ما أحوجنا فى عالمنا العربى اليوم لأن تتلبسنا روح العلم، للنظر بعين مختلفة لواقعنا، بشكل يدفعنا لتغيير واقع فشلت السياسة فى تطويره، ولم يتعد كلام المثقفين والإعلاميين عنه إلا أن يكون مجرد «طق حنك»، كما يقول اللبنانيون. فلا تنقصنا الإمكانيات البشرية، وعلماؤنا فى كل بقاع الدنيا يحيون فيها عوالم، ولدينا من المال ما يكفى لإحياء أمم كاملة. فهل نكف عن بناء أكبر برج فى العالم ونقيم أكبر مركز بحث علمى؟ وهل نكف عن التفاخر بشراء عجائب الكون ونشترى العلم لعقولنا؟ والأهم متى نشعر بأن ما يفوتنا من زمان لا يعود.
فى الثامن عشر من شهر فبراير عام 2008، أوصى وزراء الدول العربية المعنيون بشؤون الهجرة والعمل فى اجتماعهم الأول الذى كان قد عُقد بمقر الأمانة العامة للجامعة، بتنظيم مؤتمر دورى للمغتربين العرب للتعرف على قضاياهم ومشاكلهم وأسلوب الاستفادة منهم فى بلدانهم. ولأن القرارات ليست بالأمر السهل فى عالمنا العربي، فقد تقرر عقد المؤتمر هذا العام أى بعد نحو عامين من التوصية.
فالمكان.. جامعة الدول العربية. والزمان... من 4-6 ديسمبر الجارى. والحدث أول مؤتمر تنظمه الجامعه للمغتربين العرب. فتحت عنوان «جسر التواصل» يفتتح عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية مؤتمراً للتواصل مع الجاليات العربية فى بلدان العالم المختلفة وبخاصة المميزون منهم لمناقشة قضايا الجاليات العربية بالخارج وكيفية تعزيز تواصلهم مع العالم العربي، ودراسة الأسلوب الأمثل لتحقيق استفادة بلدانهم منهم، بعد ترك الكثيرين منهم لها منذ سنوات طويلة. المؤتمر تنظمه إدارة المغتربين فى الجامعة، ويشارك به نحو 450 مغترباً. وقالت سميحة محيى الدين رئيسة إدارة المغتربين بجامعة الدول العربية لـ«المصرى اليوم»، إن المؤتمر سيناقش ثلاثة محاور رئيسية، يركز الأول منها على دور منظمات المجتمع المدنى فى النهوض بالأوضاع العامه للجاليات العربية من الجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بينما يختص الثانى بدور المغتربين العرب وتعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان، ويبحث المحور الثالث للمؤتمر فى إيجاد إطار تنظيمى للمغتربين العرب. كما يتضمن المؤتمر عقد لقاء مفتوح للوزراء المعنيين بشؤون الهجرة مع المشاركين من الجاليات العربية المقيمة بالخارج برئاسة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وقد تقرر تخصيص جلسة العمل الأولى بالمؤتمر لتقديم خمسة عروض حول حالة الجاليات العربية فى أوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا وأستراليا أعدها مجموعة من الخبراء العرب.
يتحدث فى الجلسة الافتتاحية عدد من رموز الجاليات العربية فى مقدمتهم جراح القلب العالمى المقيم فى إنجلترا مجدى يعقوب، والدكتور نبيل الحجار نائب رئيس جامعة «ليل»، المكلف بشؤون الثقافة والاتصالات بباريس، كما تشارك شابة عربية تدعى «ريمى الفندى» المقيمة فى روسيا، بإلقاء كلمه كممثلة لشباب الجاليات العربية وذلك بمناسبة السنة الدولية للشباب. ومن أبرز الحضور المهندس المصرى هانى عازر المقيم فى ألمانيا، والعالم الفلسطينى الأصل، الأمريكى الجنسية دكتور منير حسن نايفة، والبروفيسور التونسى الأصل فتحى المنصوري، والسيدة فرح أتاسى التى تعد من أبرز الوجوه العربية فى الولايات المتحدة الأمريكية فى مجال التقارب بين الحضارات. وقد أعلنت إدارة المغتربين بالجامعة عن مشاركة عدد من الوزراء والمسؤولين فى الدول العربية المعنيين بشؤون الهجرة والمغتربين والجاليات العربية المقيمة بالخارج فى المؤتمر. بالإضافة لعدد من ممثلى المجتمع المدنى المؤسسة من قبل الجاليات العربية المغتربة، وعدد من الشباب العربى المغترب، والذى يمثل الجيل الثانى والثالث من أبناء المغتربين، بالإضافة إلى سفراء الدول الأجنبية وممثلى المنظمات الدولية والإقليمية بالقاهرة.
