية مرتبطة بضوء الشمس، تبدأ مع طلوعها وتنتهى مع غروبها، ولا تحتاج لمنبه لأن النوم داخل خيام يسمح بدخول أشعة الشمس، وبالتالى تستيقظ، إما نتيجة للضوء أو الحرارة.


النوم


النوم يكون داخل خيام صغيرة، تختلف أحجامها وألوانها، بعض الخيام تستوعب شخصا واحدا، والبعض الآخر يستوعب 6 أشخاص، وداخل الخيام تنام الفتيات داخل ما يعرف بشنطة النوم  sleeping bag، وهى عبارة عن غطاء مصنوع من مادة عازلة لتحمى من البرودة ليلا، لكن لا يوجد شىء بخلاف الغطاء غير كليم مفروش على أرض الخيمة، فيشعر المخيم أثناء نومه بالطوب والزلط وتعاريج الأرض من تحته، ويصبح لازما عليه أن يظل ساكنا فى نومه حتى لا يشعر بمتاعب، ومع ذلك تقول المخيمات إنهن يعتدن النوم بهذه الطريقة بعد أول يوم، تقول روان الشيمى «22 سنة»: «ما يصعب اعتياده هو الناموس، فإما أن ترتدى ملابس طويلة لتغطية الجسم قدر المستطاع، أو تستعمل طارداً للناموس».


«الشيمى» تعمل كاتبة فى موقع سياحى، واعتادت السفر والتخييم منذ سن الحادية عشرة عن طريق إحدى الجمعيات التى تنظم رحلات وأنشطة لتنمية الطفل. وبالرغم من أن سفر البنت وحدها للصحراء أو أى مكان آخر بعيد فكرة غير محببة لأغلب الأهالى، إلا أن «الشيمى» تؤكد أن والديها يشجعانها على السفر وخوض التجارب المختلفة.


التخييم كان فى محمية فسطاط وادى الجمال فى مرسى علم، والمكان بأكلمه عبارة عن خيام، حتى المطبخ والحمام عبارة عن خيام كبيرة الحجم.


الحمام


المياه نادرة جدا فى الصحراء، فحيث يقيم المخيمون لا يوجد أى مواسير للمياه والصرف الصحى، ولذلك المياه متوفرة داخل خزان فى حمام داخل خيمة فى وسط الصحراء وعلى بعد بضعة أمتار من مكان الخيام، وتقول «الشيمى» إنهم يقومون بالتنبيه على الجميع بأن استخدام المياه يكون بحذر شديد، لأن فى حالة انتهاء المياه الموجودة داخل الخزان سيكون على الجميع الانتظار لليوم التالى، كل واحد مطالب باستخدام أقل نسبة ممكنة من المياه، والاكتفاء بالاستحمام مرة واحدة كل يوم أو يومين، وعلى كل شخص تنظيف الحمام بعد استخدامه وعدم ترك أي مخلفات».


المرايا


عشق المرأة للمرآة ينتهى عند حدود الرمال الصفراء، ففى الصحراء توجد مرآت ان فى الحمام، لكن مساحتهما صغيرة ويصعب استخدامهما طوال الوقت، والمساحة داخل الخيام صغيرة جدا أحيانا لا تسمح بدخول الحقائب.


تقف «الشيمى» محاولة باستماتة أن تنظر فى المرآة لتغسل أسنانها، يرهقها صغر مساحة المرآة فتقرر إكمال المهمة دون النظر، تعلق ساخرة «يعنى هى جت على دى»، وتضيف: «فى الصحراء لا يحتاج الشخص إلى النظر إلى المرآة». وتعلق «هبة أبو العيد»، مخيمة أخرى على هذا فتقول «هو أنا شعرى عامل إزاى؟». وتشرح «الشيمى» أنه على عكس حياة المدينة، الحياة داخل الصحراء بسيطة ولا تحتاج لأى اهتمام بالشكل والمظهر، وتعلل «ماحدش بيبص مين لابس إيه ولا عامل شعره إزاى.. وماحدش بيبقى حاسس أصلا إنه محتاج يبص فى المرايا، الصحراء بتخليك تتصرف بطريقة مختلفة عن القاهرة».


