إلى متى سيظل الأهلى عاجزاً أمام نفسه وجماهيره ومنكسراً أمام الظروف الصعبة والقوانين المؤجلة وبيروقراطية الدولة وعجز جهازها الإدارى عن البدء فى مشروع بناء استاده؟
استاد الأهلى ليس مجرد منشأة رياضية أو حمام سباحة أو مجمع اسكواش أو مبنى اجتماعى أو فرع جديد.. استاد الأهلى هو حلم كل الأهلوية، هو رمز على شموخ وسمو هذه المؤسسة وقدرتها الاقتصادية وعزتها الرياضية وبطولاتها وريادتها الكروية، وهو أمر أدركه الأهلوية والزملكاوية القدمى الذين تركوا لنا استادى التتش وحلمى زامور وعندما تسمع قصص بناء الاستادين ستدرك كيف كان الأهلوية والزملكاوية القدماء مدركين لأهمية هذا البناء فى تخليد اسمى الناديين وتعظيمهما وتفخيمهما ليتركوا للأجيال المتعاقبة إرثاً ثميناً على عظمة ناديهم ومعنى الانتماء والتضحية من أجله، ولكن الورثة لم يدركوا حتى الآن هذا المعنى، ولم يخرج منهم من يحى الفكرة ويطورها ويحدثها، بل وجدت أغلبهم يقفون عاجزين.. خائفين.. مرتعشين من مجرد طرحها، وانشغل بعضهم فى الصراع على لاعب أو القتال من أجل البقاء على المقعد، متجاهلين أن الظروف الآن أفضل مما كانت عليه وقت أجدادهم والرياضة وكرة القدم، بالأخص باتت مشروعاً اقتصادياً مربحاً إذا ما أحسن استثمارها، فالكرة فى العالم تحقق أرباحاً بالمليارات والأندية الكبيرة والعريقة فرصها فى النجاح أعظم وأكبر من غيرها والأهلى والزمالك من هذه الأندية التى تملك فرصا عظيمة فى استثمار اسمها وتاريخها وجماهيرها لبناء استادات.
وهنا سأخص بالحديث الأهلى، باعتبار أن مجلسه اتخذ بالفعل خطوات إيجابية على الأرض نحو بناء الاستاد عندما أسند لشركة ألمانية تصميم الرسومات والماكيت، وقام بتسويقها خلال المؤتمر الاقتصادى عام ٢٠١٥، إلا أنه لم يضع حتى الآن حجر الأساس بدعوى تأخر صدور قانون الرياضة الذى من المفترض أن يعطى للأندية الحق فى الشراكة الاقتصادية والاستثمارية مع الغير، وأن يحولها إلى مؤسسات هادفة للربح، ولكن حتى الآن لم يصدر القانون، وحتى لو صدر بعد شهرين أو ثلاثة- كما يدعون- فإن لائحته التنفيذية فى الشأن الاقتصادى قد تستغرق أعواماً، باعتبار أن هذا الشق مبهم ولسنا أصحاب خبرة فيه، وناهيك عن سلسلة من العراقيل البيرقراطية التى ستطيل أمد هذا الحلم الأهلاوى إلا أن يصبح مستحيلاً مع ارتفاع التكلفة عاماً بعد عام بشكل جنونى،
من هنا أرى أنه من العيب أن يترك نادٍ بحجم الأهلى وتاريخه وشعبيته وإدارته الاقتصادية الفاخرة التى حققت نجاحات غير مسبوقة فى وقت قياسى، أن يترك حلمه فى يد غيره، وآن الأوان أن تأخذ إدارة الأهلى زمام المبادرة، ولديها الآن من القوة والقدرة الاقتصادية ما يسمح لها بأن تضع حجر الأساس وتشرع فى وضع دراسة جدوى تتوافق مع الظروف القائمة، وأنا هنا لا أتحدث عن خيالى حالما أو طموح مستحيل، بل عن معطيات تدعو للتفاؤل وسأوجز بعض النقاط للشرح والتبسيط والتوضيح والتأكيد أن الحلم يمكن أن يصبح حقيقة لو توفرت الإرادة والعزيمة.
