رغم فشل الانقلاب العسكرى في تركيا، إلا أن آثاره ستتوالى وسيكون لها تأثير كبير على سياسة تركيا الخارجية إزاء أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وأمريكا، وأيضا في الداخل.
المؤسسة العسكرية أصبحت محل شكوك في إخلاصها للرئيس المنتخب، فالأخبار التي تتوالى عن المشاركين في الانقلاب تظهر أنهم ينتمون إلى جميع أفرع الجيش وبرتب مختلفة تصل إلى القيادات، في حين أثبت أنصار أدروغان المخلصون قدرتهم على التصدى للانقلاب على الشرعية ومعاونة قوات الشرطة والأمن والمخابرات، وهو ما سيجعل أردوغان مدينا لمنقذيه وفى مقدمتهم مؤيدوه وجماعته.
أنصارأردوغان يطالبون بتنفيذ أقصى عقوبة على الانقلابيين وهى الإعدام، وهى عقوية الغيت في تركيا منذ 12 عاما ضمن مجموعة إصلاحات دستورية وقانونية اشترطها الاتحاد الأوروبي، في إطار مساعي تركيا للانضمام للاتحاد والذى يمثل حلما يتوارثه الزعماء هناك منذ عقود.
إعدام المتآمرين اعتبره أردوغان مطلبا لا يمكن تجاهله، وعلق قائلا: «في الأنظمة الديمقراطية ما يقوله الشعب يجب أن ينفذ»، إنها المقولة التي يرددها الزعماء دائما حين يكون رأى الشعب على هواهم، وينكرونه حين يكون ضدهم.
حتى لو لم تنفذ أحكام الإعدام، فيكفى تلك الإشارة التي توضح توجهات أردوغان المستقبلية، وإلى أي حد سيستجيب لمطالب أنصاره التي قد تتعارض مع شروط الاتحاد الأوروبى، التي تخالف الدين الإسلامى والتقاليد التركية، على سبيل المثال الأسرة في تركيا تعتبرنواة المجتمع، وهذا يُعطي للأب وضعية خاصة تمكنه من توجيه أفراد أسرته وقد يصل الأمر إلى تنفيذ أوامره التي قد تتعارض مع رغباتهم الشخصية، وهذا مرفوض في أرووبا، الفرد هناك هو نواة المجتمع والحفاظ على حريته من المقدسات ولو كانت تعارض رؤية المجتمع، أغلبية الشعب التركى مازال يعارض العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج ويعتبرها رذيلة، ومازالت جرائم الشرف موجودة في المجتمع التركى الذي يميز الرجل عن المرأة، رغم أن الدستور التركى يقر بعلمانية الدولة فللدين تأثير كبير في المجتمع، كما أن المؤسسة العسكرية التي كانت تحرص على علمانية الدولة سيجرى بين صفوفها حملة تطهير واسعة يمكن أن تؤدى لتغيير معتقداتها وانحيازتها.
الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان قال في حوار مع صحيفة «لوموند» الفرنسية في نوفمبر عام 2002، وهو الرجل الذي كان مسؤولا عن صياغة مسودة «دستور أوروبا الموحدة»، إن تركيا ليست دولة أوروبية، عاصمتها ليست موجودة في أوروبا، و95% من سكانها يعيشون خارج أوروبا، لها ثقافة مختلفة ونهج مختلف وحياة مختلفة». وأضاف أن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ستعني «نهاية أوروبا»!!.
في استفتاء البريكس حول بقاء بريطانيا أو خروجها من الاتحاد الأوروبى، صرح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إنه ليس هناك احتمال ولو ضئيل في عضوية تركيا في الاتحاد، وإن هذا لن يحدث قبل عام 3000، وكان يرد على مخاوف الراغبين في الخروج من الاتحاد بسبب احتمال دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبى وتدفق هجرة الأتراك إلى بريطانيا.
وفى أعقاب ذلك اقترح أردوغان إجراء استفتاء حول ما إذا كان الأتراك يريدون مواصلة مساعيهم للانضمام للاتحاد الأوروبي أم لا؟، وأظهر استطلاع للرأى في تركيا الشهر الماضى أجرته شركة تركية للاستشارات والأبحاث، أن 68%من الأتراك يريدون إنهاء مفاوضات انضمام بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي المتواصلة منذ نحو 40 عامًا، مقابل 23% منهم فضل الاستمرار في المفاوضات و3% كانوا في حيرة. وفيما يتعلق بمصداقية الاتحاد الأوروبي في ضم تركيا إلى عضويته، قال 82% من المشاركين في الاستطلاع إن الاتحاد الأوروبي غير صادق في ذلك. وعن الأسباب التي تلعب دورا في رفض الاتحاد الأوروبي ضم تركيا، رأى 73% أن السبب الأهم هو الهوية الإسلامية التي يتمتع بها الشعب التركي، فيما قال 10% إن الرفض يأتي بسبب عدم اكتمال الشروط اللازمة. وأظهر الاستطلاع ذاته أن 58% من الأتراك يريد أن تشكل تركيا تحالفات مع دول الجوار وخاصة الدول الإسلامية، وأن تكون قائدة على رأس العالم الإسلامي بدلا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فيما دعا 14% منهم إلى التحالف مع أوروبا.
أعتقد أن «تركيا أردوغان» ستكف عن العدو وراء حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، فتأخر ردود فعل الدول الأوروبية وأمريكا حول الانقلاب تثير التساؤلات حول مدى تفضيلهم العودة إلى حكم علمانى صريح، ولوكان بانقلاب عسكرى يرفضونه، عن حكم أردوغان ذى الخلفية الإسلامية، إنها توقعات ليست مبنية على أدلة موثقة، ولكن أظن أن عقلية أردوغان الميالة إلى الاستبداد بالرأى واستبعاد المعارضين، ستتجه إلى الطموح الأكثر ملاءمة له ولحزبه وهو فكرة الخلافة حيث يكون على القمة بدلا من طرق أبواب الاتحاد الأوروبى المغلقة دونه.... وسيكون المبرر جاهز: ما يقوله الشعب يُنفذ.
ektebly@hotmail.com