الأكل والشرب والحر والشمس


لا توجد ثلاجات فى الصحراء بالطبع، والموجود منها يستعمل فى أشياء أخرى أهم من الحفاظ على مياه الشرب باردة، تحكى «الشيمى» فى أول يوم أكثر ما تذمر المخيمون بسببه هو عدم وجود مياه للشرب بخلاف الزجاجات التى قامت الشمس وحرارة الجو بتسخينها، تعلق «لا يوجد سوبر ماركت أو محال لعمل ديليفرى.. وبالتالى إما تكون قد أحضرت طعاماً معك، أو تستسلم لما تستطيع ظروف الصحراء إتاحته من وجبات من الفول والعدس والأرز والخضروات». بينما تتحسر «أبو العيد» على رفاهية القاهرة فتقول «عبارة واحد شاى لو سمحت تتطلب الكثير. ونظرا لدرجة حرارة الشمس فشرب الماء من الضروريات، وفى حالة الشعور بالضعف شرب مياه وسكر».


الرفاهيات


6 من الفتيات سقطن فى حالة من الإعياء بعد اليوم الأول، وهو ما لم يحدث لـ«الشيمى» التى تمرست الصحراء، تخرج من خيمتها لتقوم ببعض المهام التطوعية فى تنظيف الصحراء، وتقول «الشيمى»: «فى القاهرة بضغطة واحدة تستطيع تشغيل التليفزيون أو الكمبيوتر أو إضاءة غرفة، لكن فى الصحراء كل ذلك غير متاح، ويعتبر من الرفاهيات، وكان من يتذمر لعدم وجود مصدر كهرباء يقال له بلاش دلع».


فى «وادى الجمال» لا يوجد سوى مكان واحد به مصدر للكهرباء، وهذا أيضا امتياز نادر وجوده فى أى مكان آخر، ولا يوجد عواميد نور فى المكان، ولذلك يستخدم المخيمون بطاريات للإضاءة ليلا فى طريقهم من خيمة لأخرى، أو من مكان لآخر. تعلق «الشيمى»: «يصعب حصر كل ما يمكن تسميته بـ(رفاهية) داخل الصحراء، ولكن بشكل عام كل ما نتعامل معه على أنه من الاحتياجات الأساسية فى مدينة القاهرة هو عادة ما يكون من الرفاهيات فى الصحراء، فبالرغم من أن الجميع يؤكد أن الحياة دون التليفون المحمول والإنترنت وهوس الفيس بوك شبه مستحيلة، يعيش من يذهبون للصحراء أيامهم دون أى وسيلة تربطهم بالعالم الخارجى، فشبكات المحمول لا تغطى كل صحارى مصر، وكذلك الإنترنت، ويكون هذا مصدر ضيق للكثير، ولكن بمرور الأيام يعتادونه، بل ويرحبون به، أهو أحسن من الدوشة اللى إحنا جايين منها».


يقول «عمرو» أحد المخيمين «أى حد فى القاهرة هتكلمه مش هيكون حاسس باللى إنت حاسس بيه وإنت فى الصحراء، إنت فى مكان هادئ بعيد عن الدوشة والتلوث، وهمَا لسه فى الطاحونة».


وتحكى «روان الشيمى» عن تجاربها فى التخييم فى الصحراء ومناطق أخرى، وكيف أثرت فى شخصيتها. «أنا باطلع أخيم لوحدى من وأنا 11 سنة. والتجارب دى خلتنى أقوى وعندى قدرة أكبر على تحمل المسؤولية». وبالرغم من صعوبة الحياة بدون رفاهيات المدينة إلا أن «الشيمى» تؤكد أنها اعتادت الحياة بهذه الطريقة فى كل مرة سافرت فيها. «أنا مش باتضايق من قلة النوم والميه القليلة وعدم وجود سرير، ولا ميه كفاية للدش، مش شايفة كل ده بهدلة، لأن فى المقابل فى حاجات تانية بلاقيها مش موجودة فى القاهرة».


تدخل «الشيمى» داخل حقيبة النوم بعد أن ازداد الجو برودة، لا يظهر منها سوى رأسها فقط، تستمر فى الحكى كوسيلة للتسلية، وتعلق على الحياة بعيدا عن الزحام والضوضاء والتلوث، وتأثير الهدوء ونظافة الجو على صحة الشخص الجسدية والنفسية أيضا. وتقول «الشيمى» إن التجربة دائما ما تؤثر على أصحابها، وأغلبهم يواجه مشكلة عند الرجوع للقاهرة فى التأقلم مرة أخرى مع رتم الحياة السريع: «دايما الرجوع والتأقلم على العيشة فى القاهرة تانى بعد القعدة فى الصحراء أو أى مكان تانى هادئ وبسيط، بيبقى صعب أوى. ودائما بيخليك تسأل نفسك: هل إحنا عايشين فى المكان الصح؟!».