أبرز العلماء الحاضرين
■ بروفيسور مصرى بريطانى وجراح قلب بارز ولد فى 16 نوفمبر 1935 ببلبيس بمصر.
■ تخرج فى كلية الطب جامعة القاهرة، وتعلم فى شيكاغو ثم انتقل إلى بريطانيا فى عام 1962 ليعمل بمستشفى الصدر بلندن.
■ قام بتطوير تقنيات جراحات نقل القلب منذ عام 1967.
■ فى عام 1980 قام بعملية نقل قلب لمريض بريطانى يدعى دريك موريس، أصبح فيما بعد أطول مريض نقل قلب أوروبى على قيد الحياة حتى موته فى يوليو 2005.
■ منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب فارس فى عام 1992 ويطلق عليه فى الإعلام البريطانى لقب ملك القلوب.
■ أجرى فى عام 2006 عملية معقدة تتطلب إزالة قلب مزروع فى مريضة بعد شفاء قلبها الطبيعى.
■ فى العام 2008 افتتح فى مستشفى أسوان مركز جراحات القلب ويجرى الجراحات فيه بالمجان.
إبراهـيم سمـك
■ مصرى ألمانى ولد فى الأقصر وتخرج فى جامعة أسيوط عام 1962.
■ هاجر لألمانيا عام 1976، وأنشأ شركة هندسية صغيرة فى مدينة شتوتجارت.
■ تخصص فى مجال الطاقة الشمسية، واخترع مصباحاً كهربائياً يمكنه العمل لمدة خمسة أيام دون إعادة شحن، وهى أقصى مدة لا تشرق فيها الشمس بألمانيا.
■ تنطفئ المصابيح أوتوماتيكياً فى حال عدم وجود حركة فى مجال 300 متر.
■ رأس المجلس الأوروبى للطاقة المتجددة لفترتين على التوالى، ويشرف الآن على مشروع تصدير الطاقة الشمسية من شمال أفريقيا إلى أوروبا.
المهندس هاني عازر
■ مصرى ألمانى ولد فى مدينة طنطا عام 1949.
■ هاجر لألمانيا فى العام 1973 والتحق بالدراسة فى جامعة بوخوم
■ تخرج عام 1977 وتخصص فى تنفيذ الأنفاق.
■ ذاع صيته فى ألمانيا مع نبوغه فى تصميم وتنفيذ الأنفاق، وأسندت له مهمة تنفيذ محطة قطارات برلين فى العام 1999.
■ كرمته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فى عام 2006 بعد افتتاح محطة قطارات برلين التى صارت أهم محطة قطارات فى العالم.
■ يقوم حاليا بتنفيذ مشروع تطوير محطة قطارات شتوتجارت فى ألمانيا بتكلفة 10 مليارات يورو.
مـنير حـسن نايفة
■ عالم ذرة فلسطينى ولد فى ديسيمبر 1945 بقرية شويكة بجوار طولكرم.
■ بكالوريوس العلوم من الجامعة الأمريكية فى بيروت عام 1968، ثم ماجستير الفيزياء عام 1970.
■ دكتوراة فى الفيزياء الذرية وعلوم الليزر من جامعة ستانفورد الأمريكية.
■ حصل على جائزة البحث التصنيعى فى الولايات المتحدة. نشر نايفة ما يزيد على 130 مقالاً وبحثاً علمياً.
■ أبهر العالم حينما نجح فى تحريك الذرات منفردة ذرة ذرة فى العام 1977 فى معمله بجامعة كنتاكى الأمريكية.
■ الموسوعة البريطانية «بريتانيكا» تذكره بالقول: «إن تقنية نايفة فى تحريك الذرات منفردة زادت من كفاءة أداء الآلات ما بين 100 مليون و10 آلاف مليون مرة على الطرق التقليدية».
