تسامح لا نعرفه

نيوتن الجمعة 22-07-2016 21:37

المرة الأخيرة التى قابلت فيها الأستاذ هيكل، رحمه الله، كانت فى لندن. لديه بيت صغير فى عنوان أنيق. أما لقاءاته فكان يفضل أن تكون فى بهو فندق كلاريج. كان له مكان مختار لا يغيره. وطاولة مختارة لا يغيرها فى ركن هادئ من البهو. ذهبت إليه وجدته فى الموعد المحدد. ترك لى مساحة من الوقت إلى أن تلحق به زوجته. السيد الفاضلة هدايت تيمور. لفت نظرى أن ما إن رآها طفق ينظر إليها كما لو كان فى موعده الغرامى الأول. جاءت تحمل معها تذاكر لدخول حفل ماتينيه فى أحد مسارح فى لندن. المسارح هناك تنبض بالحياة والتطور المذهل.

عدت إلى زوجتى معاتباً. سألتها: لماذا لا نذهب إلى المسرح بانتظام عندما نكون هنا فى لندن؟ انظرى إلى الأستاذ هيكل وزوجته، لم تفتهما مسرحية واحدة. بعدها استجابت إلى طلبى لمرة واحدة لم تتكرر.

مساء أمس الأول، كنت مدعوا وزوجتى لتناول العشاء من قبل صديق مقيم فى لندن. طبيب مصرى ناجح له باع هنا، وباع أكبر فى أسوان، حيث يساهم فى إدارة مشروع صديقه الفارس مجدى يعقوب. الدعوة كانت فى مطعم فى حى سوهو لا يرتاده إلا الإنجليز. سوهو يشبه خان الخليلى عندنا، لكن على مستوى وسط البلد لدينا، عندما كانت تعج بالمسارح ودور السينما. حى ثقافى كامل يقدم الفن والثقافة والترفيه والمطاعم فى أبهى صورها.

فى الساعة التاسعة والنصف انتهينا من العشاء. خرجنا من المطعم. سرنا حتى ميدان ليستر سكوير. كان يعج بالناس من كل سن وكل لون، بعضهم يرتدون الشورتات والشباشب لمواجهة موجة الحر. الألوان مختلفة. زاهية وداكنة. أجناس مختلفة. بينهم وجدت بعض المحجبات. ما لفت نظرى أن الكل يتقبل الكل. لا أحد يعترض على أحد. ليس هناك تمييز. مساواة تامة وتقبل للآخر بكل اختلافاته. التعايش معاً، مبدأ يؤمن به الكل، يطبق تماما فى هذا البلد. الكل مقبول. الكل له نفس الحقوق. مهما كان لونه أو ديانته أو مظهره أو جنسيته أو طائفته. وكأنهم كما قال عنهم الأمام المستنير محمد عبده، فى الغرب رأيت إسلاما بلا مسلمين. فى بلادنا رأيت مسلمين بلا إسلام.

إنه الدرس الذى لم نتعلمه فى مجتمعاتنا حتى الآن. الغرب عرف الطريق إلى التعايش والتسامح. نحن نتشدق بهما فقط. لكن الطريق أمامنا مغلق. نحن من أغلقه. نحن من فعلنا ذلك بأنفسنا ولا أحد آخر.

أبناء الدين الواحد لدينا يرفضون من يتبعون مذهبا مختلفا. المواطن لا يقبل مواطنا آخر يتبع ديانة أخرى. ليت كان هذا فحسب. بل زدنا من تطورنا إلى الخلف. أبناء الدين الواحد والمذهب الواحد يزايدون على بعضهم البعض. المذهب السنى خرجت منه عشرات الجماعات. كل جماعة تفترض أنها وحدها التى تطبق صحيح الإسلام. الاهتمامات انصبت على المظاهر. أما جوهر الدين أو مقاصده، أى دين، فهى آخر الاهتمامات. لذا تأتى «كل الجرائم» مسبوقة بصيحة الله أكبر.