الشاشات التى تُقدم الدراما فى ماراثون رمضان السنوى، لا يمكن أن نعزلها عن السياسة، والدولة التى نراها تحاول الهيمنة على الإعلام لن تتورع عن استخدام كل الأسلحة لتحقيق الهدف الأسمى، حيث صار هناك مفهوم يفرض نفسه بقوة وهو أن الإعلام الفضائى يحرك الشارع، وأن فرض القبضة الحديدية على ردود فعل الشارع يبدأ من إحكام السيطرة على القنوات الفضائية.
قبل رمضان شاهدنا بيعا لقنوات وتحالفات بين أكثر من فضائية، من المؤكد أن كل ذلك يفرض نفسه بقوة على الخريطة الإعلامية القادمة، وهكذا كان ينبغى أن نتوقف قليلا عن متابعة السباق الدرامى الرمضانى لأن لدينا سباقا محموما آخر يفرض نفسه على المشهد.
رحيل ليليان داوود عن قناة «أون تى فى» خطوة حتمية تسبق الترحيل عن مصر.
الرحيل متوقع، القناة أصبح لديها مالك جديد رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة، يضع الرسالة التحريرية التى يراها تتوافق مع ما يحقق مصالحة سواء مع النظام أو المشاهد، فلا يمكن تصور أن هناك قناة تليفزيونية لن تضع تحقيق أكبر قدر من إمكانيات الجذب على رأس طموحاتها، كل من يعمل فى دائرة الصحافة والإعلام يُدرك أن العلاقة كانت وستظل فى حالة شد وجذب بين رأس المال الذى لديه بالقطع حساباته وبين العناصر الفنية والفكرية والتى دأبنا على أن نعتبرها مجرد مذيع، مثلما نختصر العمل الفنى فى اسم النجم، ونتغافل عن حقوق أصيلة للكاتب والمخرج.
كل قناة خاصة تضع معاييرها وتختار من ينفذها، بل كثيرا ما يحدث فى وجود نفس المالك أن تتغير حساباته، وبناء عليه يعاد تفنيط أوراق اللعبة. حرصت إدارة «أون تى فى» فور الأزمة على إصدار بيان تستطيع أن تقرأه على النحو التالى، ومن زواياه الثلاث، أن الغضب السياسى على يوسف الحسينى تم رفعه وسيعود مباشرة بعد العيد، الحسينى كان مستبعدا فى زمن ساويرس، لأنه أعلن رأيه ضد سياسة الرئيس، برغم أنه يحسب دائما على قائمة المؤيدين، وتم منحه إجازة مفتوحة بدون مرتب، وهذا يعنى عقابا مزدوجا أدبيا وماديا، إلا أن قرار العودة الوجه الآخر له، أن تصل الرسالة للرأى العام تنفى أن استبعاد ليليان سياسى والدليل عودة الحسينى، الوجه الثانى للصورة وهو جابر القرموطى، البعض توقع أن الخلاف سياسى متعلق بتوجه المذيع الذى كان يسمح بهامش مقنن من الانتقاد، من خلال متابعتى لبرنامجه «مانشيت» أرى أنه لا يمكن اعتبار القرموطى معارضا ولا حتى مشاغبا، هو يلعب دور المواطن البسيط الذى يسأل عن الحقيقة، ولا يتجاوز فى نقده لرأس الدولة، كانت كل الآراء تؤكد أن السياسة الجديدة للقناة ستطيح به وأن ساويرس كان يسمح له بهامش معارضة وأبوهشيمة لن يقلص فقط الهامش، بل سيقلص القرموطى، فى سنوات قليلة حقق القرموطى دائرة جماهيرية، كان يتردد بين الحين والآخر أنه يطالب بزيادة أجره، من الواضح أن البيان حرص على أن يشير إلى أنه لا يوجد خلاف سياسى وترك الباب مفتوحا أمام التكهن بالخلاف المادى، وهو محسوم طبقا لقانون العرض والطلب، سوف يُطل القرموطى من خلال فضائية أخرى تمنحه الرقم الذى يرى أنه يستحقه، ويبقى الجزء الصعب والأساسى فى المعادلة ليليان داوود، القناة أنهت التعاقد لأسباب سياسية هذا ما تحاول القناة بكل قوة نفيه، ليليان كثيرا ما تعرضت لانتقادات حادة خاصة فى آخر عامين وكانوا كثيرا ما يطالبونها بالرحيل عن مصر، بسبب مواقفها التى تعلنها على صفحتها مؤيدة لشباب ثورة 25 يناير ورفضها لسجن الشباب المعارض، كان الاتهام أن هويتها اللبنانية تحول دون منحها حق التعبير عن الشأن المصرى، عبر التاريخ مصر كانت ولاتزال شأنا عربيا، وكثيرا ما يردد العرب عندما تحزن مصر يحزن العرب وعندما تبتسم مصر يبتسم العرب، ألسنا جديرين بما قاله حافظ إبراهيم «أنا إن قدر الإله مماتى لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى»، هل كان خبر رحيل ليليان عن القناة مفاجأة؟ كل التفاصيل كانت تشى باقتراب الرحيل، ولكن الترحيل بتلك الآلية لا يليق بمصر.