كيف تغيرت فرحتنا فى 88 سنة؟

ياسر أيوب السبت 16-07-2016 21:42

أسوأ شىء أن أضطر للكتابة رغم أننى لا أملك رفاهية الانتظار حتى أعرف وأفهم وأتأكد بشكل حاسم مما سيحدث فى تركيا بعد تطورات وانفجارات أمس الأول.. ولا أستطبع فى المقابل الكتابة عن أى شىء آخر وأتجاهل هذا الاهتمام الجماعى بتركيا.. ولهذا كان من الضرورى التوقف أمام فرحة الكثيرين فى أول الأمر بمجرد سماعهم خبر قيام قادة عسكريين أتراك بانقلاب ضد أردوغان.. وأزعم أن معظم هؤلاء لم يحاولوا حتى قراءة الأخبار أو سماعها من مصادر مختلفة قبل التعجل بالنزول إلى بحر الشماتة والسخرية وتعليقات الاستعراض والاستظراف.. ورغم ذلك فلم تكن تلك التعليقات الساخرة والشامتة هى المشكلة.. لكنها عدم قدرتنا على انتظار الأخبار كما هى على الأرض وقدرتنا الهائلة على صياغة واختراع شكل ومضمون الأخبار التى توافق هوانا وتصبح فى رأينا هى الأخبار الحقيقية سواء ضد أو مع أردوغان.. وهذا بالضبط هو الفارق بيننا عام 2016 وعام 1928.. ففى دورة أمستردام الأوليمبية كانت فرحتنا الهائلة بالانتصار على تركيا فى مسابقة كرة القدم.. فى البداية كان الخوف والقلق والتوتر الذى ساد الأوساط المصرية لأن قرعة المسابقة أوقعتنا مع تركيا فى كرة القدم فى مباراة صعبة ومهمة وشديدة الحساسية ومواجهة أكثر عمقا من مجرد مباراة لكرة القدم.. فلم يكن المصريون وقتها تخلصوا تماما من إحساس وواقع داما طويلا بأن مصر، حتى وقت قريب، كانت مجرد ولاية عثمانية يحكمها السلطان التركى الأعظم.. وكان الأتراك وقتها فى مصر هم السادة والحكام وأهل الطبقات العليا الأرستقراطية التى تأمر وتنهى وتمنح وتمنع.. فإذا بالمقادير تضع المصريين فى هذه المواجهة الصعبة والمباشرة أمام الأتراك.. وكأنها فرصة جاءت أخيرا ليثبت فيها الفلاحون المصريون أنهم ليسوا أقل قوة أو شأنا من الأتراك أسياد الماضى البعيد والقريب.. بل وصدرت جريدة الأهرام يوم المباراة وفوق صفحاتها تطلب من كل المصريين الوقوف فى الساعة الخامسة بعد الظهر قاصدين القبلة يدعون رب العالمين لأن ينصر عبيده وأبناء عبيده لاعبى الكرة من المصريين على إخوانهم الأتراك فى ميدان أمستردام.. وانتهت المباراة بفوز مصر بسبعة أهداف مقابل هدف تركى واحد.. وفاضت الفرحة والبهجة فى القاهرة ومصر كلها.. بل إنها كانت أول مرة فى تاريخ مصر يقرر فيها حاكم مصرى إرسال برقية تهنئة بعد فوز رياضى.. وكانت برقية تهنئة الملك فؤاد للاعبى المنتخب المصرى.. الفرحة عام 1928 كانت راقية وأنيقة ومفهومة وواقعية أيضا.. لها مقدمات ونتائج ومعان وحدود.. أما فرحة 2016 فهى غير مفهومة على الإطلاق.. صحيح أننى مثل كثيرين جدا أكره أردوغان وأرفض كل سياساته وتصريحاته الخاصة ببلدى لكن هذا ليس مبررا لأن أبنى بخيالى وأوهامى عالما جديدا ليس فيه أردوغان.. أو أتصور أن نكاتى وخفة دمى أقوى وأكثر ضررا وتأثيرا من أى دبابة وطلقة رصاص هناك فى تركيا.. أو أقتنع بلا مناسبة أن كراهيته لمصر هى السبب الرئيسى للإطاحة به وأحتفل بذلك حتى لو بقى أردوغان فى السلطة.