23 يوليو.. ثورة ولا انقلاب

مي عزام السبت 23-07-2016 21:54

انقلاب تركيا الفاشل الأخير، جعل الأجيال الجديدة من شباب مصر تتساءل: هل 23 يوليو كان ثورة أم انقلابا عسكريا نجح قادته في الاستيلاءعلى السلطة من الملك فاروق؟

تعريف الانقلاب العسكرى ينطبق على حركة الضباط الأحرار فى 23 يوليو، ولكن تقييم الحركة والمناخ الدولى في ذلك الحين جعلا من هذا الانقلاب مقبولا بل ومرحبا به، كما جاءت نتائجه لتجعله نموذجا لحركات الاستقلال الوطنى والتحرر من التبعية وعودة الحكم للشعب، الملك فاروق رغم كونه مصرى الجنسية لكن كان هناك مبررات كثيرة لعزله، فنظام الحكم الملكى الإقطاعى لم يكن يناسب عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبزوغ فجر الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى تقود المعسكر الغربى أمام الاتحاد السوفيتى والمعسكر الشرقى، كان يستدعى إجراء تعديلات كثيرة في العالم، كان هناك رغبة من النظام العالمى الجديد حينذاك لزعامات تلائم المرحلة ويمكن أن يتم ترويضها لتتبع أحد المعسكريين وتكون حليفا استراتيجيا في المنطقة، انقلاب يوليو لم يجد أي معارضة دولية، وفاروق لم يجد حليفا قويا يساند بقاءه في الحكم ورحل في سلام.

كل عام وعلى مدى 64 عاما نحتفل بهذه الثورة التي لم يشارك فيها الشعب بل كان يجهل قادتها، لكن الشعب لم يشكك يوما في أنها ثورته، وأنها عبرت عن طموحه وأحلامه في غد أكثر كرامة وإنسانية.

تحول الانقلاب إلى ثورة وأصبح قادته زعماء يكن لهم الشعب التقدير والاحترام والامتنان، وتحول عبدالناصر لأسطورة شعبية ومازال ظله أخضر، الأجيال الشابة التي لم تعاصره، ترفع صورته في أي تظاهرة ثورية تنادى بالعدالة الاجتماعية وكرامة الوطن والمواطن.

نجح قادة الانقلاب العسكرى في كسب ثقة الشعب واكتساب الشرعية بحزمة قوانين ثورية أدت إلى تغيرات كبيرة في المجتمع لصالح الأغلبية، وككل الحركات الانقلابية والثورية كان هناك فئات تضررت وأيضا كان هناك من ناصبها العداء من نظم رجعية إقليمية أرادت لها الفشل .

نجح الانقلاب في إحداث التغيرات الثورية المطلوبة دون اللجوء إلى عنف أو إراقة دماء، تم تطبيق قوانين للحد من نفوذ الإقطاع القديم بقوانين التأميم، تقليص الملكية الزارعية بقوانين الإصلاح الزراعى، وتم حظر ممارسة السياسة للأحزاب القديمة وحلها، تم ذلك بتدرج زمنى وأسلوب يتناسب مع مزاج الشعب المصرى الذي يجنح للسلم والعفو ويكره العنف وأسلوب الانتقام.

أعطى انقلاب يوليو العسكرى الشرعية للجيش المصرى لقيادة البلد، ومنذ ذلك الحين أصبح للجيش وضعية وحصانة خاصة، ولقد أثبت دائما أنه مؤسسة تحافظ على الثوابت الوطنية، ولكن بعد مرور أكثر من نصف قرن على الانقلاب العسكرى، الذي أعتبره أنا شخصيا ثورة بسبب آثارها التي غيرت المجتمع المصرى وتركيبته لصالح الأغلبية وحققت لمصر الحداثة والتطور، يمكننا أن نطالع بحيادية الجوانب الإيجابية والسلبية له، الإيجابى سبق ذكره والسلبى تراجع هامش الحريات والممارسة الديمقراطية وبقاء السلطة في يد الجيش.

الجيش المصرى مازال يحوذ على ثقة الشعب، ولكن بعد ثورة يناير، كان هناك رغبة في أن يمتد التغيير إلى مؤسسة الرئاسة، وكان هناك شبه اجماع على أنه آن الأوان لأن يكون رئيس مصر مدنيا من خارج المؤسسة العسكرية.

لا حاجة لتكرار الحديث عما حدث، ولكن الضرورات تبيح المحظورات، ونأتى للنقطة التي يختلف عليها الشعب الآن :هل ما حدث في 30 يونيو وعزل الرئيس محمد مرسى، ثورة أم انقلاب؟؟

كيف سيكتبها التاريخ بعد نصف قرن من الآن، هل سيعتبرها ثورة شعبية أم انقلابا عسكريا بدعم شعبى؟

التاريخ عادة يكتبه المنتصرون، ولكنه لا يغفل تأثير الحوادث الكبرى على حياة الشعوب، وأتمنى أن يكتب ولو بعد حين أن «30 يونيو» جنبت مصر خطر التقسيم وكثيرا من النوائب، وأن مصر تحولت بعدها إلى بلد مؤسسات تحترم القانون وحققت العدالة الإجتماعية مع مراعة حقوق الإنسان وكرامته، وتحولت إلى دولة ديمقراطية حقيقية، كما توالى على رئاستها رؤساء مدنيون وأيضا من خلفية عسكرية، كما اقتصر نشاط الجيش المصرى على حماية الأمن القومى وحدود البلاد من أي اعتداء وعدم التفريط في شبر من أرضها.

كل عام و23 يوليو ثورة وليست انقلابا.. وعقبال 30 يونيو.

ektebly@hotmail.com