توابع الانقلاب... هزيمة تليفزيون الدولة (2)

مي عزام الثلاثاء 19-07-2016 22:37

لابد أن يقدم أردوغان اعتذارا رسميا لموقع تويترالذى تعهد بـ«استئصاله» عام 2013، فالموقع الذي كان يوما يؤدى لحشد خصومه، استخدم مؤخرا في حشد مؤيديه، فلقد تم إرسال ملايين التغريدات بهدف حث أنصاره على الوقوف في وجه الانقلاب، ونشر صور فورية لقوات الانقلاب وهى تستسلم مما كان له تأثير فعال على تشجيع الآخرين في التصدى لهذه القوات في أماكن أخرى دون خوف من العواقب.

ماذا لو تم لأردوغان ما أراده حين كان رئيسا للوزراء، وتم حذر موقع التواصل الاجتماعى تويتر الذي غضب منه بسبب بث مجهولون عددا من التسجيلات الصوتية تكشف فساد عدد من المحيطين به، وقال أردوغان حينذاك أنها مزورة، وأثناء جولاته الانتخابية قبل الانتخابات المحلية عام 2014، أعلن أردوغان وبوضوح عن نيته القضاء على تويتر، وقال لا يهمني ما يقوله المجتمع وسيرون قوة الجمهورية التركية، وفى نفس الشهر حذر من أن حكومته ستحظر شبكتي التواصل الاجتماعي فيسبوك ويوتيوب بعد الانتخابات.

لوحدث ما كان أردوغان يسعى إليه لخسر كثيرا أمام الانقلاب الأخير وما كانت الأمور ستسير على نفس النهج وبهذه السرعة الفائقة في دحر الانقلاب والقبض على مئات الجنود المشاركين فيه.

زمان، كان سيطرة قادة الانقلاب العسكرى على مبنى الإذاعة والتليفزيون الرسمى يؤكد سيطرتهم على مفاصل الدولة المهمة، بيان ثورة يوليو الذي ألقاه السادات من خلال ميكروفون الإذاعة المصرية كان دليل نجاح الانقلاب العسكرى الذي تحول مع الأيام لثورة يوليو، وهكذا الحال مع أغلب الانقلابات العسكرية التي تحدث في العالم، ويأتى انقلاب تركيا الأخير ليؤكد انتهاء عصر التليفزيون الرسمى، فرغم سيطرة قادة الانقلاب على المبنى، وإجبار المذيعة على قراءة البيان الذي صاغه الانقلابيون على شاشة قناة تي آر تي الحكومية الذي تحدث عن أن البلاد يديرها الآن «مجلس للسلام» وإعلان حظر التجوال والأحكام العرفية، ويشبه هذا البيان بصورة كبيرة خطاب مصطفى كمال أتاتورك الشهير إلى الشباب التركى وهو مشتق من مقولة أتاتورك الشهير «السلام في الوطن والسلام في العالم»، وكان المقصود به جذب القوى العلمانيين والكماليين، إلا أن هذه الرسالة لم يكن لها مردود يذكر، أولا لأن التليفزيون الرسمى لم يعد يتابعه أحد مقارنة بالقنوات الخاصة، ثانيا لأنهم لم يسيطروا على وسائل التواصل الاجتماعى، وثالثا هذه الرسالة عفى عليها الزمن.

رسالة الانقلاب التليفزيونية الرسمية كان يقابلها رسالة أكثر حداثة وسرعة بثها أردوغان عبر تطبيق «فيس تايم» فظهر بنفسه على شاشة قناة «سي إن إن ترك» في مكالمة هاتفية بالفيديو، ليحض مؤيديه على الخروج إلى الشوارع للتصدى للاتقلاب ودعم الشرعية وسرعان ما تم تداول هذه المكالمة بسرعة البرق على مواقع التواصل الاجتماعى، واستخدم مؤيدى أردوغان وأنصاره تطبيقات واتس آب وغيرها للربط والتنسيق فيما بينهم كمجموعات للتخطيط في كيفية التصدى لقوات الانقلاب وأدوات التنفيذ وزمنها، كما تم تداول عشرات الصور والفيديوهات التي سجلها أشخاص عاديون لقوات الانقلاب وهى تستسلم لقوات الشرطة والأمن وأنصار أردوغان، والتى كسرت صورة الجيش وقوته، مما كان له أثر بالغ في تشجيع الناس على التصدى لباقى القوات وإزالة الخوف من نفوسهم، فالحرب النفسية كان لها دور كبير.

موقع «تركى بلوكس» المتخصص بمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي ذكر أن موقع فيسبوك ويوتيوب حجبا عند بداية الانقلاب، ولكن هذا الحجب لم يستمر سوى ساعتين لكن لم يتم قطع خدمات الإنترنت كليا، هذه المواقع كانت تحجب في أزمات سابقة من جانب الحكومة ولفترات طويلة لكن هذه المرة قررت حكومة على يلدريم أن تبقيها عاملة لأنها كانت تعرف أنها ستعمل لصالحها، إضافة لذلك، فإن تركيا تزخر بالشباب الفعال والنشط في عالم التواصل الاجتماعي الإلكتروني، وهم يعرفون بسهولة كيف يتجاوزوا أي حجب محتمل، كما حدث أثناء ثورة 25 يناير في مصر، النتيجة أن خدمات الإنترنت عززت موقف معارضي الانقلاب.

العالم يتغير بسرعة أكبر مما نتصور، الوسائل القديمة في السيطرة والنفوذ تقل أهميتها وستتلاشى بعد حين لتعطى الفرصة لوسائل أخرى أكثر شعبية بعيدة عن قبضة الدول وتدخل في مجال العولمة المفتوح، إنها أمور لابد أن يدركها أولى الأمر ومعاونيهم الذين ينفقون الملايين للسيطرة على وسائل إعلام عفى عليها الزمن ولم تعد تؤتى ثمارها.

نصيحة للحكام: شعبك سندك الوحيد... لن يفيدك أن تكسب العالم وتخسره.

ektebly@hotmail.com