■ فى البداية سيادة المستشار.. ما هى طبيعة عملك داخل اللجنة العامة؟
- ككل القضاة الموجودين باللجان العامة على مستوى الانتخابات فى جميع المحافظات، دورنا يتمثل فى مراقبة سير العملية الانتخابية، وتلقى ورصد شكاوى وبلاغات الناخبين والمرشحين، فيما يخص أى مشاكل أو عراقيل تؤثر على الانتخابات بأى شكل.
■ وهل تلقيتم شكوى بخصوص اللجان الفرعية التابعة للجنتكم العامة؟
- نعم، تلقينا شكاوى فى اللجنة العامة لدائرة البدرشين ومقرها مركز شرطة البدرشين، من مواطنين يشكون من منعهم من التصويت، ومنعهم من الوصول إلى اللجان الانتخابية، وكانت الشكاوى تحديدا فى اللجان الخاصة بالسيدات.
■ وماذا حدث بعد ذلك؟
- بحثنا الأمر داخل اللجنة العامة، وكلفنى المستشار محمد منصور، رئيس اللجنة العامة، بالنزول إلى مقر اللجان محل الشكوى «البلاغ»، والتحقق مما يحدث، وبالفعل توجهت بسيارة اللجنة العامة إلى مكان اللجان الفرعية، التى كانت داخل المدرسة الإعدادية بنين فى البدرشين، وعندما وصلت وجدت الباب الخارجى للمدرسة مغلقاً.
■ وأين الناخبون والمواطنون؟
- لا يوجد أحد، والمنطقة أمام المدرسة التى بداخلها لجان التصويت كانت خالية تماما، وأمامها ممر حديدى ضيق، يسمح بمرور شخص واحد فقط، وبالفعل دخلت إلى ذلك الممر بهدف الوصول إلى باب المدرسة «المغلق»، لكننى وجدت فى الممر شخصاً ضخماً وشكله غريب أشبه ما يكون بـ«بودى جارد»، وكان هذا الشخص يقف فى منتصف الممر تقريبا.
■ وماذا كان يرتدى هذا الشخص؟.. وهل كان يقف حائلاً أمام مرور أى شخص يريد الدخول؟
- كان يرتدى ملابس عادية، وكان يقف فى منتصف الممر، وفى اعتقادى أنه «بلطجى»، لأنه سألنى بحدة غريبة: «إنت رايح فين؟» فقلت له: «إنت مين وليه واقف كده؟» فبدا عليه الاندهاش من كلامى، وعندما أفصحت له عن هويتى وأننى قاض وقادم من اللجنة العامة لمراقبة سير العملية الانتخابية داخل اللجان أثناء التصويت، خـرج مسرعاً من الممر إلى الشارع، ولم أره مرة أخرى.
■ وهل نجحت فى الدخول إلى المدرسة لمراقبة اللجان الانتخابية؟
- لم يحدث، لأننى بمجرد أن استكملت طريقى إلى باب المدرسة، وقبل أن أصل إليه، وجدت سيارة قسم الشرطة «البوكس» مسرعة، ونزل منها أحد الأشخاص، وكان يرتدى ملابس عادية «ملكى»، ثم توجه إلىّ مباشرة، قائلا بلهجة حادة: «إنت مين وعايز إيه؟» فقلت له: «أنا رئيس المحكمة المستشار وليد الشافعى عضو اللجنة العامة للانتخابات بدائرة البدرشين»، فأجاب بسرعة: «أنا لا أعرفك» فقلت له: «مين حضرتك؟»، فقال: «أنا أحمد مبروك رئيس مباحث البدرشين»، فكررت عليه اسمى وهويتى، فقال بـ«نرفزة»: «أنا لا أعرفك». فأجبت عليه: «هو فيه إيه.. أنا أبلغتك باسمى وهويتى وأنا جاى أشوف إيه اللى بيحصل هنا»، فـرد بـ«نبرة انفعال»: «أنا معرفكش، طلّع إثبات شخصيتك» فقلت له: «إنت جاى ورايا من القسم بالبوكس، وعارف كويس أنا مين!»، فكـرر بتحدٍ نفس كلامه: «أنا معرفكش.. يللا طلّع كارنيهك بسرعة يللا».
