أكذوبة الدول المتحضرة

عبد الناصر سلامة الأربعاء 13-07-2016 21:55

ردود الفعل الدولية على أحدث تقرير حول غزو العراق أوضحت، بجلاء تام، أكذوبة الدول المتحضرة أو الأنظمة الديمقراطية، أكدت أن العالم كله، من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، يعيش حالة واحدة، اسمها مصالح الأنظمة الحاكمة أحياناً، هوى الحكام أيديولوجياً أحياناً أخرى، مافيا تصنيع وتجارة السلاح فى معظم الأحيان.

ردود الفعل الشعبية على التقرير بدا أنها مختلفة تماماً عن الرسمية، مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام ومناقشات الناس فى وادٍ، والرسميون فى واد آخر. باختصار رأينا الشعوب تناقش وتتوهم أنه يمكن حساب وعقاب هؤلاء الذين قتلوا وتسببوا فى قتل مليون مواطن عراقى على الأقل، فى الوقت الذى رأينا فيه صمتاً رسمياً مطبقاً من كل عواصم العالم، وكأن شيئاً لم يكن. ولأن هذا التقرير سوف يكون مصيره سلة القمامة، كما غيره من التقارير السابقة، فإنه يمكن القول إن الشعوب فى معظم الأحوال لا تستطيع فرض إرادتها على السلطة الرسمية، حتى فى الدول التى تُسَمى ديمقراطية.

قد تستطيع هذه الشعوب إرغام حكامها على السير فى هذا الطريق أو ذاك إذا تعلق الأمر بوضع داخلى، قد يكون مقتل بضعة أفراد نتيجة إهمال من نوع ما، إلا أن الأمر يكون مختلفاً حينما يتعلق بقتل مليون شخص من المدنيين فى دول العالم الثالث، بطائرات هذه الدولة، وقنابل الأخرى. المؤامرة الأمريكية- البريطانية على الشعب العراقى كانت واضحة منذ اللحظات الأولى، مباركة بعض الدول الغربية وصمْت الأخرى، تماماً هو نفس موقف الدول العربية، كانت هناك تسهيلات لوجستية على الطرفين.

الهدف من الحرب عبّر عنه الرئيس الأمريكى آنذاك جورج بوش الابن بتعبير «الحرب الصليبية»، لذا لم تُبقِ ولم تذر، تراث العراق، كما آثاره، كما بنيته التحتية، كما البشر، كما الحجر، كما كل شىء تقريباً، عبر عن ذلك أيضاً جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكى أثناء الحرب الأولى عام ١٩٩٠، قائلاً لطارق عزيز، نائب رئيس وزراء العراق آنذاك: «سوف نعيدكم إلى العصر الحجرى»!، بالفعل عاد العراق بنهاية تلك الحرب إلى العصر الحجرى، ثم ١٣ عاماً من الحصار وقتها كانت كفيلة بجعله فى طَى النسيان.

كل ما فى الأمر أن جورج بوش الابن، استكمالاً لمسيرة الأب، وجد أن العراق خلال سنوات الحصار ينهض من كبوته، أو على الأقل هناك أمل فى النهوض، فكان ذلك الادعاء غير الأخلاقى، على أقل توصيف، بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، أيضاً كانت هناك مساهمات عربية فى الترويج لهذا الادعاء، الغريب فى الأمر، الآن، هو استخدام تعبير «كانت هناك معلومات خاطئة عن وجود هذه الأسلحة». هو تعبير خاطئ فى حد ذاته إلى حد اليقين، ذلك أن هذه المعلومات لم تكن خاطئة أبداً، كانت مفتعلة طوال الوقت، كانت مقصودة بدقة فائقة، بذلت الأنظمة «الديمقراطية» جهوداً كبيرة من أجل تزييفها، وأنفقت فى سبيل ذلك الكثير، تقنياً وإعلامياً وسياسياً وأممياً.

للأسف، رغم وضوح الرؤية فإن التقرير الذى نحن بصدده- ورغم أنه صادر عن لجنة بريطانية استمرت فى عملها على مدى سبع سنوات، برئاسة «جون شيلكوت»، وهو موظف حكومى سابق- لم يحاول الوصول للحقيقة كاملة، وهى أن هناك من الوثائق الكثير التى تؤكد أن هذه المعلومات الخاطئة كانت من تأليف وإخراج أباطرة الحرب وتجارها، من أمثال ديك تشينى، ودونالد رامسفيلد، ومادلين أولبرايت، وكونداليزا رايس، وحتى كولن باول، بإشراف كل من بوش وبلير بالطبع، فقد كان يتم عرض وثائق وصور ومعلومات مزيفة على العالم طوال الوقت، ليس فى وسائل الإعلام فقط، وإنما فى أروقة الأمم المتحدة أيضاً.

ثلاثة عشر عاماً أخرى مرت على الغزو، تقرير تلو التقرير، تؤكد جميعها أن بوش الابن قتل مليون شخص بدون وجه حق، بدم بارد، بخلاف من تسبب فى قتلهم من أبناء شعبه، تؤكد أيضاً أن تونى بلير، رئيس الوزراء البريطانى آنذاك، كان الداعم الأول لخطة القتل، أو الحرب، هذا ضلّل شعبه، وذاك ضلّل شعبه، التقيا معاً أيضاً فى تضليل المنظمات الدولية، والضغط على أعضائها، لم ينتظرا أصلاً الحصول على موافقتها، الرئيس الأمريكى كان يتعجل حرب «هيرمجدون» أو حرب نهاية العالم، حسب العقيدة الصهيونية البروتستانتية التى توارثها عن أجداده، ورئيس الوزراء البريطانى كان يتعجل خراب العراق، رأس حربة الدول العربية، وربما الإسلامية، من وجهة نظر سنوات طويلة للاستعمار البريطانى للمنطقة، تُوِّجت بتقسيمات «سايكس بيكو» سنة ١٩١٦، والتى آن تعديلها بعد مائة عام، حسبما جاء فى نص الاتفاقية.

وكالة الطاقة الذرية، هى الأخرى، لعبت آنذاك دوراً قذراً فى هذا الشأن، برئاسة المصرى محمد البرادعى، كل المنظمات الدولية تقريباً التزمت الصمت، حتى المنظمات الأهلية اكتفت بالشجب والاستنكار لمقتل آلاف المدنيين بصفة يومية، بعض العراقيين الآن فقط بدأوا فى استيعاب الدرس، إلا أن دورة الدم والقتل مستمرة، بل تعدت العراق إلى أقطار مجاورة، دون أدنى إعمال للعقل أو الضمير، فى استمرار واضح لتنفيذ مخطط الفوضى والتقسيم.