تحليل إخبارى: «نتنياهو» يعد الإثيوبيين بـ«التكنولوجيا» ويُعلن حرب المياه على مصر

كتب: أحمد بلال الثلاثاء 12-07-2016 23:26

فى خطاب لم يتجاوز الـ13 دقيقة، تحدث أمام البرلمان الإثيوبى، فى زيارة هى الأولى من نوعها لرئيس وزراء إسرائيلى. تعددت القضايا التى شملها الخطاب ما بين علاقات تاريخية أضفى عليها نتنياهو طابعًا أسطوريًا، وبين ثمة رابطة دم تربط بين الإسرائيليين والإثيوبيين، وغيرها من القضايا، إلا أن الأهم فى الخطاب، كان قدرة نتنياهو على اختيار مصطلحاته، وترتيب أفكاره بشكل يقبله الإثيوبيون ويرحبون به، كذلك طرحه لقضية المياه بشكل واضح وصريح، ليعلن تعاونه مع الإثيوبيين كى تصب مياه النيل فى أى اتجاه يريدون، فى رسالة موجهة فى الأساس للقاهرة.

خاطب نتنياهو الإثيوبيين كأمة لها تاريخ، وليس «مجرد أفارقة» أو قبائل غير متحضرة، وهو الخطاب الذى يلقى تقديرا فى إثيوبيا، حيث يشعر الإثيوبيون طوال الوقت بتميزهم وسط القارة السمراء كأمة تاريخها وحضارتها ممتدين لآلاف السنوات. ولهذا السبب تحديدًا استدعى نتنياهو قصة لقاء ملكة سبأ، التى يؤمن الإثيوبيون أنها كانت ملكة على بلادهم قبل 3000 عامًا، بالملك سليمان فى القدس.

لم يستهدف نتنياهو، من خلال استدعاء هذه الواقعة التاريخية، عمق العلاقة بين إثيوبيا وإسرائيل، التى أقيمت قبل أقل من 70 عامًا على اعتبار أن الأخيرة هى امتداد لمملكة داود وسليمان بفلسطين، كما تروج الحركة الصهيونية. وإنما استهدف أيضًا الإشارة إلى أن ثمة علاقة أخرى تجمع الشعبين، وهى علاقة دم، حيث يؤمن الإثيوبيون أن ملكة سبأ أنجبت طفلًا من الملك سليمان، ومن نسله انحدر ملوك إثيوبيا.

العلاقة التاريخية، التى يتحدث عنها نتنياهو، جعلت من الإثيوبيين مكونًا رئيسيًا من مكونات الشعب الإسرائيلى، يشاركون فى الحياة السياسية والاقتصاد، ويمثلون جسرًا بشريًا بين الشعبين، كما يقول نتنياهو، الذى يضيف أن الآلاف من اليهود الإثيوبيين يخدمون فى الجيش الإسرائيلى، وهو ما يعنى أن هذا الجيش لا يمكن أن يكون جيشًا معاديًا لإثيوبيا، كما يمكن أن تكون جيوش أخرى فى المنطقة، لأن الدماء التى تجرى فى عروقه بعضها إثيوبى.

يبرع نتنياهو فى الانتقال من العام إلى الخاص، ومنح الحديث السياسى بل والأسطورى بعدًا إنسانيًا كفيلًا بإذابة ما قد يكون قائمًا من حواجز بينه وبين المتلقى، فكما تحدث عن ثمة علاقة تجمع بين الأمتين «اليهودية والإثيوبية» منذ 3000 عام، على حد قوله، تحدث أيضًا عن تردده وهو طفل صغير على شارع جميل فى القدس المحتلة يحمل اسم إثيوبيا، فى إشارة إلى أنه هو شخصيًا مرتبط منذ طفولته بالدولة الأفريقية، التى يزورها للمرة الأولى.

يصر نتنياهو على منح حديثه صفة إنسانية، فيتحدث عن كلامه مع مضيفتين إسرائيليتين على متن الطائرة التى أقلته من إسرائيل إلى أفريقيا، تفخران بأنهما إسرائيليتان من أصول إثيوبية، وتزور إحداهما خلال زيارته عائلتها الإثيوبية للمرة الأولى من سبع سنوات، والقضية هنا ليست مجرد ارتباط سياسى أو شخصى، وإنما رابطة دم، تجمع بين أحد مكونات الشعب الإسرائيلى والشعب الإثيوبى.

حديث نتنياهو عن الأمة الإثيوبية شهد تقديرًا للنضال الإثيوبى ضد الحكم الأجنبى فى سبيل الحرية، وهو أيضًا حديث له مكانته فى قلوب الإثيوبيين. إلا أن نتنياهو، الذى ذكر مصر مرتين فى خطابه أمام البرلمان الإثيوبى، ربط بين الحرية والانعتاق من العبودية وميلاد الأمة من جهة، وبين «الخروج من مصر» أو الانعتاق عنها من جهة أخرى، فيقول: «ميلاد الشعب اليهودى بدأ بالحصول على حريته وقصة الخروج من مصر. خرجنا من العبودية للحرية، إلى أرضنا، أرض إسرائيل».

