«ليس حباً فى زيد، لكن كرها فى عمرو»، هكذا أدار معركته، وقرر أن يختلف، وأن يفقد الحزب الوطنى صوته، على قناعة بأنه إذا فقد الحزب الحاكم كل يوم صوتا، سيأتى عليه اليوم الذى يكون فيه بلا صوت.. بهذه القناعة اندفع بكل حماس نحو لجنته الانتخابية، وصوَّت لصالح مرشح الإخوان، ليس عن قناعة حقيقية بأنه الأفضل لتحقيق أحلامه كمواطن، لكنه الأفضل على الأقل فى نظره إذا ما قورن بالوطنى ونوابه.
كان أولى به أن ينتخب أيا من مرشحى المعارضة، أو مرشحى حزب الغد الذى ينتمى إليه، لكنه اختار الإخوان، بمبررات لا تعكس اقتناعا، قدر ما تعكس غلا من الوطنى، إذ توجه ممدوح صفوت رجب- 28 عاما حاصل على بكالوريوس تجارة ويعمل موظفا فى إحدى شركات «الكول سنتر»، فضلا عن عضويته الفاعلة فى الغد، وحركة 6 إبريل، إلى مقر لجنته الانتخابية، وفى ذهنه القرار «الإخوان هم الحل، لكن ليس لأوضاع البلد، بل للحزب الوطنى».
قبل 10 أيام من بدء الانتخابات، عاش ممدوح التجربة فى العمارة التى يسكن بها فى حى عابدين، حيث رأى فى العقار البسيط ملخصا للانتخابات، فقد حرص ساكن الطابق الثانى على وضع لافتة لمرشح حزب التجمع فيما وضع ساكن الطابق الخامس صورة لمرشح الحزب الوطنى، فقرر أن يعاند الاثنين ويضع لافتة دعاية لمرشح الإخوان.
علاقته بالحياة السياسية المعارضة للحزب الوطنى جاءت بمجرد انضمامه إلى جمعية جيل المستقبل، استفاد من إيجابيات الجمعية بأن حصل على كورسات إنجليزى وكمبيوتر، لكنه فوجئ بمطالبها التى اعتبرها قهرا له وحربا على الديمقراطية، إذ طالبته بترك الحياة السياسية والتعصبات الكروية خارج المكان، فشعر لأول مرة أنه فى حضرة الحزب الوطنى.
هنا قرر أن يدخل الحياة السياسية التى بدأها بانضمامه لحركة كفاية ثم حزب الغد ومن بعده حركة 6 أبريل، ورغم هذا لا يبدو عليه الحماس لأى شىء، فكل الأشياء تساوت لديه، وهو ما برره: ربما كثرة الضغوط والمشاكل وعدم الحسم فى معظم مشاكلنا أصابنى بنوع من البرود.
شقيقه الأكبر كان أحد أهم دوافعه لتغيير حاله، إذ وضعه كمثال أمامه، وقال: «ماحبيتش أكون زى أخويا كل إلى ورايا اطلع همى فى السجاير واقعد على القهوة بعد الشغل، لذا قررت الثورة على وضعى، ورفض قهر رؤسائى، وقد كان هذا كافيا لعدم استقرارى فى العمل».
فى التاسعة صباحا خرج ممدوح من بيته أمس الأول متجهاً إلى اللجنة الانتخابية فى مدرسة أبوبكر الصديق دائرة عابدين التابع لها حاملاً فى يده شنطة لاب توب، لم يضع داخلها «لاب توب» لأنه لا يملكه، واكتفى بحمل الموبايل ومحفظة النقود وعلبة السجائر فيها.
خرج من بيته ينظر إلى اللافتات الثلاث، وفى ذهنه يردد العبارة: سأكون مختلفا، وأولى، خطوات هذا الاختلاف انتخاب مرشح الإخوان.. صعد سلالم الزقاق، الذى يسكنه متوجها إلى أحد محال الفول والطعمية ليضمن إفطاره، وفى هذه الأثناء أخذ يسأل بائعة الفول: «روحتى انتخبتى ولا لأ؟». لكن إجاباتها كانت كافية لإحباطه، إذ قالت له: «ما رحتش لأنى ماعنديش بطاقة انتخابية»، ومش فاضية أطلع واحدة، ولو عندى هانتخب مرشح الوطنى رجب حمدان.. هنا تغيرت ملامحه، وكاد يغادرها، لكنه قال لها: «ده حال كل الغلابة دايما بيجروا ورا الأضواء الكاذبة».
