عزيزى نيوتن
كثيراً ما توقفت أمام كتاباتك تأييداً فى كثير من الأحيان، ومعارضاً فى بعضها.. وكم فكرت فى الكتابة إليك تعليقاً عليها: اتفاقاً، أو اختلافاً؛ فطبيعة ما تثيره من موضوعات وقضايا فى هذه المساحة تستحث كل غيور على متابعتها، وعلى إعمال عقله فيها، وعلى توسيع نطاق نشرها.. أعجبنى ودفعنى للكتابة إليك مجدداً مقالك بالأمس عن «هدية العيد» التى قدمها الرئيس للمصريين بتشكيل المجلس الأعلى للاستثمار، وموافقته على رئاسته.. وهى خطوة تدل على إدراك ما تمر به مصر من مشاكل، وعلى تشخيص أمراضها وعلاتها بدقة.. وأتمنى من وسائل الإعلام أن تحذو حذوكم، وأن تتفاءل بهذا المجلس الجديد.
■ ودعنا نتفق على أن مصر الآن فى مرحلة من تاريخها تستدعى اتخاذ قرارات وسياسات غير تقليدية، وأن تبتعد قدر الإمكان عن سياسات التوفيق والتلفيق، وبلغة أكثر صراحة عن «سياسات الترقيع» التى أدمناها، وأدت إلى ما نحن فيه الآن.. هناك سياسات إصلاحية جذرية لابد من أن تتخذ.. وهناك خطوات جريئة لابد من الإقدام عليها اليوم، وليس الغد.. لا توجد لدينا رفاهية الوقت، ولا رفاهية التفكير والفحص والتمحيص الذى يستغرق سنوات.
■ لقد تلقيت ردود أفعال غاية فى الإيجابية من أصدقاء ومستثمرين فى عديد من الدول العربية عن تشكيل المجلس الأعلى للاستثمار.. أمال كبيرة يبنيها الكثيرون على هذا المجلس، عن حق، وعن ثقة فى قدرته وتوجيه دفته.. فعلى رأسه رئيس لن يسمح بتضييع الوقت، ولا بسيل الإجراءات الروتينية المعقدة والمطولة.. ولا شك أن هذا القرار خطوة توكد أن الدولة بأعلى مستوياتها تضع الاستثمار على الطريق الصحيح باعتباره أحد منافذ الإنقاذ للاقتصاد المصرى.
■ ولعل الخطوة التالية، ولعلها تكون الموازية لهذا المجلس، هى إصدار قانون الاستثمار الجديد.. ذلك القانون الذى يجب أن تكون أولى عباراته وبنوده «يجبّ هذا القانون كل ما سبقه من قوانين متعارضة، ومن تعقيدات روتينية، ومن افتكاسات وخزعبلات تضيق الخناق على المستثمر، الصغير قبل الكبير، وتجعله ينفد بجلده من هذا البلد».. ليس معقولاً فى عام 2016، أن تكون مرجعيتنا القانونية للاستثمار قوانين ولوائح خديوية عتيقة.. وليس مقبولاً فى عصر الفيمتو ثانية أن يكون شعارنا العام «فوت علينا بكرة يا سيد»
■ إننى على ثقة من أن الرئيس وأعضاء المجلس الجديد يدركون جيداً أن كثيراً من السياسات العظيمة والأفكار الكبيرة يجهضها موظفون صغار.. وأن أصغر موظف فى الأرشيف الحكومى قادر أحياناً على «تعطيل وتوقيف» تأشيرة الوزير.. وقادر أيضاً على ركن الملف فى الدرج لأسابيع ولشهور دون مساءلة حقيقية.
> الإصلاح يا عزيزى نيوتن يجب أن يبدأ بشكل متوازى ومتوازن من فوق ومن تحت.. لا قيمة لأرض محروثة بدون سماء تمطر، ولا قيمة لمطر غزير على أرض غير ممهدة.. الإصلاح يجب أن يكون شاملاً، وأن يبدأ من «مستصغر الشرر» فى الدواوين الحكومية العتيقة.
■ تحية لقلمكم الشريف، ولأفكاركم النيرة.
د. سامى عبدالعزيز