أخطأ الإعلام المصرى بمختلف فصائله وأنواعه حين استخدم فى وصف الاحتفالات التى جرت فى الأسبوع الماضى، مصطلح الاحتفال بـ«الذكرى الثالثة لثورة 30 يونيو» بدلاً من الاحتفال بـ«العيد الثالث للثورة» وهو المصطلح الصحيح، الذى درجت مصر على استخدامه للإشارة إلى الأعياد الوطنية التى يحتفل بها رسمياً وتعطل خلالها الدراسة فى المدراس والعمل فى دواوين الحكومة، ويحصل خلالها العاملون فى القطاع الخاص على إجازة مدفوعة الأجر.. وهى أعياد حذف بعضها من سجل الأعياد الرسمية بانتهاء الفترات التاريخية التى أدرجت خلالها فيه، كان من بينها «عيد الجهاد الوطنى» فى 13 نوفمبر من كل عام، الذى كان أولى خطوات ثورة 1919، وعيد الدستور فى 15 مارس بمناسبة انعقاد أول برلمان منتخب ونفاذ دستور 1923 وكان من بينها أعياد ارتبطت بثورة 1952 مثل «عيد الجلاء» فى 18 يونيو 1956 مناسبة جلاء آخر جنود الاحتلال البريطانى عن مصر، وعيد النصر فى ديسمبر 1956 احتفالا بجلاء القوات البريطانية والفرنسية عن بورسعيد، وعيد الوحدة فى 22 فبراير من كل عام بمناسبة إتمام الوحدة المصرية السورية عام 1958، و«عيد الثورة» وهو العيد القومى لمصر الذى تحتفل به فى 23 يونيو من كل عام.
وعلى عكس الأعياد التى ارتبطت فى تاريخ مصر بالانتصارات الوطنية فقد ارتبطت احتفالات الذكرى فى هذا التاريخ بمناسبات تعيسة ولا تدعو للفرح بل للحزن وتثير الاحتجاج لا الاحتفال، اختفى معظمها بإزالة الأسباب التى كانت تدعو لتذكرها، ومن بينها الاحتفال بذكرى ضرب الإسكندرية فى 11 يوليو 1882، ودخول الجيش البريطانى إلى القاهرة فى 14 سبتمبر 1882 بينما لايزال فريق من المصريين والعرب يحتفلون بذكرى وعد بلفور فى 2 نوفمبر من كل عام وبذكرى النكبة بمناسبة إعلان دولة إسرائيل فى 15 مايو 1948.
وربما يكون السبب فى تورط الإعلام المصرى بمختلف فصائله وأنواعه فى هذا الخطأ أن قرار اعتبار يوم 30 يونيو إجازة رسمية قد صدر بقرار من مجلس الوزراء ولم يصدر كما هو الحال فى الأعياد الرسيمة بقانون عن السلطة التشريعية المختصة، ولعل الأمر يحتاج إلى بعض الوقت حتى يمكن التوصل إلى توافق سياسى يفض المناظرة المفتعلة والمشتعلة بين أنصار ثورتى 25 يناير و30 يونيو، فيصدر مثل هذا القانون.
أما المؤكد فهو أن ما يليق بثورة 30 يونيو هو احتفال بعيد وليس بكاء على أطلال ذكرى، كما يوحى المصطلح الذى استخدم بوفرة وهو احتفال كان ينبغى أن تحتشد للمشاركة فيه كل القوى الشعبية والسياسية والمؤسسات التى شاركت فى صنعها، وفى مقدمتها القوى التى فجرت قبل ذلك ثورة 25 يناير، إذ لولا ثورة 30 يونيو لما استحقت يناير أن توصف بأنها ثورة، أو أن تدرج فى سجل الأعياد الوطنية الرسمية، ولأدرجها التاريخ فى جدول «النكسات» و«النكبات» كنموذج فريد للثورات المختطفة والمغدورة التى يدبرها الدهاة وينفذها الشجعان ويخطف ثمارها الذين أرادوا أن يعيدوا الوطن والأمة قرونا إلى الوراء وأن يستبدلوا بالاستبداد الذى كان قائما قبلها فاشية دينية يزعم قادتها لأنفسهم أنهم ظل الله على الأرض.
القيمة الحقيقية للاحتفال بالعيد الثالث لثورة 30 يونيو هى أنها الفصل الأكثر وعياً والمرحلة الأوفر تنظيما من ثورة يناير، وأنها التى أكدت أن الشعب المصرى قادر على أن يحقق- فى إيقاع أكثر سرعة مما تصور أكثر الثوار تفاؤلاً- درجة من الوعى مكنته من أن يفضح لعبة التجارة بالدين فى بورصة السياسة، والمقامرة به فى أسواق المضاربة، واستطاع أن ينبه طلائعه التى فجرت ثورة يناير إلى الخطأ الذى أوقعهم فيه نقص الوعى وتشوش الرؤى وافتقاد القدر الكافى من التنظيم، مما مكنهم - خلال 30 يونيو وما بعده- من صد طوفان الغربان الذين توهموا أن وصولهم إلى حكم بلد بمكانة مصر سيكون بداية هيمنتهم المطلقة، فلم تنقذ 30 يونيو مصر والبلاد العربية والإسلامية فحسب من هذا الطوفان، ولم تنقذ الإسلام نفسه من هؤلاء الذين لم يسئ إليه أحد بقدر ما أساءوا إليه، بل أنقذت العالم كله من جهلهم وغرورهم وشرورهم التى لا حصر لها.
وليس معنى هذا أن كل شىء على ما يرام أو أن هذه الأعوام الثلاثة التى مرت على عيد ثورة يونيو لم تشهد أخطاء أو تجاوزات، فليس هذا من طبيعة الأمور فى بلد يحيط به أهل الشر من ثلاث من الجهات الأصلية، ويسعون لتخريبه والحيلولة بين شعبه وبين أن يحقق الخير لنفسه ولمن حوله وللعالم أجمع، وورثت إدارته ميراثا ثقيلاً من الإهمال والنهب وفساد الذمم والضمائر، وتواجه شرطته وقواته المسلحة بشجاعة وفدائية وتضحيات لا حصر لها الذئاب المفترسة التى تسعى لنهش لحومنا وتدمير كل ما نسعى لبنائه.
ذلك حديث يمكن أن نعود إليه فى يوم آخر غير يوم الاحتفال بعيد ثورة 30 يونيو، الذى ينبغى أن نخصصه للفرحة لأننا استطعنا فى هذا اليوم أن ننتصر على الخفافيش والغربان.