■ وهل استجبت لأوامره؟
- نعم، حتى ينتهى هذا الموقف «السخيف»، أخرجت بالفعل إثبات شخصيتى، وأظهرته أمام عينيه، دون أن أقدمه إليه أو أسلمه له «لأننى مسكته بيدى»، فقال لى: «إنت حاطط إيدك على الصورة وأنا مش شايف صورة مين اللى فى الكارنيه». فرفعت أصابعى من على الصور، فخطف الكارنيه من بين يدى، فقلت له: «إنت بتعمل إيه؟» فرد علىّ: «اركن على جنب شوية» فقلت له: «إنت عارف بتعمل إيه» فقال لى بإصرار: «اركن على جنب».
■ وكيف انتهى هذا الموقف؟
- الضابط أشار بيديه إلى ثلاثة من المخبرين، وأمرهم بإدخالى إلى المدرسة، واحتجازى.
■ سيادة المستشار.. بشكل محدد هل كان يدور هذا الموقف أمام المدرسة وعلى مرأى ومسمع من المواطنين؟
- نعم وبالفعل أدخلونى المدرسة، بجوار الباب الرئيسى، وفى هذه الأثناء استخدمت هاتفى المحمول، فأجريت اتصالا بالمستشار رئيس اللجنة العامة، وأبلغته بتفاصيل الواقعة، فقال لى إنه سينتقل على الفور إلى مكان وجودى، ولما وجدت نفسى فى موقف لا أحسد عليه، فأنا محتجز بجوار باب المدرسة، وبعض المواطنين يراقبون ما يحدث، وكان منظرى فى غاية السوء، لذلك انتهزت فرصة اتصالى التليفونى، وتجولت بداخل المدرسة، ووصلت إلى اللجان، وهى عبارة عن فصول الدراسة، ووجدت جميع أبوابها مفتوحة، لكنها مع ذلك مسدودة بالمقاعد «التخت».
■ وهل كانت بداخلها صنايق الاقتراع والموظفون المشرفون عليها؟
- نعم، لكنها كانت خالية تماما من الناخبين، والأمر الغريب الذى استرعى انتباهى بشدة أنه بداخل كل لجنة اثنين فقط من الموظفين، وأمام كل منهما توجد صناديق الاقتراع، لكنها فارغة تماما، أما فى الفصول المجاورة فـوجدت موظفين وموظفات جالسين على مقاعد التلاميذ، وبحوزتهم أوراق التصويت، ويقومون بتسويدها بأيديهم، بوضع علامات على مرشحين بأعينهم، وعلى الفـور دخلت إلى أحد تلك الفصول، فوجدت موظفة صغيرة السن، ومعـها عشرات من بطاقات الاقتراع «التصويت» وكانت تقوم بتسويدها بيديها.
■ ولماذا لم تحرر محضراً بالواقعة؟
- أبلغت المستشار رئيس اللجنة وهو فى طريقه إلىَّ، لكننى تحفظت على أدلة الواقعة، حتى أثبتها فى مذكرة رسمية للجنة العليا والنيابة العامة.
■ وهل خرجت من المدرسة بعد ذلك؟
- لا، لأنه أثناء خروجى من الفصل، وجدت أمامى أحد الأشخاص الذى قال لى: «مين حضرتك وبتعمل إيه هنا؟» فعرفته بنفسى، وبطبيعة عملى، الغريب فى الأمر، أن هذا الشخص، كرر علىّ نفس كلامه، قائلا: «إنت بتعمل إيه هنا؟»، فقلت له: «أنا قاضى وبأعمل شغلى فى الرقابة على اللجان الانتخابية»، وسألته: «حضرتك مين»، فرد: «أنا شريف عنانى عضو مجلس الشعب»، وعـرفت أنه عضو سابق، ومرشح حالى فى الانتخابات، ثم استطرد قائلا: «حضرتك بقى جاى تراقب على اللجان الانتخابية». ثم وجه كلامه إلى من معه من أنصاره: «اقفلوا اللجان.. ومافيش تصويت»، فقلت له: «هو أصلا مفيش تصويت وكمان مافيش ناخبين». فـرد قائلا: «أنا مايهمنيش حد، وباقولك مافيش تصويت يعنى مافيش تصويت، وهنقفل اللجان».