أولاً: الجميع يعلم أن الأهلى لم يكن يريد بيع رمضان صبحى وإيڤونا، وأن موازنة فريق الكرة فى الموسم الجديد لم تكن فى حاجة إلى بيع لاعبين لشراء آخرين، بل البيع جاء إجبارياً أمام الرغبة الملحة للاعبين والمبلغ الخيالى المعروض، والذى يصل إلى ما يزيد على ١٤ مليون يورو، (وهنا بيت القصيد)، وهو رقم فى ظنى عظيم لو استغل فى وضع حجر الأساس لبناء الاستاد، الذى تشير التقديرات الأخيرة إلى أن تكلفته تقترب من المليار جنيه، ما يعنى أن الأهلى يملك ١٥٪ من هذه التكلفة، وهو رقم كبير جداً يمكن البدء به، ويأتى بعدها السؤال، ومن أين سيأتى المبلغ المتبقى، وهل سيبدأ المشروع ثم يتوقف لبيع لاعب آخر؟ بالطبع لا، بل على العكس فى الأهلى سيستعيد هذا المبلغ بمجرد الشروع فى التنفيذ، فوفقاً لتصميم الاستاد والمنطقة المحيطة به هناك مول تجارى ومحال ومنطقة ترفيهية وفندق ودور عرض سينمائية وأنشطة اقتصادية وتجارية كثيرة وكبيرة وفاخرة من السهل بمكان طرحها من الآن للمستثمرين وجمع ضعف المبلغ المطلوب لبناء الاستاد، وهذه هى الفكرة التى يقوم عليها بناء أى مول أو كامبوند سكنى أو غيرها من الأنشطة الاقتصادية العملاقة، فالشركات المستثمرة لا تذهب لتضخ المليارات من أصولها المالية، بل تضخ من ١٥ إلى ٢٠٪، وأغلبها يذهب لشراء الأرض، والباقى يتم جمعه من تسويق المنشأة، حيث لا يوجد مشروع يباع بعد أن يكتمل بناؤه، ولو طرح الأهلى المشروع فسيجمع مليارين وثلاثة وليس واحداً، هذا عن الشق المالى والاقتصادى الذى يحتاج إلى بيوت خبرة اقتصادية وتسويقية لوضعه محل التنفيذ، أما عن الشق القانونى، فالقانون الحالى يسمح للأهلى بالتأجير طويل الأجل كما هو فى محال نادى الزمالك، كما يسمح له بإنشاء شركات مع الغير، كما هو الحال فى شركة الأهلى للإنتاج الإعلامى.
وهنا أريد أن أعطى لكم مثالا من الواقع، فعندما تولى محمود طاهر رئاسة الأهلى وجد نادى الشيخ زايد تسكنه الأشباح والعمل متوقف فيه تماما لعدم وجود موارد مالية، ولأنه كان يمتلك هو ومجلس إدارته الإرادة والطموح وروح التحدى لإثبات أنفسهم أمام أعضاء الجمعية العمومية، وفى وجود رجل فى قيمة وقدر وكفاءة الأستاذ كامل زاهر، نجح الأهلى فى تدبير ما يقرب من ٢٦ مليون جنيه، لينتهى فى غضون تسعة أشهر من المرحلة الأولى لفرع الشيخ زايد، وقبل أن يمر عام على افتتاحه يدخل خزينة الأهلى ٤٥٠ مليون جنيه قيمة ٤٠٠٠ عضوية جديدة، وهى العضويات التى ستتضاعف بعد افتتاح حمام السباحة، وستصل إلى ذروتها إذا وضع الأهلى حجر الأساس لبناء الاستاد ليدخل لخزينة النادى خلال العام الماضى من اشتراكات هذا الفرع ٤٥٠ مليون جنيه من ٤ آلاف عضوية جديدة، وستزيد الاشتراكات بعد افتتاح حمام السباحة وستتضاعف إلى رقم خيالى إذا ما وضع الأهلى حجر الأساس للاستاد.
