مالك عدلى من داخل القفص: «بقالى أربعين يوم ما بشوفش الشمس».. جاء هذا التصريح للمحامى الحقوقى بعد تجديد حبسه للمرة الثالثة على التوالى ليستمر حبس مالك فى زنزانة انفرادية لمدة أربعين يوما احتياطيا حتى الآن بالمخالفة للدستور المصرى وقوانين ولوائح السجون.. «قال مالك للقاضى أنا كل اللى عاوزه إنى أتعامل فى السجون طبقا للقانون ولائحة السجون».. يذكر أن محامى «مالك عدلى» كانوا قد تقدموا بشكوى لرئيس مصلحة السجون خاصة بالتعسف فى ظروف حبسه الاحتياطى.. ملحوظة منذ أن تم إلقاء القبض على مالك عدلى وهناك وضوح شديد فى محاولة التنكيل به والاقتصاص منه والحبس الانفرادى كان أحد المظاهر فقط، بل ربما الأسوأ، لكن كان هناك أيضا منع دخول الأدوية والملابس والأطعمة له.. كان هناك إحساس يكاد يكون معلنا أن هناك خصومة معه.
على صعيد آخر يأتى ما جرى مع المستشار «هشام جنينة» رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات.. فقرار إقالته استند لقانون غير دستورى والقرار فيه إساءة لاستخدام السلطة، وحقيقة أن القرار قد صدر قبل انتهاء ولاية المستشار هشام جنينة بثلاثة أشهر فقط يكشف عن الرغبة فى التنكيل بالرجل والتشهير به وكسره، وقد عبر الرجل عن أنهم دفعوه للنوم على البلاط فى محاولة لكسره.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد للنيل والتنكيل بأسرته حينما ثم فُصلت ابنته «شروق جنينة» من معاونة النيابة الإدارية من وظيفتها بحجة واقعة كانت قد تمت منذ أشهر، وتم التحقيق فيها ولم يوجه فيها أى عقوبة، هذا بجانب أن هذا الفصل كان لابد وفقا للقانون أن يصدر به قرار جمهورى والقرار مشوب بعيب إساءة استعمال السلطة ليكون تنكيلا بها لأنها ابنة «هشام جنينة» الذى بينه وبين الدولة خصومة.
والسؤال هنا هو هل يصح أن تكون الدولة فى خصومة مع أحد؟
من تابع لقاءات «مالك عدلى» فى البرامج الحوارية مع قيادات الداخلية يدرك أن هناك خصومة قد تولدت من هذه اللقاءات التى شهدت حدة، ومنطق مالك، اللذين استفزا هذه القيادات وربما لهذا لم يندهش الكثيرون عندما تم القبض على مالك وحبسه احتياطيا.. كذلك الموقف من «هشام جنينة» كان قد مر بمنعطفات كثيرة توضح موقف الدولة منه ورغبتها فى التنكيل به.. والمشكلة هنا ليست فقط فى القبض على مالك عدلى ولا حتى وضعه فى زنزانة انفرادية عارية على البلاط ولا فى منع الأدوية والملابس والأطعمة عنه.. كما أن المشكلة ليست فى عزل رئيس أكبر جهاز رقابى فى مصر وإخضاعه للتحقيق بل فصل ابنته من عملها.. ليست حتى المشكلة أن كل هذه الإجراءات والقرارات هى ضد القانون والدستور.. المشكلة الحقيقية هنا هى أن الدولة تطيح بالقانون والدستور لأنها فى خصومة مع هؤلاء.. وهذا هو أسوأ ما فى الأمر لأن الدولة لا يجب أبدا أن تكون فى خصومة مع مواطنيها، بل هى تحتكم للقانون والدستور وتعملهما فى تعاملها مع هؤلاء المواطنين حتى لو ثبت أنهم قد أخطأوا.. الواقع أن الدولة هنا عندما تصبح فى خصومة لا تكون دولة بل هى تتحول لمجموعة من الأفراد تحركهم نوازعهم الشخصية التى تدفعهم للانتقام ممن تشعر بخصومتها معهم..
والمشكلة أن هذا لا يخص «مالك عدلى» وحده ولا يخص «هشام جنينة» وحده.. لكنه يخصنا نحن جميعا لأنه يشعرنا بعدم الثقة فى مؤسسات الدولة فيما إذا وقعنا فى خصومة مع إحدى هذه المؤسسات أو من يمثلها فى مدى الإطاحة بالقانون والدستور فى التعامل معنا، مما يهدد ليس فقط حرياتنا بل ربما حياتنا نفسها.. ما جرى فى الواقعتين اللتين ذكرتهما- ومن المؤكد أن هناك غيرهما الكثير- يكشف حقيقة أن الدولة لا تعود دولة لحظة الغضب والعداوة والرغبة فى الاقتصاص والتنكيل بل ولا حتى شبه دولة، بل تحكمها المشاعر الشخصية للقائمين عليها.