مرة كنت فى مدينة هيوستن، أكبر مدن ولاية تكساس الأمريكية وعاصمة صناعة البترول فى أمريكا.. كنت أتناول غدائى فى واحد من أشهر مطاعم هيوستن المشهورة بتقديم الوجبات البحرية بحكم أنها تقع على خليج المكسيك المشهور بتنوع أسماكه وقواقعه.. بينما كنت أتناول طبق الحلو، رأيت أمريكياً يطلب طبقاً من البطيخ ثم صرخ: أين الملّاحة؟!، وأخذت أراقبه بعد أن حمل إليه الجرسون طبقاً كبيراً من البطيخ، إذ أخذ «يرش» الملح فوق شريحة البطيخ ويقطع البطيخ وهو يستمتع بأكله مخلوطاً بالملح البحرى النقى.
ولما نقلت تعجبى مما رأيت لأحد المصريين بالمدينة، ردّ: لا تتعجب، إذ معظم الأمريكيين يفضلون ذلك، وفلسفتهم فى هذا أن تعرف الفرق بين الحلو والحادق للتلذذ بطعم البطيخ الذى ذكرنى بما كان فى مصر أيام زمان من البطيخ شليان بلاك، وكان أفضل بطيخ مصرى فى أوائل الخمسينيات، وذكرنى بأن المصرى يعشق -فى عز الصيف- أكل البطيخ بالجبن القديم الإسطانبولى.. مع الخبز البلدى المحمص أو المفقع، وكذلك تناول العنب الأحمر الرائع، عنب جناكليس أبو ريحة، بالجبن القديم، وأحياناً بالمش القديم الذى يقترب لونه من البنى، فلماذا أتعجب ممن يأكل البطيخ بالملح، لأنهم فى الغرب الأوروبى والأمريكى أيضاً يعشقون تناول الأطعمة المتناقضة، أى سويت آند ساور، وإذا كنا نرفض زمان تناول متناقضات الأطعمة ونقول عنها سمك لبن تمر هندى، دون أن نتنبه أننا نفعل ذلك مع وجبة السمك بالمايونيز، وهذا المايونيز يدخل اللبن فى صنعه!!.
وينصح أفضل الشيفات الطباخين بإضافة ملعقة سكر على أى صلصة طماطم لتقليل آثار حموضة الطماطم على الطبخة، وهذه هى الكاتشاب، وهى الأشهر فى عالم «الصلصات» يضيفون عليها مع التوابل والخل والملح بنسبة من السكر حتى تظهر لذة هذه الصلصة ليحس الواحد منا بلذة الصلصة وتوابلها مع السكر والخل، ونسينا أننا كنا نتندر بالواحد منا بالقول: إنت خليتها خل!!.
ثم إن أشهر مشروب مصرى هو الليموناده.. يعنى السكر والليمون، أليس هذا المشروب يتكون من سكر مع عصير ليمون، يعنى حلو مع حامض!!، وهنا هل تصدقوننى إذا طلبت منكم تناول ملعقة عسل نحل مضافًا إليها عصير ليمون وهى مفيدة للغاية، بالذات لمقاومة أمراض الشتاء ويطهر الفم والحنجرة بشرط تناول ذلك على الريق، ثم إننا نضع عصير الليمون على المربات للمحافظة عليها حتى لا تفسد بطول التخزين، وكذلك نفعل فى صُنع «عسل» الكنافة والقطايف وبلح الشام ولقمة القاضى وغيرها، إذ نضيف إلى السكر، خلال إذابته، كمية من عصير الليمون.
ولا ننسى الرمان وحباته شديدة اللذاذة فى عصيرها، بينما قشور الرمان شديدة المرارة، حتى إنهم يستخدمون قشوره بشربها واستخدامها كطارد لديدان البطن، وأعود إلى تذكرة داوود الشهيرة أو إلى طب الحكيم العظيم ابن سينا، وفى دول الخليج يطلقون على هذا الرمان اسم حامض «حلو»، ويا سلام على حلاوة ولذة رمان سلطنة عمان الذى تجود زراعته فى منطقة الجبل الأصفر حول مدينة نزوى التى تشتهر أيضاً بنخيلها وتمورها وعنابها.
■ ■ وبالمناسبة لا أنسى طعم الحلوى العمانية وبالذات المصنوعة فى مدينة مسقط، عاصمة السلطنة، ويطلقون عليها أيضاً اسم الحلوى المسقطية، ولا تنافسها فى الدول الخليج إلا الحلوى البحرينية وكلتاهما، العمانية والبحرينية، تُصنع من إذابة السكر مع المستكة والحبهان «الهيل» وبعض الأعشاب، ولكن يدخل فيها أيضًا عصير الليمون، ويا سلام على طبق حلوى عمانية أو بحرينية بشرط رش كمية من الفسدق المقشر المسحوق على وش الطبق، أى تدخل فى صناعتها الليمون مع السكر، ليعنى الحامض مع الحلو، ولا ننسى هنا أفضل ما يقدمه أهل الخليج لضيوفهم - وهو فى نفس الوقت مشروبهم المفضل- وأقصد به «القهوة المرة»، أى القهوة العربى بدون أى سكر، وأفضلها ما يُصنع بالبن اليمنى الأخضر مع نسبة كبيرة من الحبهان، أى الهيل والقرنفل وجوزة الطيب، وتختلف هذه القهوة المرة من بلد خليجى لآخر حسب نسبة هذه المكونات.. وما يهمنا هنا هو أن هذه القهوة العربى «المرة» تقدم مع التمر العربى شديد الروعة: يعنى أيضاً حلو مع مر.. وأنا دائماً أصنعها فى مصر بنفس طريقة الأشقاء فى الخليج.
■ ■ هيا بنا نجرب البطيخ - ونحن فى عز حر الصيف - بالملح حتى نعرف الفرق بين حلاوة البطيخ ولسعة الملح.. وهنا مازلت أحن إلى البطيخ النمس الصالحاوى والأخضر المقلم، بشرط أن يكون وزن الواحدة فوق الـ15 كيلو.