شعرت بالاطمئنان عندما حلّقت الطائرات فى سماء مصر.. العروض الجوية كانت رسالة بعلم الوصول.. تعبير رمزى عن يقظة حماة الوطن، براً وبحراً وجواً، فلولا تدخل الجيش ما نجحت الثورة، وربما كانت حرباً أهلية.. من أجل ذلك أقول تسلم الأيادى.. نبهنى البعض أننى لم أذكر فضل الجيش فى مقال أمس الأول.. أعرف ذلك.. كنت أقصد هذا التأخير فى الأدوار.. الشعب ثم الجيش.. لأنها كانت ثورة شعبية أصلاً، ولم تكن حركة جيش انقلابية أبداً!
وبالطبع، فلا أحد ينسى دور الجيش فى الثورتين.. 25 يناير و30 يونيو.. ربما تأخر فى 25 يناير.. بعدها صدرت البيانات العسكرية، وكان يعنى أن الجيش انحاز لثورة الشعب فى مواجهة مبارك ابن المؤسسة العسكرية.. معناها أن الجيش لا يحمى النظام وإنما يحمى الوطن، وفى 30 يونيو لم يتأخر لأن الخطر كان أكبر.. والفارق كبير جداً فى الحالتين، معناه أن الثورة كانت شعبية، ثم تحرك الجيش.. والترتيب هنا ضرورى جداً للحقيقة و«التاريخ»!
ولا شك أن احتفال مصر بثورة 30 يونيو يستدعى التأمل.. الجيش لا ينسى شعبه، والشعب لا ينسى جيشه.. هناك تحية من القوات المسلحة للشعب، وهناك تحية وتهنئة من الشعب للجيش.. سيارات فى الشوارع تجدد فرحة المصريين بجيشهم، وتذيع أغنية تسلم الأيادى.. التعليقات فى معظمها ترد الفضل للجيش.. الأصل أنها ثورة شعبية حماها الجيش.. هذا هو المفهوم.. نؤكد عليه فى مواجهة الذين اعتبروا 30 يونيو انقلاباً وليس ثورة!
الآن أعترف بأن تأجيل الكتابة عن الجيش لم يكن تجاهلاً بالمرة، وإنما يؤكد الترتيب ويواكب تحرك الجيش، وإلقاء الفريق عبدالفتاح السيسى بيان الثورة، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا بإدارة شؤون البلاد.. وهو اليوم الذى عرفنا فيه المستشار عدلى منصور كرئيس مؤقت «فاخر» أعاد مرة أخرى الهيبة لكرسى الرئاسة، بعد أن كانت الحكاية باااظت.. وهنا استعادت مصر هيبتها بالفعل، كما قال السيسى فى «ذكرى الثورة»!
وأعتقد أنك تستطيع أن تفرّق ببساطة بين وضعين.. أين كنا؟.. وكيف أصبحنا؟.. كيف كان حالنا فى زمن الإخوان؟.. وكيف حالنا الآن؟.. كيف كنا بعد الثورة؟.. وكيف نحن الآن؟.. أظن أن الأمن فى مصر حالياً لا تخطئه عين.. وأظن أننا فعلنا ذلك بهدوووء، وبالتزامن مع عمليات البناء والتنمية.. نبنى المساكن، ونمهد الطرق، وننشئ محطات الكهرباء، ونفرض الأمن فى ربوع البلاد.. حدث كل ذلك رغم الحصار الخارجى والإرهاب الداخلى!
لم يحدث ذلك من فراغ.. فقد كان التلاحم واضحاً بين الشعب والجيش والشرطة.. وكان هناك إصرار على تصويب المسار، وكان هناك استعداد لاستعادة هوية مصر، وأثبتنا للعالم أن إرادة المصريين لا يمكن كسرها.. ولم تفلح كل دعوات الترهيب والتهديد، ولم تفلح أى محاولات أجنبية للضغط علينا.. هكذا قال السيسى.. مع أنه لم يقل إلا القشور حتى الآن.. ولا يمكن أن تفى هذه السطور بالكلام عن «الملحمة المصرية» فى مواجهة التدخل الأجنبى!
أكرر مرة أخرى.. مَنْ ليس له جيش ليس له وطن.. أوطان كثيرة ضاعت لأنها بلا جيش.. لا نفعها مالُها ولا بترولها.. فجأة كانت مثل ريشة فى مهب الريح.. من أجل ذلك أقول تسلم الأيادى.. تسلم يا جيش بلادى، رغم أنف الكارهين والإرهابيين!