«الأسطورة» ظاهرة تفسد الذوق والثقافة

كتب: ريهام جودة الأحد 03-07-2016 03:25

إنه زمن «الأسطورة»، ليس كعمل فنى حقق نسبة مشاهدة مرتفعة طوال شهر رمضان، بل كظاهرة في وصف كثير من الخبراء والنقاد، ينشر خلالها بطله محمد رمضان ثقافة شعبية تروج للبلطجة وأخذ الحق والثأر بالذراع، بدلا من الاعتماد على «حبال» القانون التالفة، فعدم قبول طالب الحقوق الأول على دفعته للعمل بالنيابة العامة، ومتاجرة شقيقه بالسلاح، يدفعانه للثأر من الجميع، ممن قتل شقيقه ومن الدولة والقانون والمجتمع بأسره، فيما حذر نقاد ومحللون من تداعيات ذلك وتأثيره على قطاع عريض من الشباب والفئات المهمشة ممن يعانون تحت وطأة البطالة والظروف المعيشية السيئة.

محمد رمضان

نجح «الأسطورة» في أن يجذب الجمهور منذ حلقاته الأولى، كما نجح في أن يثير الكثير من المخاوف من انتشار أفكاره ومبادئه و«أخذ الحق بالذراع»، إضافة إلى نشره ثقافة شعبية متدنية – بحسب وصفهم – بدايتها كانت شكلية عبر «تى شيرتات» و«شعر وذقن» ظهر بهما رمضان في شخصية تاجر السلاح «ناصر الرفاعى»، إلا أنها ستمتد نحو مزيد من إفساد الذوق خاصة مع اقتراب عيد الفطر، واستعداد المحلات التجارية لعرض بضاعة «الأسطورة» لجذب الشباب في المناطق الشعبية، مستغلين حالة النجاح التي حققها العمل والجماهيرية التي يتمتع بها بطله الذي دائما ما يتسلح بشعار «ثقة في الله نجاح»، ليلعب على وتر الإيمان والثقة بالله في جذب جمهوره لمتابعة أعماله الفنية، منذ نجاحاته بين أوساط المراهقين والشباب في المناطق الشعبية بسلسلة من الأدوار للشاب المهمش والبلطجى في أفلام كان أبرزها «عبده موتة»، الذي كان سببا في انتشار ثقافة البلطجة والعشوائيات والجريمة وفساد الذوق بين الشباب بحسب كثير من النقاد.

إحدى تسريحات شعر « عمرو دياب» التى قلدها الشباب

على مدى سنوات طويلة كانت الشخصيات الفنية أو مشاهير الغناء والتمثيل يمثلون أيقونة لأجيال المراهقين والشباب بملابسهم وتسريحات شعرهم وحتى أحذيتهم، وكان أبرزهم عمرو دياب، كما كان الراحل أحمد زكى صاحب أشهر تسريحة شعر في فيلمه «كابوريا» عام 1990 حيث قلده غالبية الشباب وقتها، وكانت «موضة» وانتهت، رغم انتقادات البعض وقتها، إلا أن تسريحة الشعر «كابوريا» كانت جزءا من الثقافة والمظهر، خاصة مع تقديمها ضمن أغنية انتشرت كالنار في الهشيم وحققت نجاحا مدويا.

أحمد زكى فى «كابوريا»

وفى حين قدم الراحل أحمد زكى شخصية شاب مهمش يتحدى الأثرياء، فإن محمد رمضان- الذي يراه الكثيرون يعيش في جلباب «زكى» منذ ظهوره – شكل نهجا جديدا للبطل الشعبى المهمش الذي يروج للبلطجة والانتقام في مجتمع يعانى الكثير من المشاكل والصراعات والانفلات القيمى والأخلاقى، وهو ما دفع كثيرين لاعتبار ما حققه من نجاح في مسلسله «الأسطورة» كارثيا لما له من تأثيرات سلبية على الشباب، وهو ما تزامن مع خروج دعوات لمقاطعته والامتناع عن متابعته، على مواقع التواصل الاجتماعى، ورفض اعتبار «ناصر الدسوقى» قدوة للشباب، خاصة مع حمل أحد طلبة الثانوية العامة المتظاهرين مؤخرا أمام مجلس النواب اعتراضا على تسريب امتحانات الثانوية العامة لافتة تحمل جملة «اتقوا شر المثقفين إذا انحرفوا #ناصر الدسوقى»، لينتشر عدد من الكوميكس الرافضة للمسلسل وما يروجه من ثقافة وفكر هدامين بحسب وصفهم.

