أغرب سبب لموتى

أيمن الجندي الأحد 03-07-2016 20:48

عندما ذهبت إلى الشاطئ فى هذا الوقت المتأخر من الليل لم يكن يخطر ببالى أن يحدث ما يحدث.

■ ■ ■ ■

مثل أى إنسان آخر أعرف أننى سأموت يوما. حجب الله عنا موعد الموت ومكانه. والطريقة التى سأموت بها.

من الوارد جدا لأى مصرى أن يموت فى حادث سيارة. بصراحة أعتقد أن كل من يصل إلى بيته سالما عليه أن يتعامل مع الأمر باعتباره قد نجا من موت محقق. نظرا لرداءة الطرق وتزاحم السيارات وأسلوب القيادة. وأخطر من ذلك الطريقة التى يقود بها السائقون البائسون الميكروباصات المنطلقة ما بين المدن. هذه قيادة من لا يعبأ بحياته أصلا، بل ويدرك أنها رخيصة ولا تعنى أحدا.

■ ■ ■ ■

أقل احتمالا أن يحدث هذا فى الطيران، خصوصا أننى ما زلت مصرا على استخدام «مصر للطيران» فى جميع رحلاتى. وأقول دائما لنفسى إن الرب واحد والعمر واحد. ولن يطيله أن أستخدم شركة طيران أخرى. لاحظوا أن الطيارين ومراقبى الجو يقومون بإضراب -من آن لآخر- لأن زيادة المئة ألف جنيها كل شهر لا تعجبهم. فمن أين يحصلون على هذه المائة ألف إن امتنعت أنا وغيرى عن ركوبها؟ وأنا –أقسم بالله- لا ألومهم. فهذه هى العولمة وذلك هو اقتصاد السوق الذى يفرض نفسه. ولا أحد يعمل مجانا لوجه الوطن والإنسانية وإن كان الجميع يزعم ذلك. وكلنا نبحث عن أفضل أجر ضمن حزمة المزايا التى نختار فيها الوظائف التى نشغلها، بفرض أن هناك وظائف. كل ما أتمناه أن يكف هؤلاء التكفيريون ثقلاء الدم عن تفجير الطائرات. إذا كانت لديهم مشكلة مع النظام فنحن لسنا طرفا فيه، وإذا كانوا يعتبرون تفخيخها مزحة فهو بصراحة مزاح ثقيل.

توجد أيضا احتمالات كالمرض: جلطة فى القلب كما مات أبى، أو سرطان كما ماتت أمى. لكن بصراحة لم يخطر ببالى قط أن تتم تصفيتى بالسلاح الآلى للاشتباه فى تهريب المخدرات!

■ ■ ■ ■

كان الليل قد انتصف عندما فكرت أن أذهب لقراءة القرآن على الشاطئ المهجور. ما أجمل أن أتلو كلام الله والبحر يضرب الشاطئ الرملى ويتنهد.

اقتحمت الظلام كشبح. الشاطئ خالٍ تماما. والبحر غموض مطلق وأسرار مضنون بها لغير أهلها. ومع الريح المعطرة بشذا الأمواج تحلو التلاوة.

تجاوزت الساعة الثانية صباحا فأدركت أن موعد السحور قد أزف. فبدأت العودة متعثرا فى الرمال، مضيئا مصباح الهاتف الوامض كى أتبين طريقى. وفجأة سمعت صرخة هائلة. حدقت فى الظلام فلم أتبين إلا أشباحا تتحرك نحوى وتقترب

قبل أن أفهم وجدت سلاحين آليين مُشهرين فى وجهى. وأصوات تصرخ أن أطفئ النور. تفرست فى هيئتهما فوجدتهما يرتديان الزى العسكرى، فأدركت أنهما من حرس الشاطئ وشعرت ببعض الطمأنينة. وأخبرانى بصوت لاهث أن من يومض بالنور فى ظلام الشاطئ فى هذا الوقت المتأخر من الليل هو بالقطع يعطى إشارة لمهربى المخدرات فى البحر.

وبرغم رهبة الموقف، والسلاح الآلى المشهر فى وجهى (إنسان حساس مثلى لن يكون سعيدا بالآلى حين يكون موجها إليه) فإننى - حقا- لم أملك نفسى من الفخر بهذين الجنديين الأسمرين الرائعين، اللذين يذرعان الشاطئ فى هذا الظلام الدامس حرّاسا للوطن حينما نتناول نحن طعام السحور. ألا بارك الله فى أمثالهما.

■ ■ ■ ■

استغرقت بعض الوقت كى أفهم. واستغرقت وقتا أطول كى أهدئهما. واستغرقت وقتا أطول وأطول كى يتركانى أذهب، حيّا بحمد الله، قطعة واحدة.

aymanguindy@yahoo.com