■ وماذا فعلت مع هذا الشخص؟
- لم أفعل شيئاً وحاولت تجاهله حتى لا أعرض نفسى لأى مكروه، وفى أثناء ذلك، حضر المستشار رئيس اللجنة العامة، فشرحت له بسرعة، ما حدث من رئيس مباحث البدرشين، ومن الموظفة، فقال: «ده شغل بلطجة، وإحنا معانا أوراقنا وقلمنا، وهنكتب اللى حصل». ثم وجدت المستشار يعيد إلىّ إثبات شخصيتى «الكارنيه» الذى استولى عليه الضابط المذكور، وبالفعل، توجهنا فى السيارة إلى مقر اللجنة العامة، وأكدت للمستشار رئيس اللجنة العامة أن ما حدث لا يجب أن يمر مرور الكرام، قائلا: «يا محمد بيه اللى حصل ده مش ممكن يعدى كده لأنه الوقائع دى عبارة عن إهانة عضو سلطة قضائية، واحتجازه دون وجه حق، ومنعه من تأدية عمله، إضافة إلى جرائم تسويد (تزوير) البطاقات الانتخابية» فقال: اكتب مذكرة بما حدث وسلمها إلى اللجنة العليا.
■ وهل قمت بذلك وسلمتها إلى اللجنة العليا؟
- نعم، توجهت مباشرة إلى مقر اللجنة العليا للانتخابات فى مصر الجديدة، وطلبت لقاء المستشار السيد عبدالعزيز عمر رئيس اللجنة، رئيس محكمة استئناف القاهرة، وبالفعل، التقيته، وشرحت له ما حدث بالتفصيل، فعلق بقوله: «ما حدث ده قلة أدب!» ثم أكد أن دور اللجنة العليا هو بحث الوقائع والتجاوزات الانتخابية، مثل واقعة «تسويد» البطاقات الانتخابية فى اللجان التى قمت بضبطها، وأكد أن اللجنة العليا ستشطب تلك اللجان.
■ وهل طلب منك رئيس اللجنة العليا كتابة مذكرة بتلك الوقائع؟
- فقط فيما يتعلق بواقعة التسويد، غـير أن ما فهمته من سيادته أن اللجنة العليا دورها محدود، ولا تملك من الآليات ما يمكنها من مواجهة أو التصدى لمثل تلك الوقائع.
■ وكيف تصرفت حيال ذلك؟
- توجهت مباشرة إلى مكتب المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام، لتقديم مذكرة «بلاغ» بالواقعة، لكن النائب لم يكن موجودا فى مكتبه، فقدمت بلاغى إلى المحامى العام لنيابات الجيزة،.
■ سيادة المستشار.. ماذا طلبت فى مذكرتك أو بلاغك؟
- كل ما أطلبه وأتمناه كرجل قانون هـو تحقيق العدالة وبسرعة، عـن طريق محاسبة رئيس المباحث المذكور، على ما اقترفه من وقائع ثابتة فى حقى، وأنا أقسم بالله العلى العظيم، أننى لا أسعى من وراء ذلك إلى أى شىء سوى تحقيق العدالة.
■ وهـل ترى أن ما حدث معك حالة أم واقعة فردية؟
- لا أعتقد، فما يحدث هو سياسة منهجية، هدفها إخراج نتائج الانتخابات بصورة معينة، وبأعداد محددة، عن طريق منع الناخبين من التصويت، وإرهابهم بشتى الطرق، وإرهاب من يؤدى عمله بما يرضى الله عز وجل، فإذا كان البلطجية هم من يمنعون الناس ويتحرشون بهم لمنعهم من التصويت، نقول إن الأمر خطير وينبغى التصدى له، فما بالنا إذا ما كان يقوم بذلك هو حزب من الأحزاب.