بعد أن فرغت من المناقشة العلنية لرسالة الماجستير عن الفيلسوف الألمانى كانط، ورسالة الدكتوراة عن الفيلسوف الفرنسى برجسون اتجهت مرة ثانية إلى الفلسفة الإسلامية، فقرأت كتاباً مترجماً عن الألمانية لمستشرق هولندى اسمه دى بور تحت عنوان «تاريخ الفلسفة فى الإسلام». يقول فى تقديمه لكتابه إنه «أول محاولة لبيان تاريخ الفلسفة الإسلامية فى جملتها». أما المترجم فهو الدكتور محمد عبدالهادى أبوريدة. والذى لفت انتباهى أن رسالته فى الدكتوراة كان عنوانها «تفنيد الغزالى للفلسفة اليونانية فى كتابه (تهافت الفلاسفة)». ومغزى هذا العنوان أن الغزالى كان يؤثر علم الكلام على الفلسفة لأن الفلسفة، فى رأيه، ملحدة بسبب أصولها اليونانية. ومن هنا اتهم الفلاسفة الإسلاميين من أمثال الكندى والفارابى بأنهم ملاحدة بحكم تأثرهم بفلاسفة اليونان من أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو. ومن هنا أيضا كان أبوريدة يقول عن علم الكلام إن الغاية من تأسيسه مكافحة الإلحاد. وعندما ينتهى الإلحاد تنتهى مهمة علم الكلام، ولا يبقى سوى القرآن الكريم، وعندئذ نأخذ بمبدأ الشورى. فى النظام السياسى، لأن الدين هو أساس تكوين عالم الإسلام، وهو الذى حفظ للمسلمين وجودهم. وفى هذا السياق تكون مهمة الشريعة الإسلامية ضبط السلوك بحدود وعقوبات لمنع الضرر والفساد فى الأرض.
وإذا كان علم الكلام ينطوى على مذاهب متعددة فقد انحاز أبوريدة إلى أحد هذه المذاهب وهو «الأشعرية»- نسبة إلى مؤسسه أبوالحسن الأشعرى- وقد شاع عن هذا المذهب أنه مذهب أهل السنة فى العالم الإسلامى. وقد انحاز إلى هذا المذهب أيضا على سامى النشار، حيث يقول فى تقديمه لكتابه المعنون «نشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام» (الجزء الأول) «إننى كمفكر أشعرى يرى أن عمله الأساسى فى الحياة هو المحافظة على كيان المذهب الأشعرى مذهب الجمهور العظيم من المسلمين، وأُنكر القول بأن المذهب الرشدى أقرب عقلا إلى روح الإسلام من مذهب الأشاعرة. إننى أرى أن الأشعرية هى آخر ما وصل إليه العقل الإسلامى الناطق باسم القرآن والسنة، وأن على المسلمين الأخذ بهذا المذهب كاملاً. ويرتب على هذه الأحكام حكما حاسما بأن «المذهب الرشدى ترف عقلى لم يؤثر فى مجتمع المسلمين أدنى تأثير». ومن هنا أيضا كان إعجاب سامى النشار بأبوريدة، إذ يقول عنه إنه حرر الكندى أول فلاسفة المسلمين من الآثار الضارة لفلسفة اليونان التى تختلف عن فلسفة الإسلام، بل إنه دافع عن أصالة الفلسفة الإسلامية واستقلالها عن الفلسفة اليونانية فى تعليقاته على كتاب «تاريخ الفلسفة فى الإسلام» لصاحبه دى بور، ولكن اللافت للانتباه فى هذا الكتاب أن دى بور نفسه يتهم ابن رشد بالإلحاد لأن فى مذهبه ثلاثة آراء تجعله مخالفاً لما أثبتته علوم العقائد فى الديانات الثلاث الكبرى فى عصره: قِدَم العالم وإنكار العناية الإلهية وإنكار خلود النفس الفردية.
وأبوريدة وسامى النشار ومن سار على دربهما إنما هم فى النهاية تلاميذ الشيخ مصطفى عبدالرازق الذى كان يدعو إلى استقلال الفلسفة الإسلامية عن غيرها من الفلسفات الأخرى، وفى مقدمتها فلسفة اليونان. ومن هذه الزاوية يمكن القول بأن الشيخ على عبدالرازق كان يقف على الضد من أخيه الشيخ مصطفى عبدالرازق لأنه كان متأثراً بالفلسفة الغربية ونافياً للخلافة الإسلامية.
وتأسيساً على ذلك وضعت علامة استفهام على ابن رشد وفلسفته، ومن ثم رحت أبحث عن جواب فماذا حدث؟