العيد.. يعنى العيدية!!

عباس الطرابيلي الثلاثاء 05-07-2016 20:38

أكيد أن أسعد لحظة- فى حياتنا كلها.. نعم كلها- هى أول أيام العيد.. والسبب: حصولنا على العيدية.. ويا سلام لو كانت جديدة!!.

والنهارده أول أيام العيد.. ومهمتنا، آباءً وأجدادًا، أن نُدخل الفرحة على وجوه أولادنا وأحفادنا.. ولو بقليل من المال، حتى ولو كانت مجرد قروش!!.

وأتذكر طفولتى، كنا نستيقظ مبكراً لإتمام طقوس «حمومة العيد» بالصابونة أم ريحة!!، وهى أيضاً صابونة العيد.. وكان أفضلها أيام طفولتنا: اللوكس ثم شم النسيم.. وأحياناً الصابونة المصنوعة من زيت الزيتون، وكنا نطلق عليها اسم «الصابونة النابلسى» نسبة إلى مدينة نابلس فى فلسطين وكانت تُصنع من زيت الزيتون.. وصُنعت فى مصر باسم نابلسى فاروق.. فلما تم عزله وكرهه الناس- الذين يترحمون عليه الآن- أصبح اسمها: نابلسى شاهين، أما غيرها من صابون فكان يُصنع من زيوت النخيل واللفت وما هو أسوأ.. ثم نرتدى ملابس العيد: جلابية بيضاء ـ وطاقية ـ أو قميصًا وبنطلونًا.. والحذاء.. وكلها جديد فى جديد.. وبالطبع يكون المزيّن «الحلاق» قد أدى واجبه «لتزيين» رؤوسنا.

وننطلق إلى المساجد.. الكبير منا يدخلها ليشترك فى صلاة العيد.. والصغير يقف عند أبوابها ليتابع تكبيرات العيد التى تدغدغ الوجدان بالصوت الجماعى الرخيم المعروف: الله أكبر كبيراً.. والحمد لله كثيرا.. وما إن تنته الصلاة حتى ننطلق- مع الأهل- إلى المدافن لنطلب الرحمة للأعزاء الذين رحلوا، إذ لابد أن يشاركونا فى بهجة العيد.. وبعدها ننطلق إلى بيت الجد.. الذى كان ينتظر كل أحفاده لمنحهم «العيدية» وكانت فى البداية «حتة بخمسة» يعنى خمسة قروش.. زادت مع الزمن ومع التقدم فى السن، لتصبح «حتة بعشرة» ويا سلام ومازلت أتذكر عندما زادها جدى إلى ربع جنيه وأنا طالب فى المدرسة الثانوية، أول الخمسينيات.

والعيدية ليست فقط نقودًا!.. إذ كان الجد يضع حوله أطباقاً من الفطرة «نسبة إلى عيد الفطر»: عين جمل.. لوز.. بندق.. فسدق.. تمر.. وقليل من الخروب، فلما منع عبدالناصر «تقشفاً» استيراد هذه الفطرة.. زادت نسبة الخروب.. حتى كنا نتندر بقولنا: يا عم ده نص الفطرة خروب!!.

وبالطبع كانت الجدة تفعل نفس ما يفعله الجد الكبير.. أما الوالد فكان يصرّ على أن تكون عيديته «من البنكنوت الجديد» النوفى.. وبعد أن نجمع العيديات من الأعمام والأخوال.. ننطلق إلى حارة العيد.. حيث الساقية القلابة والمراجيح وركوب الحمير.. وكان أفضل ما نأكله هناك أطباق الطرشى المخلل أيضاً لنعوّض الأملاح التى افتقدناها.. أما قبل الغروب فالساحة هى «بحر النيل» عند دمياط، حيث نستأجر «الفلايك» ونظل نجدّف إلى أن تتورم الأيدى.. وبعد العصر كنا ننطلق إلى دور السينما لنلحق مكانًا لنتابع أفلام طرزان وعنتر وعبلة ورابحة وأفلام الأخوين «لاما»، وكانا فلسطينيين عاشا فى أمريكا الجنوبية «إبراهيم وبدر لاما»، الأول هو المخرج والثانى هو البطل.. وهما أول من أدخل أفلام «الأكشن» فى السينما المصرية.. وهو ما حاول الفنان الدمياطى محمد البطراوى تقديمه فى فيلم «بنت الريف» من تأليفه وإنتاجه وإخراجه وتصويره.. وأيضًا من بطولته.. وقام بتصويره فى منطقة السنانية، حيث حقول النخيل والجوافة والمانجو والليمون البنزهير.

وفى المساء نتجمع نحن أبناء الحارة أمام خيمة السيرك، وكان يتنافس أيامها على السوق سيرك عاطف.. وسيرك الحلو.. ومازلت أتذكر الحاج محمد الحلو ببدلته الشاركسين البامبو الأمريكانى وكانت ناصعة البياض، ويتدلى من جانبه الأيمن المسدس الساقية الشهير، الذى كان يضعه حول وسطه، قبل أن يدخل إلى حلبة السيرك المعدنية.. ليصارع الأسود والنمور.. وكان موقعنا المفضّل «دكك» الخشب- بمساميرها!!- أعلى السيرك، ليس لأنها كانت الأرخص.. ولكن لأنها كانت تتيح لنا تلك الرؤية البانورامية كاملة لكل ما تحت الخيمة.

■ ■ ونعود إلى بيوتنا ـ فى مثل هذا اليوم ـ أى الأول من العيد ـ بعد منتصف الليل ونحن منهكون تماماً.. لا نستطيع حتى أن نجر أقدامنا.. وننام إلى الصباح.. ثم نكرر نفس السيناريو فى اليوم الثانى.. ثم الثالث، وحتى «عيد الأبرار» الذى يأتى بعد صيام الستة أيام البيض من شوال.. حتى ننفق كل ما حصلنا عليه من عيديات.. وكانت- والله- فيها البركة.. فإيجار الفلوكة لمدة ساعتين ــ قبل عام 1950 ــ خمسة قروش.. وتذكرة السينما «اللبان» أو «محمد على» ثلاثة قروش.. أما تذكرة السيرك «الدرجة الرابعة العلوية- الدكة الخشب- فكانت أيضًا ثلاثة قروش».

■ ■ ولا تسألوا ماذا نأكل.. كان كل اهتمامنا هو اللهو.. والأهم إنفاق كل العيديات على اللهو والمرح.. وأكل أطباق الطرشى الحراق.. لنعوض ما يفقده الجسد من أملاح بسبب هذا الجهد.

■ ■ ومَن منا لا يحن إلى أيام العيد- أيام طفولته-والعيديات. ويا سلام عندما يقف الأحفاد- الآن- كل الأحفاد صفاً واحداً أمامك لكى تمنحهم عيدية العيد.. وعيونهم كلها شوق ولهفة ليعرفوا: هل الجد زاد قيمة العيدية.. بسبب تضخم الأسعار؟.. أنا نفسى أزيدها كل عام.. وكل عام وأنتم والأحفاد ونحن فى أفضل الأحوال.