استهواه التمثيل وعوالمه الساحرة، وكانت له محاولات بسيطة وأحلام كبيرة فى طفولته، لذا عندما ترك مسقط رأسه بالمنصورة إلى القاهرة ليلتحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، انطلقت مواهبه ونمت أحلامه، بدأ محاولاته فى الكتابة، وانخرط فى المجال السياسى، وكان قد قرر تحقيق حلمه الأثير بأن يصير ممثلا.. قبل أن يصبح كاتبا كبيرا وشهيرا.. وكان الوقت آنذاك منتصف عام 1947 وكان النجم الذى يأخذ الألباب والقادر على مساعدته فى العبور إلى حلمه هو الممثل والمخرج والمنتج الشهير «أنور وجدى» الذى كان قد تزوج مؤخرًا بنجمة الغناء والسينما «ليلى مراد» أثناء مشاركتها بطولة فيلم «قلبى دليلى» وكعادة أنور وجدى فى إطلاق الصيحات والدعايات التى تروج تجاريا للأعمال التى ينتجها.. فاتحها فى الزواج، وأعلن عنه بعد رقصة «الفالس» الشهيرة على لحن أغنية الفيلم الشهيرة «أنا قلبى دليلى» وبذكائه التجارى قرر أن يكون مشهد الزفاف فى الفيلم هو نفسه مشهد الزفاف الحقيقى بينهما، وأعلن ذلك للجماهير ليصبح هذا المشهد أعلى نسبة مشاهدة فى السينما العربية ساعتها.
قرر صاحبنا زيارة أنور وجدى فى بيته دون معرفة بينهما، أو وساطة، أو موعد سابق! ولنتركه يصف اللقاء بنفسه: (وجدت أن أنسب اللحظات لذهابى إليه هى فترة ما بعد انقضاء القيلولة، يكون قد صحا من تعسيلة ما بعد الغداء ومزاجه طاب.. ارتديت أحسن ما عندى.. ولم تكن بدولابى مرآة طويلة أرى فيها منظرى بالكامل.. وكنت أعرف نفسى جيدا. آه لو كانت قامتى أطول شبرا.. شبرا واحدا لا أكثر.. تلك نقطة الضعف الوحيدة.. ولكن تذكر يا أستاذ أنور أن ممثلا عظيما مثل «ميكى رونى» ليس أطول منى قامة.. أنت سيد العارفين.. المهم هى الموهبة.. ليس شرطا أن يكون الممثل ساحرا للنساء، بل من الممكن أن يكون غاية فى القبح ومع ذلك يسيطر ويهيمن على الشاشة.. ثم خرجت إلى المهمة التاريخية. ووصلت بسرعة أمام عمارة الإيموبيليا بشارع شريف.. وكان الهدوء الشامل يشمل المدخل.. سألت البواب فأخبرنى بالطابق ورقم الشقة.. ثم أشار لى على المصعد الكهربى.. لم أنتظر طويلا بعد أن ضغطت على جرس الباب.. ثوان وفُتح الباب.. وأطل منه نجم النجوم.. كان يرتدى بيجامة حريرية لامعة وقانية الحمرة، وفى قدميه شبشب خفيف أسود.. وخصلة أو خصلتان من شعره السائح ملقاة على جبينه.. فتح الباب نصف فتحة، وتفرسنى جيدا: من أنت؟! لم يقلها بلسانه بل بعينيه.. سلمت عليه فرد بحيادية «عليكم السلام» ثم خفت صوته «أهلا وسهلا».. أسرعت بالقول: «أنا آسف جدا إنى جيت من غير ميعاد.. لكن مش حاخد من وقت حضرتك كتير».. وتوقعت أن يشير لى بالدخول وهو يقول: اتفضل.. هكذا نفعل فى قريتنا مع الغريب.. نفتح له المضيفة ونقدم له ما نستطيع!.. إلا أنه ظل ثابتا على وقفته بالباب الموارب.. تذكرت أنى لم أقدم له نفسى فقدمتها وأضفت: «إمبارح شفت حضرتك قدام سينما كايرو عشان افتتاح الفيلم الجديد.. وكان نفسى أسلم عليك بس ده كان مستحيل من شدة الزحام.. قلت آجى لحضرتك البيت».. فوجئت بعينيه تتسعان دهشة، ورأسه يروح ويجىء بنفس طريقته فى الأفلام قائلا بدهشة: يا سلام.. بقى كده!.. اعتقدت أنه مبسوط فازدادت حماستى وقلت من أعماقى مخرجا حلم حياتى: أصلى بحب التمثيل جدا ويا ريت...، ولم أكمل، فقد لمحت من خلال فتحة الباب الصغيرة طيف امرأة تتهادى فى ظلال الصالة مقبلة علينا.. وسرعان ما تبينت أنها ليلى مراد.. مطربة صباى وشبابى.. ما أروع هذا يا إلهى.. كانت مرتدية روبا من القطيفة.. سماوى اللون، محبوكا على جسمها.. ولمحتها وهى تربط الحزام بسرعة حول وسطها، مما خمنت معه أنها لم ترتد هذا الروب إلا الآن).. وللحديث بقية.