قطار الصعيد

درية شرف الدين الثلاثاء 05-07-2016 21:03

النهارده العيد، وكل عيد وأنتم بخير، كل عيد ومصر والمصريون جميعهم بخير وسلام وأمان واطمئنان فى هذه المنطقة المجنونة من هذا العالم الذى يزداد هو الآخر جنونا وجموحاً كل يوم.

وقبل العيد بأيام قليلة كنت فى طريقى إلى الإسكندرية عن طريق القطار، كان موعده الحادية عشرة صباحا وكان قادما من الصعيد من أسوان فى طريقه إلى الإسكندرية، محطة مصر تعج بالمسافرين كالعادة يسودها نظام وهدوء وحركة ونظافة، وتدل لوحاتها المضيئة المسافرين بانتظام، كل شىء يسير فى نظام حتى وصلتُ إلى قطار الصعيد، وصل قطار هزيل طويل فقير جاء متأخرا عن موعده بأكثر من خمس وثلاثين دقيقة ووصل بعد موعده بساعة. هالنى منظره وهيئته من الخارج، ثم كانت الطامة الكبرى لهيئته ونظافته وأثاثه من الداخل، قطار يبدو أنه مظلوم كأصحابه من الصعايدة، يؤكد أن الصعيد ما زال على هامش اهتمامات الدولة وعنايتها، وعلى الرغم من بقاء القطار بمحطة مصر لمدة كانت تكفى لصعود عاملين بالنظافة لتخليص القطار من مخلفات طعام مُلقى على الأرض، مُختلط بمياه تحولت الى طين لزج، لكن لم يصعد أحد، زجاج النوافذ كادت أن تضيع معالمه من فرط ما عليه من أتربة تراكمت عبر أشهر طويلة وربما لسنوات، وكذلك ما تلاه من إطار من السلك لحجب الشمس، تلوث هو الآخر وحجب كل شىء خارج القطار، المقاعد متهالكة تعلوها الأتربة والبقع، حتى أسقف القطار تلونت هى الأخرى باللون الأسود من فرط القذارة، كل ذلك فى الدرجة الأولى التى يطلقون عليها الممتازة فما بالنا بما تلاها من درجات، تكييف الهواء يعمل بأقل من ربع طاقته والروائح الكريهة تسود المكان كله وتكاد تخنق من فيه، وزاد الطين بلة تسرب مياه التكييف فوق رؤوس بعض المسافرين ومنهم أنا، مَرّ مفتش القطار ومساعده تبدو آذانه مغلقة عن الشكوى وكأنه لا يرى ولا يسمع، حتى عامل النظافة غلبان غاية الغُلب لا يبدو مهتما بأى شىء فما بالنا بالنظافة، لم تمتد يده طيلة الرحلة لإزالة حتى ورقة من طريقه، المشهد فى القطار القادم من الصعيد من أسوان كان مزريا مؤلما لنا كمصريين فما بالنا بأجانب أو سائحين!!.

تصورت الصورة المعاكسة: ماذا لو صَلُحت إدارة القطار؟، ماذا لو قام كل شخص مسؤول به بواجبه وبمتطلبات وظيفته؟، لكل عربة عامل نظافة لا يُنظف، ومشرف قطار لا يَمُر، ومفتش ومساعده لا يريان ولا يسمعان، ومئات من الإدارجية قابعون فى المكاتب، ومواطنون لا يدركون معنى المال العام ولا الملكية العامة وواجب صيانتها والحفاظ عليها ولا ينالهم عقاب فى حالة الاعتداء عليها. انتهاك قطار الصعيد هو جانب من انتهاك رصيف الشارع لصالح أصحاب المحلات، وانتهاك قواعد ونظام المرور لصالح سائقى السيارات، وانتهاك قواعد البناء لصالح المقاولين وسارقى الأراضى، هو صورة من انتهاك المدرسة لصالح المدرسين الخصوصيين، هو صورة من ضياع حقوق الناس ومصالحهم لصالح دافعى الرشوة.

غيرنا عرف معنى الإدارة الرشيدة، الإشراف والرقابة، الحساب والعقاب، القواعد والنظم وصيانة واحترام الملكية العامة، بينما نحن نكاد لا نراها. تلك مأساة قطار الصعيد وغيره.