البنوك والدولار والسياحة.. والقوانين العرجاء!

مصطفى النجار الثلاثاء 19-07-2016 21:23

■ الذى لا شك فيه أن أزمة الدولار «الخانقة» التى يعيشها الاقتصاد المصرى الآن ترجع فى أحد أسبابها إلى انهيار أعداد السياحة الأجنبية الوافدة إلى مصر، وبالتالى تراجع دخل مصر من العملات الصعبة وتحديداً الدولار.. ذلك لأنه لا يخفى على أحد أن السياحة تشكل مع دخل قناة السويس وتحويلات المصريين فى الخارج والصادرات المورد الرئيسى للعملات الصعبة وأن أى خلل أو تراجع فى أحد هذه الموارد الأربعة يشكل ضغطاً على الاقتصاد المصرى وعلى توافر الدولار فى البنوك، وبالتالى عدم قدرة البنوك على الوفاء بمتطلبات مستلزمات الإنتاج والاستيراد بشكل عام وإذا صاحب ذلك أى قصور فى إدارة السياسة النقدية.. فنحن هنا أمام ما يسمى السوق الموازية أو السوق السوداء للدولار بكل ما يمكن أن تصيب به الاقتصاد المصرى من آثار سلبية.

ولأن القضية كبيرة ومتشعبة فنحن سنتوقف اليوم فقط أمام أزمة الدولار ونصيب السياحة فيها.. فكل المهتمين بالاقتصاد والسياحة يعرفون أن تراجع السياحة يمثل خطورة كبيرة فى عدم توافر الدولار لأن السياحة فضلاً عما تضيفه من عملة صعبة مباشرة للاقتصاد القومى فهناك جانب آخر وهو أن السياحة تصب جزءاً من الدولار فى الاقتصاد غير الرسمى أو فى جيوب الناس المتعاملين مباشرة مع السائح، خاصة فى المدن السياحية وبالتالى فإن انتعاش السياحة يخلق حالة من الرواج بين قطاع كبير من الناس قبل الاقتصاد الرسمى ويساعد فى توافر الدولار فى البنوك وفى القضاء على السوق السوداء.

■ ويهمنى اليوم ونحن نبحث عن حلول لمواجهة أزمة الدولار أن أتوقف عند عدد من الظواهر السلبية فى قطاع السياحة التى تتعلق بقضية الدولار والسياحة والتى باتت حديث الغرف المغلقة أو الأحاديث التى تدور همساً بين العاملين فى هذا القطاع والتى تتطلب تفكيراً من قيادات البنوك، خاصة طارق عامر، محافظ البنك المركزى، وهشام عكاشة، رئيس البنك الأهلى، ومحمد الإتربى، رئيس بنك مصر، وهشام عز العرب، رئيس البنك التجارى الدولى، باعتبار أن هذه البنوك لها النصيب الأكبر فى قضية القروض فى قطاع السياحة.

1- إن أولى الظواهر السلبية التى يدور حولها حديث «الهمس» والتى نتجت عن وجود سعرين للدولار فى مصر الأول فى البنوك والثانى فى السوق السوداء هى أن كبار رجال الأعمال فى قطاع السياحة يلجأون حالياً لفتح فروع لشركاتهم فى الخارج ويطلبون الدفع لهم بالدولار هناك أو فى حساباتهم الشخصية ولا يحولون لمصر إلا على قدر احتياج شركاتهم أو فنادقهم ليستفيدوا بفرق سعر بيع الدولار وتلك قضية فى غاية الخطورة لأن معنى ذلك أن جزءاً كبيراً من دخل مصر السياحى يتسرب أو يتم الاحتفاظ به فى الخارج.. وبالتالى فإن ذلك يساهم فى خلق أزمة الدولار فى مصر بقدر ما.. ولذلك نقول إن على رجال البنوك مواجهة هذه المشكلة مع الاعتراف بأن المشكلة سببها الأول وجود سعرين للدولار أو وجود السوق السوداء وهؤلاء الناس ليسوا ملائكة لكى يضحوا بفرق سعر العملة الكبير، وبالتالى يلجأون لهذه الأفكار والاحتفاظ بجزء من دولاراتهم خارج مصر.