ليلى عبدالمجيد: لابد أن تتحمل القنوات الخاصة قدراً من المسؤولية

الدكتورة ليلى عبدالمجيد

اعتبرت الدكتورة ليلى عبدالمجيد العميد السابق لكلية الإعلام جامعة القاهرة أن استمرار تقديم الأعمال الفنية التي يتصدرها بلطجى جريمة في حق الوطن، وقالت: ما صدقنا المجتمع بعد ثورتين يقف ويحاول التماسك، وليس معقولا أن يكون نجم النجوم والبطل هو البلطجى ومن يأخد حقه بذراعه، والمشكلة أن الشباب لن يقلد الشكل الخارجى فقط من لحية وصلعة رأس، بل سيقلد المضمون، في منظومة مختلة لا يمكن أن يستمر المجتمع فيها بهذا الشكل، وتعرض به من أعمال فنية من هذه النوعية.

وتابعت: كنت أتمنى أن نشاهد دراما اجتماعية كالتى كنا نتابعها وكلما عرضت نتفرج عليها.

وأشارت «عبدالمجيد» إلى أن المشكلة هي أن الإنتاج الدرامى يمر بأزمة اقتصادية ضخمة وقالت: كنا نعتمد على أن جزءا من الإنتاج للقطاع العام وكان يراعى النصوص المنتجة ويستشير لجنة من النقاد والتربويين ليقرأوا ويبدوا رأيهم، وتابعت: الكارثة أن الدولة تركت دورها، وظهرت أعمال اقتحمت بيوتنا شئنا أم أبينا، والنمط التجارى الذي كان يعرض في السينما انتقل للتليفزيون، وما يقدم إما البلطجة والمخدرات والعنف أو الكآبة والأمراض النفسية. ولفتت «عبدالمجيد» إلى ضرورة عودة الدراما إلى أن تكون اجتماعية وتساعد على التغيير وأن يكون المجتمع أفضل، وتابعت: صحيح أن الفساد والبلطجة موجودان، لكن كيف يجرى تناولهما؟، ما يجرى تقديمه حاليا من نموذج البلطجى اللى بياخد حقه بدراعه، وتقديمه في المسلسل أنه غلبان ومظلوم وخلفياته الاجتماعية التي كانت سببا في بلطجته. وطالبت د.ليلى بضوابط من الدولة خاصة لدى القنوات الخاصة والتى لابد أن تتحمل قدرا من المسؤولية الاجتماعية ولا تلهث وراء النجم والربح وجذب الإعلانات على حساب ما يحمله العمل الفنى من قيم هدامة، ولابد أن تلزم الدولة القنوت الخاصة بقانون يتيح لجان مشاهدة وتقييم للأعمال. وحول متابعة الجمهور ومسؤوليته في تحديد ما ينجح وما يجرى بثه قالت: هل معقول أن شوية الشباب في مرحلة المراهقة الذين يخضعون لأى تقليعة ويقلدونها هم من يحددون ما يقدم من أعمال؟ هل هذا هو الجمهور؟ وهل يفقد المجتمع عقله وقيمه ويدخل هو أيضا مرحلة المراهقة؟، فحقهم علينا أن يتجاوزوا هذه المرحلة بدون خسائر للجميع، ودون اضمحلال للثقافة، فكلنا متضررون حين يكون البلطجى قدوتنا وبطلنا.

ماجدة موريس: يجذب محدودى الدخل ويغذّى فكرة الثأر

ماجدة موريس

قالت الناقدة ماجدة موريس إن محمد رمضان ممثل جيد سواء قدم «الأسطورة» أو «ابن حلال» الذي قدمه قبل عامين وكان دراما اجتماعية بعيدة عن البلطجة التي يقدمها في مسلسله الحالى، وبات البطل الشعبى لشباب في سنه بعد ثورتين وجد نفسه في مساحة أكبر للحركة والتعبير عن أمور كثيرة لم تكن متاحة في عهد مبارك، فأصبح النموذج للشباب محدودى الدخل وليس من الطبقات العليا الذين لديهم نماذج أخرى لنجوم يمثلونهم، وأصبح «رمضان» المعبر عن تلك الفئات المهمشة والأسر المكافحة ممن يبحثون عن لقمة العيش وتحسين الأحوال المعيشية وبكل إحباطاتها، وبطلا للشباب بملامحه ولون بشرته السمراء، ونكش ما بداخلهم، وليتحول «الأسطورة» إلى ظاهرة، أكثر منه مسلسلا، بغض النظر عن أنه تمثيل وواقع افتراضى.

