تختلف القدرة علي التحمل من إنسان لآخر، فيوجد من يصبر كثيراً و يتحامل علي نفسه و يوجد من لا يستطيع تحمل الظلم أو القهر أو سوء المعاملة، وتكمن الإشكالية في توابع من تحمل طويلاً، و ذلك لحتمية لحظة الانفجار.
فيما يبدو أن الحكومة والرئيس لا يدركان أبعاد المشاكل التي تنتج عن الظلم الاجتماعي الواقع علي المسيحيين بسبب اتبعاهم لسياسة تلفيقية مهادنة لن تحل شيئاً، وسوف تخلق مواطنين يشعرون بالظلم وسوف تبهت لديهم مشاعر الانتماء، وقد تحل محله مشاعر سلبية لن تحمد عقباها.
وهي ليست قضايا فتنة طائفية، إذ إن الفتنة الطائفية تستلزم طرفين يتقاربان في مستوى القوة، و لكن الحادث في مصر هو وجود طرف قوي وآخر أضعف، و حكومة لا تفعل شيئاً، الحكومة والرئيس لا حول لهما ولا قوة، ومن الواضح أيضاً عدم وجود إرادة سياسية لحل القضايا من الجذور، الأيدي المرتعشة لا تفعل شيئاً.
قام "جونسون" أمريكي من أصول أفريقية البالغ من العمر 25 عاماً، وهو مجند سابق بجيش الاحتياط الأمريكي بقتل 5 من رجال الشرطة "البيض" وذلك بسبب غضبه بعد مقتل اثنين من الأمريكيين السود علي أيدي الشرطة بلويزيانا، وقد عبر بهذه الطريقة عن غضبة وشعوره بالقهر.
وهنا لا نبرر ما قام به "جونسون"، فما قام به جريمة، وما تقوم به الشرطة الأمريكية جريمة، تخبرنا "الجارديان" أن عدد الأمريكان من أصل أفريقي الذي يقتل وهو غير مسلح وقت القبض عليه هو ضعف عدد البيض الذين تقتلهم الشرطة. و ذلك الواقع الذي يشعر المواطن الأمريكي من أصول أفريقية وقد يدفع البعض منهم إلي نهج سلبي عنيف، هو نفسه ما قد يدفع مواطنا مصريا مسيحيا أو شيعيا أو بهائيا أو ملحدا لأن يسلك نفس المنهج. أحد أسماء الله الحسني "العدل" فهل ما يقوم به ما يريد أن يمحو الآخر المختلف معه له أيه علاقة بأى عدل.
ويحكي فيلم الكاتراز، أشهر السجون الأمريكية عن سجين قضي سنوات طويلة داخل حُفرة كحبس انفرادي وحين عاد إلي السجن العادي وبسبب القهر الشديد الذي عاني منه كثيراً قام بقتل من وشي به مستخدما معلقة.
فالقهر يُحولنا إلي أشخاص آخرين. والعدل يٌخرج أفضل ما فينا. وكُلما تمتع كل المواطنين بالعدل تمتعنا بسلام اجتماعي.
الرئيس والحكومة الحالية يتكلمان حين يجب أن يفعلا، فقد تحولت فرحة بعض المسيحيين بزيارة السيسي لهم بالكاتدرائية في عيد الميلاد التي تبدو وكأنها حفلة إعلامية تكرر فيها بعض الكلمات، ظن البعض أنها قد تقلب التاريخ وأن فكر المواطنة سوف يسود، والقانون سوف يصبح هو محرك الأحداث، ولكن ما أشبه الليلة بالبارحة.
لن يقدم لنا الجديد سوى رئيس يمتلك رؤية وخيالا، ويعرف ويٌفعل قيمة السلام الاجتماعي والمواطنة، الوضع الحالي ليس به سوى بعض الكلمات، نسمعها وننتشي ولكن حين ندخل في غمار الحياة اليومية في مصر نصاب بصدمة ونفقد الثقة بتلك الكلمات.
علي القيادة الحالية تحويل تلك الكلمات إلي أفعال، قبل أن تصبح العواقب وخيمة.
شريف رزق
sherifaq@gmail.com