2- إن محفظة القروض لقطاع السياحة فى البنوك الثلاثة التى ذكرناها ضخمة، وأحد هذه البنوك قدم قروضاً كبيرة لعملاء فى قطاع السياحة ودخل معهم فى شراكات ومن الصعب جداً فى ظل أوضاع السياحة استرداد قروضه بشكل سهل أو فى سنوات معدودة. ولا داعى لذكر التفاصيل والأسماء.

وهناك أيضاً البنك الأهلى، طبقاً لتصريحات يحيى أبوالفتوح، نائب رئيس البنك، ومحفظة القروض فيه تبلغ أكثر من 9 مليارات جنيه لقطاع السياحة، وأن إجمالى الديون غير المنتظمة للبنك يبلغ نحو 6.3 مليار جنيه منها 60٪ فى قطاع السياحة والغاز.

وللأسف مثل هذه النماذج فى البنك الأهلى التى يقول إنها قروض «متعثرة» أخذها العملاء منذ سنوات ولم يسددوا مليماً واحداً منها، بحجة صعوبة أوضاع السياحة، مع أن كثيراً منها أخذها فى مشروعات وهمية أو دون دراسات جدوى حقيقية واستفاد منها بشكل شخصى معتمداً على «البلطجة» فى عدم السداد ومعتمداً على «قوانين عرجاء» لا تمكن البنوك من استرداد أموالها التى هى أموال المودعين وبعضها بالطبع قروض بالدولار.. رغم حصول البنوك على أحكام قضائية نهائية والأمثلة كثيرة فى هذا الشأن فلا تستطيع البنوك استرداد أموالها إطلاقاً.

3- هناك قضايا أخرى بدأت تواجهها البنوك مثل الدفع بالفيزا بالخارج والتى بلغ حجمها نحو 3 مليارات دولار، وكذلك الدفع لشركات التاكسى الجديدة داخل مصر بالفيزا.. ولكن هناك قضية كبرى وهى ضرورة حل مشكلة توفير الدولار أو الريال للذين يسافرون للعمرة والحج لأن هذه تخلق سوق سوداء للعملة كبيرة جداً، ولا يمكن الاستهانة بهذه القضية ولابد من التفكير فى تحديد مرات العمرة للمواطنين مثل الحج كل مدة معينة فى ظل ظروف مصر الصعبة، فأعداد المعتمرين المصريين العام الماضى تخطت مليون معتمر ومع أعداد الحج هذا العام نحن سنكون أمام نحو مليون و100 ألف مصرى يبحثون عن الدولار والريال فى السوق السوداء، ورغم أن البعض يقدر ما ينفقه المصريون على الحج والعمرة بنحو 5 مليارات دولار، فإننا نرى أن فى ذلك مبالغة والرقم من وجهة نظرنا فى حدود 2 مليار دولار، وللأسف فى قضية الحج فإن اللجنة العليا للحج برئاسة السيد رئيس الوزراء ألزمت البنوك بتوفير العملة لحجاج الداخلية والتضامن الاجتماعى، وتركت الأعداد الكبيرة من حجاج السياحة يتحصلون على الريال أو الدولار من السوق السوداء ليسددوا مستحقات شركات السياحة وهذا خطأ كبير يسهم فى تفاقم أزمة الدولار.

إننا فى حاجة إلى دراسة مهمة لكل هذه القضايا.. وبعد إصدار تشريعات وقوانين حقيقية قوية وليست «عرجاء» لمواجهتها حتى تستقيم الأمور فى ظل تراجع السياحة وفى ظل البحث عن حل لأزمة الدولار فى مصر.