ولفتت «ماجدة» إلى أن المسلسل غير أمين في تقديم سبب عدم قبول البطل للعمل في النيابة العامة، رغم أنه الأول على دفعته، فقدمه ضحية الفساد وأن ذلك هو سبب إقصائه دون إبراز أن شقيقه تاجر السلاح أهم أسباب رفض تعيينه، ما يغذى فكرة الظلم الاجتماعى والانتقام والثأر دون سرد هذه الجزئية المهمة، كما يرسخ قيم القبيلة والتقاليد المتخلفة، حينما تطلب الأم من الأخ الصغير أن يتزوج من أرملة أخيه الأكبر، كى لا تتزوج من خارج العائلة، فهذا يعيدنا 100 عام للوراء.

وتابعت: نحن في حالة صراع مجتمعى حاد حاليا، لأن الفئات التي كانت تستحوذ على المال والمجد لن تتركها بسهولة، والمسلسل يمثل استغلالا لواقع صعب ويفجر المشاكل وأخذ الحق بالذراع وتسخين الشباب على الأوضاع، ما سيكون له مردود سيئ مباشر وغير مباشر.

وعن انتشار تى شيرتات تحمل صورة «رمضان»، وتقليد الشباب لحلاقة شعره وذقنه، قالت «ماجدة»: أشطر ناس في مصر هم تجار البيزنس، الذين يستغلون نجاح عمل فنى ويروجون منتجات باسمه، لكن المشكلة الحقيقية في تحول ذلك لثقافة تشجع على تدنى الذوق، خاصة أن عددا كبيرا من النجوم الشباب لا يتمتعون بالثقافة، ويتسببون في نشر أذواق رديئة، بعدما تحققت نجوميتهم ويشترطون أجورا معينة وكتابة أسمائهم بطريقة محددة على التتر.

استشارى نفسى: «رمضان» أصبح نجم المهمّشين لأنه يشبههم

إبراهيم مجدى

قال الدكتور ابراهيم مجدى حسين الاستشارى النفسى بجامعة عين شمس إن محمد رمضان يجسد نموذج البطل العشوائى السيكوباتى الناجح ضد المجتمع، والسؤال هنا: هل ما يقدمه محمد رمضان انعكاس للواقع، أم محاولة لجعل المحبطين والمهمشين يشعرون بأهميتهم، وينفسون عن غضبهم في مشاهدة «رمضان» وهو ضد الدولة ويحصل على الأموال ويأخذ حقه بذراعه.

وتابع: محمد رمضان أصبح نجم العشوائيات والمهمشين الأول لأنه شبههم في الشكل وطريقة الكلام، بجانب ملامحه التي تحمل الشجن، وفى علم النفس الاجتماعى هناك عدة عوامل لكى تنجذب لشخص منها أن يكون قريب الشبه منك وأن يكون مشهورا وأن يكون ناجحا، ومحمد رمضان حقق هذه المعادلة، أما عن التقليد والهوس بالمشاهير فهذا موجود في المراهقين في أغلب دول العالم فنجد الشباب يرتدون التي شيرت المطبوع عليه صورة نجمهم، يتكلمون بنفس طريقة كلامه، يضعون بوستراته، ويقلدون قصة شعره، كان هذا يحدث ولا يزال مع عمرو دياب، لكن مع محمد رمضان الشباب أصبح يقلد شخصية رفاعى الدسوقى وناصر الدسوقى وليس محمد رمضان نفسه، يحسب هذا لمحمد رمضان وليس ضده لأنه جعل الناس تصدق تجسيده لشخصيات دراما وتتفاعل على أنها شخصية حقيقية، لكن يحسب ضده استمراره في تقديم صورة البلطجية.

ولفت «حسين» إلى أن الدراما لها تاثير في إدارة الوعى وتغيير الرأى العام، لذلك يجب أن يجرى المركز القومى للبحوث دراسات حول مدى انتشار الجريمة وحوادث البلطجة والاتجار بالمخدرات في هذه الفترة وعن مدى ارتباطها بالمسلسل.