حرية «الشعب اليهودى» والشعوب الأفريقية كانت حلمًا لهرتسل، الذى كان يأمل «فى مساعدة الأشخاص السود فى أفريقيا للحصول على حريتهم»، بحسب نتنياهو، الذى يضيف: «فكرة الخروج من مصر مرتبطة بإقامة الدولة اليهودية، قال هرتسل: إذا رغبتم فلن يكون هذا حلمًا». وهكذا يربط نتنياهو بين مصر وبين العبودية، وبين إسرائيل وبين من يريد الحرية وبناء الدولة القوية، ويوجه حديثه لأعضاء البرلمان الإثيوبى أن من يريد استكمال حريته وبناء دولته فلينعتق عن مصر، و«إذا رغبتم فلن يكون هذا حلمًا».

فى مذكراته، كتب رئيس الوزراء الإسرائيلى الأول، ديفيد بن جوريون، عن أهمية العلاقات بين إسرائيل وإثيوبيا، وأهمية أن تكون هذه العلاقات علنية، وعلى أساس أنهما «الأمتان غير الإسلاميتين الوحيدتين على البحر الأحمر»، وبنفس المنطق تحدث نتنياهو أمام البرلمان الإثيوبى. عن أن الدولتين الوحيدتين التى يعيش فيها المسيحيون حياة مزدهرة هما إسرائيل وإثيوبيا، فيما يذبحون فى بقية دول المنطقة على أيدى تنظيم «داعش».

يواصل نتنياهو حديثه عن ثمة خطر مشترك قائلًا: «كلتا أمتينا، وكل دولة أخرى (لم يقل أمة أخرى)، موجودة تحت تهديد الإرهاب.. أعتقد أن كل زعماء أفريقيا يفهمون هذا الخطر جيدًا. لقد شهدنا هجمات بكل الدول، فى أنحاء القارة وكل العالم، من المهم أن نفهم أن المخربين يروننا، كلنا واحد. وعلينا محاربتهم على أنهم واحد»، وفى هذه النقطة تحديدًا يؤكد نتنياهو على رؤيته التى يتعمد فيها خلط الأوراق، فالمنظمات التى يقصدها فى الأساس هى منظمات المقاومة، والتى يضعها فى خندق واحد مع منظمات إرهابية مثل «داعش» و«بوكو حرام»، ومن ثم فإنه مستعد للتعاون مع الدول الأفريقية ضد هذه المنظمات مقابل أن تتعاون أفريقيا معه فى اتخاذ موقف من المقاومة.

تنقل نتنياهو فى خطابه، الذى لم يتجاوز الـ13 دقيقة، بين قضايا مختلفة، بين علاقات تاريخية أسطورية أو مُتخيلة، وبين أبعاد شخصية للعلاقة، وبين تفخيم وتمجيد للأمة الإثيوبية، وتحريض على الابتعاد عن مصر، لكنه كان واضحًا أكثر فى حديثه عما يمكن أن تقدمه إسرائيل لإثيوبيا، فرغم تأكيده على أن «الأمن هو مصلحتنا المشتركة الأولى، وبالتأكيد ليس الأخيرة»، يؤكد نتنياهو أيضًا أن إسرائيل ترى جيدًا «الإمكانيات الكبيرة لإثيوبيا»، وأنه «فخور» بأن يعلن أن «إسرائيل تعود لأفريقيا بشكل أشمل».

ترى إسرائيل الإمكانيات الكبيرة لإثيوبيا، لكن الأهم فى مثل هذا الخطاب أن ترى إثيوبيا أيضًا الإمكانيات الكبيرة لإسرائيل، لذا قد كان من الضرورى أن يتحدث نتنياهو ولو بقليل من التفاصيل عن أهم المجالات التى ستدعم فيها تل أبيب أديس أبابا، مثل الزراعة، إدارة المياه، الطاقة، الفضاء، الفضاء الإلكترونى، يذهب نتنياهو إلى التفصيل أكثر، كى يشعر الفلاح الإثيوبى بثمار هذا التعاون، فيعد هذا الفلاح بزيادة كمية الألبان التى تنتجها بقرته، قائلًا: «السؤال الذى أسأله فى كل مكان أذهب إليه: أى بقرة تعطى أكبر كمية حليب فى العالم؟ هل تعتقدون أنها البقرة الهولندية؟ البقرة الفرنسية؟ لا. هذ البقرة الإسرائيلية، وفى المستقبل القريب ستكون أيضًا البقرة الإثيوبية».

مجالات أخرى حددها نتنياهو أمام البرلمان الإثيوبى لتعزيز التعاون فيها، مثل التكنولوجيا، الاتصالات، التعليم، والصحة، إلا أن أهمها هى «إدارة المياه»، وأخطر ما قاله فى هذا الشأن هو: «نعمل معًا من أجل أن تصب المياه فى أى اتجاه تريدون، ولتقليل المياه المهدرة»، كما يربط نتنياهو هذه القضية بالحياة اليومية للمزارع الإثيوبى قائلًا: «ستكون هناك مياه أكثر للاستخدام الشخصى وللحقول، التى ستنتج محصولًا أكبر، ستزداد الحيوانات والأبقار التى تنتج الألبان بكميات أكبر».