قد تكون مهمة الأمين العام الجديد أحمد أبوالغيط صعبة، لكنها ليست مستحيلة.. ولذلك أشفق عليه فعلاً، فقد تولى مهمته رسمياً أمس، فى ظل تفكك عربى خطير، إلى حد ضياع بعض البلدان.. وكثيراً ما كنا نتحاور فى الشأن الإقليمى.. ولا أذيع سراً أنه كان مرجعيتى فى معظم الأحوال.. سألته عن رؤيته وهل استعد أم لا؟.. وكنت أحس أنه مقاتل بدرجة دبلوماسى، أو دبلوماسى بدرجة مقاتل عنيد!.
ربما لا يعرف كثيرون أن السيدة حرمه كانت لا تريده أن يتولى عملاً رسمياً بعد الوزارة.. قلت لها ولكنه نداء الوطن يا سيدتى.. قالت بمشاعر امرأة: ولكنى أريده أكثر من الوطن.. والآن تغلبت مصالح الوطن على مصالح الأسرة.. عاد أبوالغيط للعمل الرسمى، ولكن فى جامعة الدول العربية كأمين عام.. وبالتأكيد الأمر مختلف عن ظروف عصمت عبدالمجيد وعمرو موسى، ونبيل العربى أيضاً!.
مهمة البناء صعبة.. تتطلب رؤية وهمّة.. وأتصور أنه يمتلك الرؤية، ويمتلك الهمة أيضاً.. فقد تربى «أبوالغيط» تربية عسكرية صارمة، لا يعرف المواقف «المايعة».. وهو يقول رأيه بقوة مهما كلفه ذلك.. وأظن أن موقفه من قطر واضح للعيان، وقد كان كفيلاً بأن يمنعه من الوصول إلى كرسى الأمين العام، لولا موقف مصر ووزير خارجيتها سامح شكرى حين هدد بإقرار «مبدأ التصويت» لأول مرة!.
كنت قد هنّأت الأمين العام الجديد بمنصبه قبل شهر من إعلان اسمه رسمياً.. واستقبل ذلك بدبلوماسية شديدة وتحفظ أشد.. شرحت له سيناريوهات عديدة، منها «سيناريو التصويت».. ويومها قلت له استعد بخطتك لإنقاذ الجامعة، وقال إنه مستعد حال تكليفه طبعاً، وبالأمس قال لشيخنا الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد إنه يمتلك الرؤية للنهوض بالجامعة، وفاز «الأستاذ» بأول حوار مع الأمين الجديد!.
ولا أخفى أننى شعرت بغيرة أن يكون الحوار فى «الأهرام» وليس فى «المصرى اليوم».. وحين فاتحت الأمين العام قبل أيام، قال إن الأستاذ مكرم كان قد سبق إلى هذا، ليُنشر الحوار يوم الأحد، ويتزامن مع أول يوم لتسلُّمه العمل رسمياً.. الأستاذ مكرم لا ينسى أنه «جورنالجى»، ولا ينسى أنه صحفى.. فى كل مكان سوف تجده يُخرج نوتة ويدون ملاحظاته، ويشاركه فى ذلك الكاتب الكبير صلاح منتصر!.
مشكلة الجامعة العربية مزدوجة.. أولاً الجهاز الإدارى والسياسى يحتاج إلى هزة قوية تعيد له الحماس والهمة، كما يقول أبوالغيط، فضلاً عن أن مشكلة الجامعة ليست فى النظام العربى، ولكن فى غياب ثقة الشعوب نفسها فى جدواها.. وهى نقطة خطيرة جداً.. السؤال: كيف يعالج الأمين العام هذه الإشكالية؟.. هل يحلها بحملة علاقات عامة، أم بجراحة عاجلة تعيد الإحساس بقيمة هذه المنظمة الكبرى؟!.
فمن أين يبدأ «أبوالغيط» بالضبط؟.. هل يبدأ من تغيير ميثاق الجامعة، أم يبدأ من ميادين العمل العربى، وهى ملتهبة للغاية؟.. أنت أمام مناطق ألغام فى العراق وسوريا وليبيا.. فكيف يتأثر العمل العربى بما جرى فى بريطانيا وانعكاساته على الاتحاد الأوروبى؟.. إلى أى مدى نتأثر فعلاً؟.. أم أننا فى ملكوت آخر؟!.