لكل شعب أطباقه التى يعشقها.. ولا يتخلى عنها.. وهكذا نحن شعب مصر.. لنا أطباقنا التى نشتهر بها، ويقبل عليها الناس باستمرار.. هل ذلك بسبب رخص أسعارها.. أم بسبب لذتها.. أم لسهولة إعدادها.. أم لأنها معشوقة الكل: الغنى والفقير؟. ترى ما هى هذه الأطباق؟.
ربما يكون فى مقدمتها: طاجن البامية باللحمة الضانى.. فإذا لم يتيسر اللحم.. فلا أقل من «حتة ليّة» معتبرة لتحفظ لنا الطعم اللذيذ.. ويا سلام على بقايا طاجن البامية، أو «دقية البامية» البايتة، أى فى صباح اليوم التالى.. ودون تسخين.. سكر يا ناس.. وإذا كان أهل الصعيد الجوانى يعشقون البامية الويكا، ولذلك يحتفظ كل بيت صعيدى بـ«المفراك» اللازم لصنعها، فإن أهل الدلتا يعشقون البامية البلدى أكثر من البامية الرومى. ولابد من إضافة عصير الليمون قرب نهاية «طبخ البامية»، فإذا لم يتيسر الليمون، لارتفاع سعره، كما فى هذه الأيام، أو لفارق العروة.. فيفضل هنا استخدام «عنقود» حصرم، وهو العنب قبل أن يكتمل نضجه!!، ولابد أيضاً من «كام» قرن فلفل شطة لتحسين الطعم.. وأنا أعشق البامية الصغيرة «الزيرو» وأشتريها لزوجتى فى بداية الموسم لتقوم بإعدادها وتجميدها، لاستخدامها طوال موسم غياب البامية.. مهما كان سعرها.
الطبق الثانى: دقية الملوخية بالأرانب.. ويمكن بالفراخ، ونحن لا نستخدم اسم «الدجاج»، ولابد من توافر أمرين فى وجبة الملوخية هذه: الأول «قرون الشطة الحراقة» حتى ولو لم تأكلها.. ولكنها تحسن من طعمها.. والثانى هو «الطشة» المشهورة: بالكسبرة الجافة والثوم.. مع السمن كامل الدسم.. وإياك لو تسقط منك الملوخية.. تبقى فضيحة!!، وإذا كانت عملية تقطيف الملوخية فى البيوت كادت تنتهى، لأننا فى عصر ستات يوصف بعضهن بـ«الست الكاتعة»، فإن معظم السيدات يفضلن استخدام أكياس الملوخية المجمدة.. ونسينا المخرطة وتابعتها الطبلية، وجرينا وراء الجاهزة، أى المجمدة.. والبعض يجفف الملوخية- بعد تقطيفها.. أو يشتريها من عند العلافين- لاستخدامها بعد انتهاء موسم الملوخية الخضراء، ويمكن استخدامها على البارد بعد إضافة البصل المفروم وطماطم مقطعة.. وبعض الثوم المفروم.. مع عصير ليمون وكمون.. وشوية ملح وزيت.. وهذه لا تؤكل إلا بالخبز المفقع.. ويمكن استخدامها على الساخن، كما تفعل سيداتنا مع الملوخية المجمدة.. ويا سلام على الملوخية بالعيش البلدى.. وودن القطة.. وإياكن ونسيان «الشهقة» الشهيرة.. وكل ست وشهقتها!!.
وصينية، أو طاجن، المسقعة باللحم المفروم، وأفضلها دون نزع قشرة الباذنجان، الغنية بالحديد وغيرها من المعادن.. وعيبها الوحيد هو ارتفاع نسبة الزيت المستخدم فى «قلى» الباذنجان.. ونتائجه من «حمو» فى المعدة. أما صينية البطاطس فى الفرن البلدى مع اللحم.. دون إضافة الكوسة والجزر وغيرهما، حتى لا يذهب طعم البطاطس المحمر، على وش الصينية، يعنى فقط بطاطس مع بصل الأورمة وشرائح البصل.
أما طاجن العكاوى بالبصل الأورمة، وأيضا دون بطاطس وأى خضار آخر.. فهو «عمدة» المائدة المصرية، رغم ارتفاع سعر «ديل البقرة»، وهو أفضل من ديل الجاموسة وأكثر دسامة دهنية.. ولابد من طبخها فى الطاجن الفخارى الشهير، المصنوع من طين أسوان.. وإن كان البعض- أحياناًـ يفضل استخدام مجموعة من أنواع الخضر: باذنجان.. كوسة.. بطاطس.. فلفل رومى.. ولا يفضل هنا إضافة الشطة الحراقة.. ويعتقد كل المصريين فى هذا الطاجن.. بسبب ما يشاع حوله كمنشط ومقوٍ عام.
والفتة بالخل والثوم واللحم الضانى.. هى الطبق السادس الشهير.. بل يراه المصرى أساسياً أول أيام عيد الأضحى، لمن يذبح ويضحى.. ولا تجوز هذه الفتة دون إضافة صلصة الطماطم مع اللوبيا الجافة باستخدام الشوربة شديدة الدسم.. ولا تصلح الفتة إلا بالخبز البلدى المحمص، وليس بالخبز الشامى، أو اللبنانى.. وهنا نتساءل عن سر الثوم الذى يدخل فى معظم هذه الأطباق.. فهل اكتشف المصرى- ومنذ الفراعنة- فوائد الثوم لمقاومة مشاكل انسداد الشرايين بفعل هذه الأطباق الدسمة؟!!، وما هى علاقة الثوم بمرضى القلب والشرايين.. ومن قديم الزمان؟!!.
■ ■ وكيف ننسى طبق البصارة، الذى يدّعى اليهود أنهم من اخترعه كذباً، وهو يؤكد أننا شعب يعشق الفوليات.. وفوائد البصارة تنطلق مما يضاف إلى الفول المدشوش من خضرة: شبت وكسبرة وبصل أخضر وبصل عادى وبقدونس وكرفس.. مع التوابل.. ومن الفوليات صنعنا أفضل طبق عجة بيض، من الفول.. أو من عجينة الطعمية.. أو حتى من البطاطس المهروسة.
ثم البط والقلقاس.. وإذا كان أشقاؤنا المسيحيون ينسبون هذه الوجبة لأنفسهم، إلا أن المصريين يعشقون هذه الوجبة.. أول أيام رمضان.. والطبق التاسع: الرقاق.. ويسميه أهل السواحل «الأممة»، ولا يجوز الرقاق إلا بالشوربة الدسمة: بط أو أوز.. مع اللحم المفروم.
■ ■ أما الطبق العاشر فهو السبانخ بالفول الأخضر والحمص البلدى وكُرات اللحم المفروم.. والسلق، وهو ضرورى للسبانخ تماماً مثل الكسبرة للملوخية.. وإن كان إخوتنا أبناء سوريا ولبنان يفضلون طبخ السبانخ دون تقطيعه.
تلك هى أشهر عشرة أطباق يعشقها كل المصريين، وهى عماد المطبخ المصرى منذ مئات السنين!!.