■ التحق فى نهاية عام 1979 بجامعة إلينوى، ويشغل حاليا منصب مدير مختبرات الليزر.
فتـحى منـصورى
■ عالم إنسانيات تونسى، ولد فى مدينة باجة فى تونس.
■ هاجر لأستراليا وحاضر فى قسم الدراسات الشرق أوسطية فى جامعة ديكن لمدة عشر سنوات.
■ ألف عدة كتب ونشر العديد من البحوث والدراسات الأكاديمية.
■ عُين عميدا فى كلية الآداب قسم البحوث فى جامعة ديكن.
■ يرأس معهد المواطنة والعولمة فى جامعة ديكن بأستراليا.
حينما أطل رائد الفضاء الروسى «يورى جاجارين» على العالم من سفينته الفضائية «فوستو» التى دار بها حول الكرة الأرضية فى رحلة استغرقت 108 دقائق صباح 12 أبريل عام 1961، ليعلن خروج الإنسان لأول مرة فى تاريخ البشرية إلى الفضاء، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية حالة من الطوارئ بعد أن أصابتها الدهشة من تفوق السوفيت عليها فى مجال الفضاء، وقررت مراجعة نظام التعليم لديها وأسلوب البحث العلمى فى جميع أرجاء الولايات الأمريكية، ولم يهدأ للأمريكان بال حتى نجحوا فى العام 1964 فى التقاط مجموعة من الصور عن قرب للقمر عبر سفينة الفضاء الأمريكية «رانجر 7». هكذا فكر الأمريكان وهكذا صاروا أمة ناجحة لأنهم أدركوا أن العلم هو سبيلهم للسيطرة على العالم. ولكن الوضع فى بلداننا العربية مختلف بعض الشىء. يكفى أن نلقى بنظرة على بعض التقارير الدولية والمحلية لندرك حجم مأساتنا فى مجال العلوم والبحث العلمى وهو ما يدفع بشباب الأمة للهجرة فيما عرف بمصطلح «نزيف العقول».
فى أحد تقارير الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، الصادر فى العام 2010، حذر القائمون على التقرير من ضعف الإنفاق العلمى فى العالم العربي، وهذا الضعف لا يعود سببه لقلة الإمكانيات- لا سمح الله- بل لعدم تقدير قيمة تلك المسألة، والدليل أن نفس الدول العربية تحتل المراكز الأولى فى مجال الإنفاق على الأسلحة على سبيل المثال، والذى قدرته بعض التقارير بنحو 600 مليار دولار وفقاً لاحصائيات 2009، بينما لا يتجاوز حجم الإنفاق على البحث العلمى 60 مليون دولار فى كل الوطن العربى. وهو ما دفع بالعالم العربى منير حسن نايفة للقول: «إن تكلفة ما صرفته الجامعات العربية على البحث العلمى طيلة 50 سنة هو 2.5 مليار دولار، بينما صرفت جامعة آلينوى على البحث العلمى خلال عام واحد 1.5 مليار دولار. ولكن يبدو أن الاختلاف يأتى فى النظرة ذاتها تجاه موضوع البحث العلمى، فما زال العرب يتعاملون مع البحث العلمى على أنه نوع من الترف والرفاهية، بينما ينظر العالم المتقدم علميا إليه على أنه المستقبل».
بالعودة لتقرير المنظمة المسئولة عن العلوم فى العالم نجده يشير إلى أن «المال السهل» الناتج من عائدات النفط ببعض الدول العربية، ساهم فى تنمية البنية الأساسية بالمنطقة، فى الوقت الذى لا تزال فيه التنمية القائمة على العلوم والتكنولوجيا مهمشة حتى لحظة قراءتك لهذا الملف. وذكر التقرير أن متوسط الإنفاق العلمى بالدول العربية يتراوح بين 0.1% - 0.4%، بينما استقر المتوسط العالمى عند 1.7% فى الفترة من 2002- 2007. وتراوح فى إسرائيل بين 4.6%-4.8 % فى 2006. يكفى أن تقارن بين حصة المواطن العربى من موازنة الإنفاق على البحث العلمى، والتى يقدرها التقرير بنحو عشرة دولارات فى السنة، وحصة نظيره فى ماليزيا والتى تبلغ 33 دولارا، وتبلغ قمتها فى فنلندا وتصل أكثر من ألف دولار سنويا.