ممدوح قال: «رغم أننى لا أعرف مرشح الإخوان فى الدائرة، وثقتى فيه لا تتعدى 30%، لكننى اخترته لأن الحكومة غير راضية عن «الإخوانجية» واختيارى له لن يضرنى ولكنه أيضا لن ينفعنى» وعندما أعطى صوتى لمرشح الحزب الوطنى سيضرنى بوجوده، ولن ينفعنى بشىء».
دخل ممدوح اللجنة واستقبله مندوبو بعض المرشحين الآخرين بملصقات دعاية لمرشحيهم، لكنه سرعان ما ذهب إلى أحد الأفراد الذى يحمل ملصقات مرشح الإخوان، وأخذ يردد بصوت عال: «أنا معاكم.. مع مرشح الإخوان».
لم تكن هذه هى المرة الأولى، التى ينتخب فيها ممدوح، إذ سبق أن استخرج بطاقة انتخابية فى انتخابات 2005، لكنه نسى البطاقة، فعاد مرة أخرى إلى البيت ليحضرها، بعد أن عجز عن الحصول على اسمه أو رقمه الانتخابى داخل اللجنة، وسرعان ما قرر إحضار بطاقته الانتخابية من البيت، ليعرف هل تم منعه من الإدلاء بصوته أم مجرد خطأ معتاد ينم عن سوء تخطيط، وتحضير فى اللجان الانتخابية «حسب قوله»؟
عاد ممدوح مرة أخرى للجنة، وقبل أن يصل إلى مسؤولى اللجنة فوجئ بأهل منطقته يطلبون منه ترشيح قائمة الحزب مراعاة للجيرة والتربية داخل شارع واحد، وقال ممدوح: «لم ألتفت لهذا الكلام، ولو للحظات، لكننى اتخذت قراراً أن أعطى صوتى لحريم الوطنى، ربما يكون فى نساء الحزب الوطنى الأمل فى التغيير ونجرب الكوتة دى هتعمل إيه».
10 دقائق مرت وهو ينتظر دوره للدخول إلى غرفة الاقتراع داخل المدرسة شاهد فيها ما لا يقل عن 7 مندوبين للمرشحين الآخرين، أخذوا يطالبونه بتأييد مرشحيهم، وبدأت بورصة شراء صوت ممدوح أمام اللجنة من 30 جنيهاً وانتهت بـ150 جنيهاً، لكنه أصر على موقفه، ولم يبع صوته، مبرر تمسكه بهذا بقوله: «طبيعى أن يكون هناك عروض مادية لشراء أصوات الناخبين فقد تعودنا عليها منذ انتخابات رجال الأعمال فى 2000. هذا العام اختلفت الرشاوى وشراء الأصوات عن الأعوام الماضية حيث اختفت التسعيرة الأساسية، وأصبح هناك تفاوت فى الأسعار للمرشح الواحد، وأصبح الناخب هو المتحكم فى سعره، فكلما أعلن المواطن رفضه ترشيح «س» من الناس زاد الطلب عليه وفتح المزاد لكسب الناخب».
دخل ممدوح عرفة الانتخابات وأخذ يعلم على الأسماء المرشحة ليجد نفسه أمام صندوق خشبى مطموس ما بداخله «على حد تعبيره» وتأكد لديه الشك فى نزاهة الانتخابات، مقتنعا من أعماقه بأن الصناديق تمت تعبئتها مسبقا، وأن ما يفعله تحصيل حاصل. علامة فوشيا على أصبعه «البنصر» الشمال كانت هى نهاية رحلته داخل لجنة الانتخابات، كانت تلك العلامة هى الدليل على راحته بعد تنفيذ ما عزم عليه منذ بداية يومه، وهو اختيار مرشح الإخوان المسلمين واستكمال الاختيارات بنساء الكوتة فى الحزب الوطنى. وأضاف «فى رأيى أن الإخوان هم الذين يحمون البلد من الاحتلال الإسرائيلى لأنهم يتمتعون بشعبية كبيرة تجعل جميع الشعوب تعيد النظر قبل الدخول معهم فى معارك دامية».
خرج من اللجنة وعلى ملامحه معالم النصر ليعلن بدء رحلة جديدة مع الكفاح، وهى المرور على باقى اللجان الانتخابية فى دائرته لتفقد سير عملية الانتخابات.
كان ممدوح يجيب على تليفونه المحمول كل 10 دقائق ليعطى أحدهم تفاصيل ما يحدث له داخل اللجنة فى الانتخابات أولا بأول، هذا هو صديقه الذى يعمل فى أحد المواقع الإلكترونية التى يحمل اسم «مشاهد» والذى أنشئ قبل الانتخابات ليكون شاهداً على الأحداث الانتخابية، بعد أن عكف العاملون فى الموقع على الاتصال ببعض الأشخاص الذين اعتبروهم أعينهم فى اللجان المختلفة.