«تحريك عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين».. هكذا اختزل السفير سامح شكري وزير الخارجية تفسير «المهمة» التي دفعته للذهاب إلى القدس المحتلة، عاصمة إسرائيل غير المعترف بها دولياً، ولقاء بنيامين نتنيناهو رئيس الوزراء الإسرائيلي هناك.. هذا الكلام إنشائي معاد ومكرر ومُمِل يتردد على مسامعنا طوال عشرات السنين، ومادام أن حكومتنا لا تهتم بأمرنا باعتبار أن دورنا هو التصفيق والهتاف بـ«تحيا مصر» وفقط، دون حتى إفهامنا، لماذا نهتف، فإنه لا مناص من الاعتماد على «وسائل الإعلام الإسرائيلية»، فهي تتمتع بالحرية وحق تداول المعلومات.. ويكون السؤال هو: ما مهمة شكري في «القدس» أو «أورشليم» بمسماها الإسرائيلي؟.. من جماع ما نشر إسرائيليا، وبيان الخارجية المصرية والرئاسة الإسرائيلية.. فإن أهداف هذه الزيارة قد تكون بالفعل هادفة لـ«دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين»، وهنا نتساءل: أين هي «عملية السلام» أصلاً في ظل استمرار أعمال الاستيطان الإسرائيلية التي لا تتوقف والرفض الدائم للقرارات الدولية والمبادرات المطروحة للسلام وأعمال القتل والاعتقال والتشريد اليومية التي تمارسها ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة؟، وما هي البراهين على «مجرد الرغبة» الإسرائيلية في سلام مع الفلسطينيين، اللهم إلا إذا اعتبرنا جلسات التباحث أو الدردشة التي لا طائل من ورائها هي عرابين إسرائيلية للسلام؟، وإذا كانت «مهمة شكري في أورشليم» بهدف تفعيل «مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسي» أو إشارته التي وردت في خطابه بأسيوط قبل أسابيع، إلى ما سماه «السلام الدافئ»، فإن سؤالاً يقفز إلى الذهن: أين هي مبادرة الرئيس؟ حتى نتحدث عن تفعيلها، لكون الرئيس قال كلاماً عاماً، لا يشكل بذاته مبادرة، إذ المبادرة تعني خطة للسلام واضحة المعالم والمراحل ومحددة الخطوات.. ثم إن أزمة السلام لا تنقصها المبادرات.. فلدينا المبادرة العربية التي طرحتها المملكة العربية السعودية عام 2002، وتبنتها الجامعة العربية بمؤتمر القمة العربية المنعقد آنذاك في بيروت، وترتكز على التطبيع العربي مع إسرائيل مقابل دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ولم تقبل بها إسرائيل، مثلما رفضت المبادرة الفرنسية المدعومة أوروبياً ومصرياً، المطروحة بمؤتمر باريس أوائل شهر يونيو المنقضي، والتي تسير على هدي سابقتها العربية والقرارات الأممية المتعلقة بالصراع.. ثمة سؤال فرعي جوهري عما تملكه مصر من كروت لإجبار إسرائيل على «سلام» مع الفلسطينيين، ترفضه هي منذ نكبة عام 1948، رفضاً قطعياً، سواء كان بارداً أو دافئاً؟.. يرتبط بالقضية أننا واقعيا في أضعف حالاتنا داخليا على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، وبتعبير الرئيس نفسه، مجرد شبه دولة.. فما الذي يضطر إسرائيل لتقديم تنازلات إلى «شبه الدولة»؟.. فإذا أخذنا في الاعتبار وجود حكومتين واحدة في رام الله، والثانية في غزه، يصير مثل هذا الحديث في ظل الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني والتفتت العربي، هو مجرد إبحار في عوالم الوهم والخيال، مع ملاحظة أن علاقتنا بـ«سلطة رام الله» أو «حماس» ليست في أفضل حالاتها، وبدخول تركيا على الخط مع حماس عبر المصالحة التركية – الإسرائيلية.. فإن موقف مصر يزداد تعقيداً أو ضعفاً إن شئنا الصراحة.
احتمال آخر أن تكون «رحلة شكري» بشأن «أزمة سد النهضة»، على خلفية جولة «نتنياهو» بدول حوض النيل، ومنها إثيوبيا دولة المنبع، وتوسيط «إسرائيل» في أزمتنا، حسبما ذكرت «هاآرتس» العبرية.. كيف.. وقد نجح المسعى الإسرائيلي لخنق مصر مائياً، مع ميلاد «السد» الذي تركناه يولد ويعلو ويكتمل بأخطائنا وسياسة حسن النوايا؟.. فأي منطق سياسي هذا الذي يُجيز توسيط إسرائيل لحل أزمة السد، إلا إذا صرنا مثل الراعي الذي «يأتمن الذئب على حراسة الغنم»، كما في المثل العربي القديم؟.. لو صح هذا، فلا يكون مستبعداً أن الرحلة هي «رسالة» ترحيب ومباركة منا لتغول وتوغل نتنياهو أفريقياً، بدلاً من أن يسارع «شكري» إلى ترتيب جولة أفريقية للرئيس السيسي لتأمين مصالحنا التي تتلاشي أفريقياً.. فالميدان الصحيح والإهمال «رد الفعل» على جولة نتنياهو هو الساحة الأفريقية ومنابع النيل، وليس أورشليم بحثا عن الأوهام.
نسأل الله السلامة لمصر.
Saidalsonny2@gmail.com