عزيزى نيوتن
قرأت لصديق لى تعليقا صغيرا ينعى الاستثمار بمصر من المصريين والأجانب بعد قراءته لمقال كتبه الأستاذ حمدى رزق فى جريدة «المصرى اليوم»، فشدنى هذا لقراءة المقال مرة واثنتين وثلاثا غير مصدق للكلام المكتوب، وحمدت الله أننى لست رجل أعمال، وتمنيت لو أننى لم أقرأه، وتمنيت أيضا ألا يكون قد قرأه مستثمر أو صناعى أو رجل أعمال مصرى كبيرا كان أو صغيرا، ناهيك عن المستثمرين الأجانب. سوف أنقل لسيادتكم ما وصلنى من مقطع صغير فى مقالته وأترك ما فى باقى المقال من إهانات وتهديدات ضمنية ثم أضع أمامكم المقطع لكى أعرف انطباعكم عما كتب وعما فهمت أنا وغيرى كثيرون، وهذا هو ما وصلنى:
«أنتم أيها الصناعيون، كباراً كُنتُم أو صغاراً، لا تملكون شيئاً فكل ما كونتموه أنتم وآباؤكم من قبلكم ملك للشعب، وإذا كُنتُم تعتقدون أن عندكم مليارات أو ملايين فأنتم واهمون. المصانع التى بنيتموها أنتم لم تفعلوا شيئا ولم تتعبوا أو تغامروا فنحن الشعب هو من تعب فيها وهى من حقنا. وصروحكم الاقتصادية بُنيت لوحدها بعرق العمالة الكادحة وبلا عقل مفكر مبتكر. فإن أخذناها منكم فهذا ليس تفضلا منكم ولكنها حق لنا لأننا أعطيناكم حوافز الاستثمار مثل الأرض الرخيصة والطاقة المدعمة والعمالة الرخيصة (ونسى الكاتب الكبير أن هذا نظام معمول به فى معظم الدول التى تتنافس على المستثمرين). عليكم أيها المستثمرون إعطاءنا ما لديكم ليس كمنة ولا قرض ولكن هذا حق خالص للوطن فيما كسبتم بالساهل، يعنى بالبلدى مش حسنة ولكن برضه أنا سيدك».
وما يلى هو نص ما كتبه الأستاذ حمدى رزق كجزء من المقال:
«ملياراتكم التى بين أيديكم هى ملياراتنا، وملايينكم هى ملاييننا، ومصانعكم من كدنا وشقانا، وصروحكم الاقتصادية من عرق الجبين، لا نريد جزاءً ولا شكوراً، نريد ثمن الأرض أم دولار، والطاقة أم قرش، والعمالة أم عشرة جنيهات، لا نطلب حسنة يتبعها أذى، لا نريد مِنة ولا قرضاً، نريد ضريبة الوطن، حق مصر فيما كسبتم فى زمن كان الكسب بالساهل!!».
هل يعلم الأستاذ حمدى أن معظم أموال الصناعيين فى العالم أموال غير سائلة، فإذا قدرت ثروة واحد منهم بعشرة مليارات جنيه مثلا ستكون هذه الأموال عبارة عن ماكينات ومنشآت ومخزون ورأسمال عامل ومخزون نقدى استراتيجى لمواجهة تقلبات الأسواق وسنوات الخسائر. وهل يعلم أنه إذا قام رجل الأعمال أو الصناعى بإعطاء الدولة رأس المال العامل يفلّس المصنع فى غضون أشهر وتخسر الدولة الضرائب وتزيد البطالة وتفقد المورد النقدى الأجنبى من توقف التصدير، يعنى ببساطة تذبح الدجاجة التى تبيض ذهبا وتضيف أعدادا جديدة للعاطلين عن العمل.
ثم هل يعلم ماذا تفعل دول العالم مع الصناعيين، ولنأخذ كوريا الجنوبية مثالا، فهم يقدسون رجال الصناعة وما يسمى «الشيبلز»، أى الكيانات العائلية العملاقة، ويضعونهم كلهم فى مكان واحد أسفل الجبل، لأنهم يعتقدون أنه مصدر للطاقة، وهؤلاء مميزون يخلقون فرصا كثيرة ودائمة ويحبهم الشعب لأن قائدهم الأسطورة فى الستينيات بارك شونج هى منع حدوث الحقد الطبقى بسياساته الحكيمة.
السؤال المهم الآن: هل مازلنا وبعد ٥ سنوات من الفوضى لا ندرك أن الاستثمار الداخلى والخارجى هو أملنا الوحيد فى تخطى الأزمة الحالية، وكفانا تأليبا للشعب على بعضه البعض فلن يستفيد من هذا إلا أعداؤنا، فرفقاً بمصر يا أستاذ حمدى، فغالبية المستثمرين لديهم عقدة فقد كل أموالهم ما بين ليلة وضحاها فى عصر الرئيس ناصر رحمه الله، فلماذا الإصرار على تخويفهم؟.. ما تم وقتها هو سرقة أموال الأغنياء ولا يمكن تجميل ما حدث.
م/ صلاح حافظ
تعليق نيوتن:
لا تثريب على حمدى رزق. كاتب مرموق له ألتراس كامل يتابعه حيثما كان. حمدى نواياه سليمة بكل تأكيد. يكتب ما يؤمن به.
هذا الجدل يؤكد ما كتبناه سابقا فى هذا المكان أن هناك تأليبا لطبقات الشعب ضد بعضها البعض. كل طائفة من طوائف المجتمع فى جانب. تعيش فى عزلة. ببساطة نحن مجتمع الجزر المنعزلة. كثير من المصريين ضحية لشعارات وأفكار من زمن الستينيات. محنتها لم نبرأ منها بعد. مازالت تعشش فى العقول. تعمى القلوب عن رؤية الحق واتباع الحقيقة. كلنا ضحايا لشعارات بالية. تعتبر أن الفقر سببه الأغنياء. وترى أن سب رجال الأعمال سوف يجعل الفقراء أغنياء وليس العمل والاجتهاد.
كان غزوا كاسحا استخدمت فيه كل الأسلحة. القاهر والظافر منها. دعم كامل من الاتحاد السوفيتى من أجل الإسراع بعملية التحول. بالإضافة إلى فيلق من المثقفين والمطربين فى مقدمتهم عبدالحليم حافظ وصلاح جاهين بكل عبقريته وكمال الطويل. فى كل عيد للثورة يخرجون للشعب بقنبلة فنية. من ثم الشعب معذور للغاية. لقد تم الانقلاب والانشقاق بسلاسة ويسر. حتى أصبح الكل ينظر نظرة ريبة وشك للبعض. هل ننسى أغنية يا عديم الاشتراكية يا خاين المسؤولية؟ وغيرها وغيرها.
المشكلة أن الكثير منا لا يدرك أن المناخ فى بلدنا طارد. طارد للسياحة. طارد للاستثمار. طارد للأمل ذاته. ليس مناخا جاذبا بأى حال.
شعارات وتابوهات إن لم تكن لدينا الشجاعة لنقضى عليها سوف تقضى علينا.