التعليم الدينى.. يجب تطويره

عباس الطرابيلي الأربعاء 13-07-2016 21:31

ليس التعليم المدنى هو الذى يحتاج للتطوير وحده.. بل التعليم الدينى.. وهنا نقول إن أصواتاً عديدة ارتفعت - منذ عشرات السنين- تطالب بتطويره، وكان فى مقدمة المطالبين الشيخ العلامة محمد عبده، الذى أقنع الخديو توفيق والخديو عباس حلمى من بعده ببدء عمليات التطوير، وكان يطالب بتوسيع مناهج الدراسة وإدخال بعض العلوم الحديثة، ونجح فى ذلك مع الخديو عباس الذى أصدر قانوناً فى يناير 1895 بما طالب به الشيخ محمد عبده الذى كان أول من ندد بعيوب الأزهر، فالكتب كانت قديمة والمواد عقيمة، وكان التعليم بالأزهر محصوراً فى بعض المسائل الفقهية ودراسات سقيمة فى العلوم العربية، وهكذا بدأ تدريس العلوم الحديثة التى كانت محرّمة ولا تدرس فى الجامع الأزهر.. بل تم ترتيب أجور ثابتة للمدرسين من ميزانية الدولة ومن الأوقاف.. وساعده فى ذلك الشيخ حسونة النواوى عندما أصبح شيخاً للأزهر.. بل نظم صرف الجراية، أى الطعام، للطلبة المجاورين.. ووضع شروطاً لقيد الطلبة والمواد التى يدرسونها.. وألّف لجنة للإصلاح من 30 عضواً برئاسة الشيخ سليم البشرى، وهكذا كانت بداية الإصلاح فى العصر الحديث بأن صارت مشيخة الأزهر مشيخة نظامية.

وزادت جرعة الإصلاح على يد الشيخ الأحمدى الظواهرى، حيث تم تقسيم التعليم الأزهرى إلى ثلاث مراحل: إحداها عامة للتفقه فى الدين.. وأخرى للحصول على العالمية، وبينهما مرحلة متوسطة.. أى مرحلة ابتدائية، ومرحلة ثانوية.. ثم مرحلة عالية، وهو نفس النظام الذى اقترحه الشيخ محمد مصطفى المراغى مع إصلاح طريقة التدريس والتخلص من الكتب العتيقة.. وتأليف كتب جديدة مشوقة وسهلة.

ولكن فى يوليو 1961، أى بعد 25 عاماً من آخر قانون للإصلاح، أصدر قانوناً لإعادة إصلاح الأزهر ونظام التعليم به.. وكان الهدف هو تخريج علماء يوكل إليهم تعليم علوم الدين واللغة مع إدخال اللغات الأجنبية فى مناهجه.. حتى فى المعاهد الأزهرية التى تعد الطلبة للدخول فى كليات الجامع الأزهر.. وهكذا عرفنا: كليات للدراسات الإسلامية، وكلية للدراسات العربية، وكلية المعاملات والإدارة «التجارة» وأخرى للهندسة والصناعات.. وكلية للزراعة.. وأخرى للطب، وكانت تلك هى البداية.

ويهمنى هنا المعاهد الأزهرية.. وهى عديدة: ابتدائية، وإعدادية، وثانوية، ولا ننسى مدارس تحفيظ القرآن، وأصبح للحاصلين على الإعدادية بها حق الالتحاق بالمعاهد الثانوية.. وهنا مكمن الخطر، إذ عرفت التيارات الإسلامية أو الجماعات المتأسلمة طريقها للسيطرة على الأجيال الصاعدة، بعد أن ثبت عشق الشعب المصرى للإسلام.. وتوغلوا فى هذه المراحل، بدءاً من مكاتب تحفيظ القرآن ومدارس تحفيظه.. وتعهدوا الكثير من التلاميذ حتى دخلوا المعاهد الأزهرية.. الإعدادية ثم الثانوية.. ووصلوا إلى كليات الجامعة، وكل ذلك تم وسط غياب كامل من السلطة.. وبذلك سمحنا لهم بالسيطرة على عقول وقلوب التلاميذ، فى كل هذه المراحل.

ولا ننكر هنا توغل هذه الجماعات - بالذات - من خلال مكاتب تحفيظ القرآن الكريم الخاصة.. ويشرف عليها الأزهر ويدعمها بالمال.. وحفظ القرآن فيها يعد أمراً ضرورياً للالتحاق بالأزهر.. وبذلك تركنا لها هذا المجال واسعاً للتوغل إلى قلب المجتمع المصرى.. بل السيطرة عليه.. ولا ننسى كتائب النشاط التى شاهدناها قبيل ثورة 25 يناير تستعرض قوتها فى مظاهرات جامعة الأزهر، على غرار «نشاط» منظمة حماس الفلسطينية.

■ ■ ولنا أن نتخيل أن هذه المكاتب، وهى تعد بالآلاف، موجودة فى معظم الريف المصرى.. وتزداد خطورتها مع تحويلها إلى مدارس ابتدائية كنظام المدرسة ذات الفصل الواحد.. أما المدارس الابتدائية الأزهرية فهى تعد الآن بالآلاف، ومعظمها نشأ بالجهود الذاتية للأهالى.. وبدعم من هذه الجماعات، ولا يجرؤ مسؤول واحد على رفض إنشاء هذه المعاهد الابتدائية أو مكاتب تحفيظ القرآن الكريم.

■ ■ وانتشرت عملية إنشاء المعاهد الإعدادية والثانوية للفتيات مع معاهد المعلمين الأزهرية، وسط غياب الرقابة، وأصبحت ميداناً لعمل هذه الجماعات منذ سنوات عديدة.. وكان السماح بإنشاء المعاهد الحرة فرصة للجماعات لتفعل ما تريد.. ويقدر عددها الآن بما لا يقل عن 3000 معهد دينى مختلفة الدرجات.

■ ■ ولمن لا يعلم نقول إن جامعة الأزهر هى الأكبر فى عدد طلابها من الجنسين، وبها مئات الألوف من الطلبة، مصريين ومسلمين من مختلف قارات العالم، وهنا يقع مكمن الخطورة، إذ أصبحت - وبسبب غياب الرقابة - مراكز لتفريخ ما تشاءه هذه الجماعات.. وما تطمع إليه فى السيطرة على عقول الشباب.

لذلك، لابد من تطوير التعليم الدينى وتحديثه.. ولكن تحت بصر السلطة لنجعلها فقط مراكز للتعليم الحديث.. بعيداً عن الأهواء.