عندما التهم المصريون لحوماً بشرية!

نصار عبد الله السبت 02-07-2016 21:53

ما الذى يمكن أن يحدث للمصريين عندما تشح مياه النيل؟.. لن أتكلم هنا عن سيناريوهات متخيلة لما يمكن أن يحدث فى مثل هذه الحالة، ولكنى سأسرد على القارئ بعض ما سجله المؤرخون من الوقائع عندما انقطع فيضان النيل لسبع سنوات متتالية فى النصف الثانى من القرن الخامس الهجرى (تحديدا فى الفترة ما بين 457ـ 464هـ، أى فى عصر الخليفة الفاطمى المستنصر، الذى دام حكمه ستين عاما كاملة رغم كل جرى فى عصره من المصائب!).. إن هذه الوقائع التى ذكرها المقريزى وابن إياس وابن تغرى بردى وابن خلكان وغيرهم، تؤكد أن الشعب المصرى ليس وديعا وطيبا وشهما على طول الخط وإلى نهاية المدى، لكن أخلاقياته كثيرا ما تتغير بتغير أحواله، فعندما يشتد عليه الجوع يبدأ شيئا فشيئا فى التغول إلى أن يتحول فى النهاية إلى وحش كاسر لا يقيم وزنا لأى اعتبار ولا يفكر فى أى شىء إلا فى ملء أمعائه الخاوية!..

فى العام الأول من أعوام الجفاف تلفت أغلب الزروع والمحاصيل ولم يبق منها إلا القليل، وخاف الناس على مواشيهم وأغنامهم وبهائمهم من الهلاك جوعا فنحروها، فاختفت المواشى والأغنام بطبيعة الحال، وبدأ الناس يأكلون القطط والكلاب حتى اختفى أغلبها من الشوارع!، لكن المهرة فى صيدها راحوا يصطادون ما يستطيعون صيده مما تبقى ويذبحونه ويبيعونه جهارا نهارا، وتكالب الناس على شرائه فارتفعت أسعاره حتى بلغ ثمن الرطل من لحم الكلب مائة دينار، بعد أن كان ثمن الرطل من لحم الخروف فيما مضى ثلاثة دراهم!، وفى العام الثانى من أعوام الجفاف ازداد الوضع سوءا واضطر الخليفة المستنصر نفسه لبيع سائر جواهره وتحفه وعدد من قصوره فى مقابل كمية من الدقيق يقتات منها بما يكفيه، ثم اضطر بعد ذلك إلى بيع الرخام الذى كان يكسو مدافن أسرته وقبور أسلافه: الظاهر والحاكم والعزيز والمعز!!.

(بعدها أصبح يعيش على الصدقة، والغريب أنه كان يجد من يتصدق عليه..

ربما من باب الشماتة فيه!)، ثم ازداد التدهور إلى أن أصبح الرغيف الواحد يقام له المزاد فيزايد المزايدون عليه، فيباع بمائة دينار أو يزيد، ثم قفز السعر بعد ذلك إلى رقم خيالى، إذ بيعت حارة فيها عشرون دارا كل دار منها يساوى ألف دينار، بيعت بأكملها بطبق من الخبز فيه عشرون رغيفا فسميت منذئذ بحارة الطبق!! أفدح من ذلك أن الناس فى بعض العائلات كانوا ينقضون على من يمرض منهم، ويعجزه الوهن والضعف عن الدفاع عن نفسه، فيذبحونه ويأكلونه، وبدأ الأقوياء عموما يستقوون على الضعفاء فيذبحونهم فى الشوارع ويسحبون جثثهم إلى بيوتهم!، وقد تسرق المرأة طفل جارتها وتأكله فلا ينكر أحد عليها ذلك فيما ذكره ابن إياس، الذى روى لنا أيضا أن طائفة من الناس كانوا يجلسون على سطوح منازلهم متربصين وفى أيديهم حبال تنتهى بخطاطيف وكلاليب فإذا عبر عابر فى الطريق ألقوها عليه فتمسك به فينشلونه كما ينشل الصياد السمكة التى أمسكت بها الصنارة!!، غير أنه ربما كان من أفظع الفظاعات التى أنتجتها المجاعة أن جدة لرضيع قامت بذبح حفيدها الموشك على الموت جوعا، ثم قامت بطهيه وهى تقول: إن لم آكله أنا أكله غيرى، فأنا أولى به!.

ومن غرائب ما رواه المؤرخون كذلك أن الوزير كان متوجها إلى قصر الخليفة على ظهر بغلة فهاجمه الجوعى وسحبوها من تحته، وذبحوها، فغضب المستنصر وأمر بشنقهم وصلبهم على سور القصر، لكى يكونوا عبرة لمن يعتبر، وفى الصباح كانت جثث المشانيق قد اختفت!!

nassarabdalla@gmail.com