ثانياً: يطرح البعض تخوفه من أن طرح بناء الاستاد فى هذا التوقيت أمام المستثمرين للأنشطة الاقتصادية والمحال والمنطقة الترفيهية أمر صعب بسبب غياب الجماهير عن الملاعب وعدم وضوح الرؤية عن موعد عودتهم، ورغم وجاهة السبب من الناحية النظرية إلا أن الأمر قد يختلف من وجهة نظرى عند التطبيق، فالاستاد وفقاً للماكيت المرسوم لا يقتصر على مدرجات ومقاعد للمشجعين، واستضافة المباريات والتدريبات جزء من نشاط رياضى واقتصادى وتجارى أكبر بكثير، والأنشطة المحيطة من المفترض أنها ستعمل طوال أيام السنة، وكما تعلمون نحن شعب يهوى قضاء وقته فى التنزه بالمولات والمناطق الترفيهية، فما بالك إذا كانت هذه المنطقة تحمل اسم الأهلى، فالأكيد أن الإقبال سيتضاعف عليها، فإذا زدنا عليها بمتحف الأهلى ودور العرض السينمائية فستزيد القيمة، ناهيك عن أزمة الجماهير حتى وإن طالت فستمر، والدولة لديها الحل، ولكنها تؤجله لانشغالها فى أمور أهم أو ربما (لغرض فى نفس يعقوب).
ثالثاً: أسمع من يقول إن مبلغ بيع رمضان صبحى وإيفونا سيضخ فى شراء لاعبين جدد.. وبالتالى لن يبقى منه ١٠ ملايين يورو لبدء مشروع الاستاد؟ ولهؤلاء أقول إن الأهلى وضع موازنته هذا العام، بما فيها دعم فريق الكرة، بناء على دخله من نصيب عقد الرعاية والبث لهذا الموسم، والذى يصل وفقاً للأرقام المعلنة إلى ١٣٠ مليون جنيه، وهو مبلغ كافٍ جداً لدعم الفريق ورواتب الأجهزة، فإذا أضفنا عليها الدخل المنتظر من بيع اللاعبين المعارين لو أحسن مدير التسويق التصرف فيهم سيغطى الأهلى بعضا من صفقاته المحلية.
■ ■ ■
طارق سليم.. واحداً من علامات الكرة المصرية.. رحل عنا تاركاً بصمة ستظل باقية فى وجه الإدارة الكروية.. وعندما تذكر الصرامة والجدية والعدل والحزم والقوة والاعتزاز بالنفس والفخر بالانتماء للأهلى وقول الحق عند سلطان جائر أو نظام كروى فاسد أو مسؤول متكبر.. فالمؤكد أننا سنذكر طارق سليم، الذى كان من حسن حظى أن أبدأ العمل فى الصحافة الرياضية فى الأهرام المسائى وهو مشرف على الكرة فى الأهلى، ووقتها كان من الصعب أن يقترب منه أحد، فقوة شخصيته وسمعته الطاغية عن حدة طباعه ترعب الجميع من الاقتراب منه، ولكن حماسى المهنى أو شجاعة الشباب أو إعجابى بمثل هذه الشخصية المختلفة عن باقى العاملين فى الوسط الرياضى، دفعنى إلى أن أغامر وأتعقبه يومياً بعد مران الأهلى، الذى كان ينتهى فى السابعة مساءً، وأظل جالساً أكثر من ثلاث ساعات أشاهده مجبراً وهو يلعب التنس حتى ينتهى فى العاشرة والنصف، وأجلس بعدها نصف ساعة أخرى حتى ينتهى من الدش ويستبدل ملابسه وأمشى إلى جواره لعشر دقائق حتى يصل سيارته المتسوبيشى (عيون صفية)، بحثاً عن تصريح أو خبر عن فريق