منذ تسعة وتسعين عاما.. احتاج الأهلى والزمالك لسبعة وعشرين يوما من الحوار والتفاوض والتوفيق بين وجهات النظر والتغلب على أى مخاوف وشكوك واعتراضات حتى يقبل الناديان أن يلعبا معا لأول مرة فى تاريخ مصر يوم التاسع من فبراير 1917.. وقبل أن تتعجل فى أحكامك وترى أننا تغيرنا وتطورنا كثيرا وجدا، بدليل أن الناديين لم يكونا فى حاجة لأكثر من خمسة أيام فقط من التفاوض وحسم الشكوك والمخاوف قبل الموافقة على اللعب، الليلة، فى استاد السويس حتى الآن أو أى ملعب آخر يمكن اختياره فى اللحظة الأخيرة.. دعنى أخبرك بالفوارق الكثيرة والهائلة بين مفاوضات الأهلى والزمالك عام 1917 ومفاوضاتهما قبل مباراة الليلة.. فقبل المباراة الأولى بينهما لم يكن الاتحاد المصرى لكرة القدم قد تأسس بعد، ولم تكن هناك بطولة دورى أو كأس، ولم تملك مصر منتخبها الكروى الأول.. ولا الاتحاد الأفريقى بالطبع بكل بطولاته ومسابقاته ولقب نادى القرن.. لم يكن هناك ألتراس ووايت نايتس أو حتى جمهور ضخم للناديين، ولا كان هناك إعلام رياضى أصلا، ولم تكتب أى صحيفة أو مجلة مصرية عن تلك المباراة الأولى إلا بعد نهايتها بأسبوع كامل.. ورغم ذلك احتاج الناديان سبعة وعشرين يوما حتى يلعبا معا لأول مرة فى تاريخ مصر.. وكانت أبرز نقاط الخلاف التى استدعت التفاوض والحوار طيلة هذه الأيام هى تحديد ملعب المباراة الأولى وهل هو ملعب الأهلى أم الزمالك.. وكيف سيقتسم الفريقان إيراد المباراة بعد خصم تكاليف إقامتها من فراشة وكراسى للمتفرجين وطبع تذاكر وأجر المصوراتى الذى سيطبع ثلاثين نسخة من صورة كل فريق.. وكانت المشكلة أيضا هى هل النادى الذى سيستضيف هذه المباراة- وكان الزمالك بالمناسبة- سيتحمل وحده ثمن الشاى والجاتوه للحاضرين ومسؤولى الناديين الذين سيحضرون بالمجان، أم سيقتسم الناديان معا تكلفة ذلك.. ولم يكن هناك وقتها أمن هو الذى يحدد ويختار.. ولم تكن كرة القدم من مهام وزير الداخلية، الذى كان مكلفا بمضابط مجالس الأحكام وأمور الصحة والهندسة العمومية وأشغال قناة السويس وإدارة اسطبل شبرا والمطبعة الأميرية والمستشفى الملكى.. ولم نعرف الميول والأهواء الكروية لوزير الداخلية وقتها.. حسين رشدى باشا.. المحامى الكبير، ورئيس حكومة مصر أربع مرات.. وأول وزير للداخلية فى تاريخ مصر، حيث كان سابقوه يحملون لقب ناظر وليس وزير حتى إعلان الحماية البريطانية على مصر عام 1914.. إلا أنه لابد من الالتفات لمباراة الليلة، رغم أن الحديث عن المباراة الأولى أكثر إمتاعا وجمالا بدلا من الحديث عن مجرد عناد وتفاخر أجوف من أكبر ناديين فى مصر.. فهما لا يلعبان أصلا على ملاعب تخصهما، ولا فارق فنى بين اللعب فى بتروسبورت أو برج العرب أو السويس أو فوق سطح القمر.. لكنها باتت هواية واستعراضا إعلاميا زائفا، حيث لم يعد الناديان يكتفيان باللعب، إنما يحرصان قبل نتائج الكرة على إثبات مَن منهما الأقوى الذى سيفرض كلمته دون أن نعرف مَن الذى سيدفع ثمن الجاتوه.