YES WE CAN... بهذه العبارة القصيرة حقق الشاب الأسمر باراك أوباما المعجزة عام 2008، معجزة انتخاب أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأمريكية أرض اللبن والعسل والأحلام. تصور العالم آنذاك أن انتصار الديمقراطى الشاب خطوة هائلة للقضاء على آخر بقايا العنصرية في الفكر الغربى، وفرصة سانحة لتحقيق حلم العدالة الإنسانية والتخلص من زيف الحضارة الغربية المؤسسة على الفكر الاستعمارى ونهب ثروات الشعوب والتمييز العنصرى.
لكن العالم الثالث، خاصة العالم العربى والإسلامى خاب رجاءه في أوباما، فهو لم يكن سوى نسخة من سابقيه، مجرد ممثل لمصالح بلاده وأصحاب النفوذ الأثرياء النافذين في أروقة السياسة الأمريكية ودوائر صنع القرار، أصحاب الأيادى البيضاء في الأنفاق على حملته الرئاسية.
أما خيبة الأمل الكبرى فكانت من نصيب الأمريكيين السود الذين كانوا يأملون في أن تتغير ظروفهم تحت حكم رئيس من بنى جلدتهم، وأن يتم تحقيق العدل والمساواة التامة بينهم وبين البيض وغيرهم من الأعراق الأخرى التي يتكون منها نسيج المجتمع الأمريكى المختلط. ولكن الواقع كان أقل بكثير من المتوقع، واستمرت معاملة بعض أفراد الشرطة البيض تتسم بالعنصرية تجاه السود، ومات عدد من هؤلاء جراء هذه التصرفات الغير مسؤولة، وتحول الأمر من مجرد حوادث فردية يمكن التغاضى عنها إلى سلسلة متتالية زاد معها الشعور بالتفرقة والقهر والظلم.
وجاء الحادث الأخير، يو الجمعة الماضى، ليصدم المجتمع الأمريكى لعله يفوق من غيبوته، فلقد قتل المجند السابق الأسود ميكا إكس جونسون خمسة من رجال الشرطة البيض في دالاس وأصاب نحو 11، وهو ما جعل صحيفة «نيويورك بوست» تختار عنوان «الحرب الأهلية» لهذا الحادث المأسوى البغيض، ولقد بدا مناسبا بعد إعلان جونسون أنه يريد قتل البيض وضباط الشرطة البيض، وأنه يشعر بالغضب من وقائع مقتل مواطنان سود في الآونة الأخيرة في لويزيانا ومينيسوتا برصاص شرطيين بيض، ولقد أدى نشر أشرطة فيديو عن الحادثين لانتشار الغضب بين السود، فلقد شاهد هذه الفيديوهات الملايين، وخرجت أعداد كبيرة في مظاهرات احتجاجية.
نتيجة الحوادث السابقة تكونت قبل عامين حركة «بلاك لايفز ماتر» حياة السود مهمة، بالإضافة إلى جماعات أقل عددا وأكثر تطرفا تبدى تعصب وكراهية تجاه البيض واليهود مثل جماعة «نيو بلاك بانثر بارتي» و«بلاك رايدرز ليبرايشن»، و«حياة السود مهمة» تعد الأكثر تأثيرا والأكثر اعتدالا، ولفد أدانت قتل جونسون لرجال الشرطة البيض.
الأمريكيون الأفارقة يستعيدون أجواء خمسينيات وستينيات القرن الماضى، حين كان مارتن لوثر كينج يقودهم مطالبا بإنهاء التمييز العنصري ضد السود ويسعى للحصول على المساواة للأفارقة الأمريكيين.
ولقد اعتبر مركز «بوفرتي لوو سنتر» الأمريكى الذي يتابع الحركات العنصرية والمتطرفة في الولايات المتحدة، أن التوترات العرقية والسأم من النخب السياسية، وعدم المساواة الاقتصادية، كلها عناصر تغذي الاستقطاب في البلاد، وهو ما سيؤدى لتزايد الغضب والاحتجاجات والانقسامات في المجتمع الأمريكى.
ولقد ندد الرئيس الأمريكى أوباما بالأحداث التي شهدتها مدينة دالاس أثناء وجوده في وارسو لحضور اجتماعات حلف الناتو، كما أمر بتنكيس الأعلام لمدة 5 أيام حدادا على ضحايا الحادث من رجال الشرطة، لكن الرئيس الذي ستنتهى ولايته الثانية بعد شهور قليلة يدرك أن هناك عيبا في النظام القضائى الأمريكى ففيه فوارق عرقية على حسب قوله، وهو بالطبع لن يستطيع أن يغير شيئا في الفترة القصيرة من حكمه وسيتم ترحيل المشكلة والحل للرئيس القادم، وفى حالة نجاح المرشح الجمهورى دونالد ترامب فسيكون الوضع صعبا، فحملته الانتخابية الرئاسية تتضمن خطابا عنصريا ومعادا للمهاجرين والمسلمين، فهو صانع لبيئة يصبح التطرف فيها مقبولا ومعترفا به، فخطاب الكراهية والتعصب ينتقل لعامة الناس، وهؤلاء بدورهم سيستهدفون جماعات أخرى بدوافع العنصرية وتبدأ الدائرة الجهنمية لتشتعل النار في الجميع في النهاية، وكما قال مارتن لوثر كينج: علينا أن نتعلم العيش معاً كإخوة، أو الفناء معاً كأغبياء.
أمريكا أمام أكبر تحد يواجهها: الانقسام، وهى لا تواجه فقط خطر الداخل ولكن أيضا الخارج، فصورتها التي تصدرها للعالم بأنها أرض العدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان تكاد تنهار تحت وطأة الأخطاء المتتالية والصمت تجاهها.
العدل والمساواة ورفع المظالم هي أساس الحكم الرشيد في واشنطن كما في القاهرة.
EKTEBLY@HOTMAIL.COM