الأهلى، ومع تكرار الملاحقة والانتظار وطول صبرى ودقتى فى نشر ما يقوله صارت بيننا صداقة وبات يشفق على ويصطحبنى بسيارته بالقرب من الجريدة أو بجوار منزله فى أحمد عرابى لأستقل من هناك الميكروباص حتى شارع الجلاء، حيث جريدة الأهرام، المهم صار الحديث عن فريق الأهلى جزءا صغيرا من حوارات طويلة عن الحياة ومشاكلها وتجاربه ومغامراته كطيار للرئيس والأزمات التى تعرض لها وكيف كان يجتازها، وكنت أستمتع وأستفيد أكثر بكثير من انفراد يخصنى به أو بحوار صحفى ساخن، بل صرت من شدة تعلقى بآرائه وتفهمى لها قادراً على صياغة إجاباته.. وللأمانة فهذا الرجل عاش ٧٩ عاماً، ولكن كانت لديه خبرة رجل عاش مائتى عام، وهو رغم طابعه الصارم إلا أنه كان بسيطاً وسهلاً وغير معقد وصريحاً إلى أبعد ما تكون الصراحة، وكان يكره الشخص الكذوب إلى حد العداوة ويضحى من أجل صاحبه ولو برقبته ويدافع عن المظلوم لو خسر العالم، أبهرنى بقوة شخصيته وإيمانه الشديد بالله عندما أبلغنى بأنه مصاب بسرطان الجلد، وكان وقتها فى أواخر الخمسينيات، وهو فى كامل لياقته وقوته، وهو أمر مرعب، ولكنه كان مؤمناً بقدره ومعتقداً اعتقاداً راسخاً أن الخوف من المرض أشد وأقسى من المرض ذاته، وكان يرفض أن يعيش جباناً أو خائفاً.
من المواقف التى كشفت لى كيف كان حبه واحترامه لشقيقه صالح سليم عظيما وإيمانه به شديدا عندما وشى به بعض أعضاء مجلس إدارة الأهلى كذباً (فى واقعة لا داعٍ لذكرها الآن)، وأقنعوا المايسترو أن كابتن طارق غير متفرغ ودائم السفر والفريق يحتاج إلى مشرف متفرغ، فأشار عليهم المايسترو باتخاذ قرار بإعفائه، ورغم تأثر كابتن طارق وحزنه الشديد لم يذهب لشقيقه ليدافع عن نفسه ويفضح الوشاة، بل كان جوابه (لو أن صالح يرى أن فى رحيلى مصلحة للأهلى فسوف أرحل فوراً لأن صالح لن يأخذ قرارا يضر النادى).
هذه واحدة من قصص كثيرة أتمنى أن تسعفنى الذاكرة وأسجلها حتى لا تضيع ذكرى واحد من عظماء الكرة المصرية،
وبقدر حزنى على رحيل الرجل الأسطورة، بقدر أسفى على عدم وجود أى معلومات موثقة عن سيرته، حيث اكتشفت أن زملاءنا من شباب الصحفيين فى المواقع الإلكترونية والصحف لم يعرضوا السيرة الذاتية فى تغطيتهم لخبر رحيله، وعندما بحثت وسألت فوجئت بأن شبكة الإنترنت المصدر الرئيسى للمعلومات الآن لا يوجد عليها سوى قشور من سيرته، لذا فإننى أطلب من المهندس محمود طاهر، الذى أعلم محبته لتاريخ ناديه وارتباطه بكابتن طارق سليم، ألا يكتفى بتخليد ذكراه بإطلاق اسمه على أحد المبانى أو الصالات أو المدرجات، وأن يسعى لجمع كل المادة عن تاريخه وحياته وبطولاته وآرائه ومواقفه وصوره ويصدرها فى كتاب، فهذا أفضل تأبين للرجل وأجمل إرث نتركه للأجيال القادمة.