وعرج التقرير الدولى لظاهرة هجرة العقول العربية للخارج والاستيطان فى بلدان تقدر ما لديهم من نهم علمى، بل تمنحهم الفرصة للنبوغ والإبداع والتفوق بغض النظر عن دياناتهم أو هويات البلدان الآتين منها، والأمثلة على ذلك عديدة. وهو ما اعتبره التقرير إهدارا للموارد العربية، ليس فقط فى ضياع ما يتم إنفاقه على تعليم المواطنين العرب ثم استفادة دول أخرى به، ولكن بانعدام مساهمة هؤلاء المواطنين فى الناتج المحلى الإجمالى لبلدانهم.
قد تكون تلك المعلومات صادمة للبعض، إلا أنها حقيقة للأسف تؤكدها تقارير أخرى لمنظمة العمل العربى، وآخرها تقرير التنمية الإنسانية العربية، الذى ذكر أن 5.4 % فقط من الطلبة العرب الذين يدرسون فى الخارج يعودون إلى بلدانهم بعد الانتهاء من دراستهم، وأن هناك أكثر من مليون من حملة الشهادات العليا والخبراء يعملون فى الدول المتقدمة، وأن هجرة العقول العربية تمثل نصيب الأسد بين كل الدول النامية بنسبة 31 %. وضرب تقرير المنظمة العربية مثلاً بعدد الأطباء الأكفاء العاملين فى بريطانيا من المهاجرين، ذاكراً أن 34 % منهم ينتمون للجالية العربية.
الأمثلة العربية الناجحة والبارزة فى الخارج لا حصر لها، ولا تقتصر على الأسماء اللامعة التى اعتدنا الطنطنة بها كلما شعرنا بحاجتنا لمثل نفخر به، أو دليل يؤكد استمرار بقائنا على قيد الحياة، من أمثال عالم الفيزياء الدكتور أحمد زويل، وعالم الفضاء الدكتور فاروق الباز. فالقائمة العربية تضم كثيرين غير هؤلاء لعل من بينهم اسماً لا يعرفه الكثيرون من أمثال عالم الفيزياء الفلسطينى منير حسن نايفة الذى يعد من أبرز علماء الفيزياء والذرة فى العالم والذى نجح فى الإجابة على تساؤل كان قد طرحه عالم الفيزياء الشهير ريتشارد فاينمان فى عام 1959، حول ما سيحدث لو استطاع الإنسان التحكم فى حركة ومسار الذرة، وإعادة ترتيب مواضعها داخل المركبات الكيميائية؟ فبعد نحو 20 عاما نجح الدكتور نايفة فى تحريك الذرات منفردة ذرة ذرة. كذلك المهندس المصرى المقيم فى ألمانيا منذ سبعينيات القرن الماضى، هانى عازر الذى يعد من أشهر مهندسى الأنفاق فى أوروبا والعالم. والمهندس المصرى إبراهيم سمك المقيم فى ألمانيا أيضا وبرع فى الطاقة الشمسية واخترع لمبة تضعها ألمانيا فى كل طرقاتها، تعتمد على تخزين الطاقة الشمسية فى النهار واستخدامها للإضاءة فى الليل.
فى تقرير آخر لجهاز الإحصاء المركزى فى مصر أكد أن هناك 600 عالم مصرى من العلماء النادرين موجودون فى الغرب، وأن عدد العقول المهاجرة من مصر وحدها وصل إلى 854 ألف عالم وخبير منذ فترة الخمسينيات والستينيات حتى الآن. ويصل العدد لنحو 4 ملايين من كل البلدان العربية.
لا تقتصر أسباب هجرة تلك العقول العربية للغرب على نقص التمويل المخصص للبحث العلمى فى بلادنا، ولكنها وكما يقول عدد كبير منهم مجموعة من الأسباب المركبة التى تتلخص فى عبارة واحدة غياب البيئة الصالحة والمناخ الجيد للبحث العلمى، فحتى لو قام أحدهم بأبحاثه ومهام عمله بما لديه من إمكانيات، فلا أحد يقدر مجهوده ولا جهة تسارع لتنفيذ وبحث ما توصل له. وتلك مأساة أخرى تستمع لحكايات كثيرة فيها بتفاصيل متعددة من أصحاب التجارب الناجحة.