أسياد وعبيد على شاشة رمضان!

طارق الشناوي الإثنين 27-06-2016 21:10

قبل رحيل الفنانة القديرة سناء جميل ببضع سنوات، لم تجد من يطلبها للاشتراك فى عمل فنى، انتظرت طويلا وطال كثيرا صمت رنين التليفون فى البيت، لم نكن قد وصلنا بعد لزمن المحمول، المكالمات المنزلية فى العادة من نصيب زوجها الكاتب الكبير لويس جريس، كانت الشللية كما هى الآن تُسيطر على الحياة الفنية، الطاقة الإبداعية داخل الفنان إذا لم يعبر عنها فى عمل فنى تظل تؤرقه وتٌعذبه، ولا يدرى ماذا يفعل، على الجانب الآخر كبرياء الفنان يمنعه من الشكوى، وكانت سناء جميل تردد كثيرا بيت شعر لكامل الشناوى ((لست أشكو ففى الشكوى انحناء / وأنا نبض عروقى كبرياء))، من الواضح أن تواجدها على الشاشة يسرق العين من النجوم بجوارها بدون أن تقصد، فلم تكن محل ترحيب على طاولات أغلب شركات الإنتاج، وهكذا عاشت سنوات من الكبت والعذاب الداخلى حيث تتحول ومضات الإبداع التى تشتعل داخل الفنان من حلم يومض إلى كابوس يقتل، سناء فنانة استثنائية فى تاريخ الدراما المصرية، سينما ومسرح وتليفزيون، ولكنها كانت تقف فعليا على الخط، فما الذى تفعله؟ لم تتصل بمخرج ولا كاتب ولا حتى شركة إنتاج، ولكن بمن يعمل لهم كل هؤلاء ألف حساب، إنهم النجوم، اختارت سناء أشهر نجمين وقتها فى السينما وقالت أريد أن أعمل، ووعدها النجمان بعد الترحيب اللائق بأدوار تليق بتاريخها، ونفذ أحمد زكى وعده بفيلمى ((سواق الهانم)) و((اضحك الصورة تطلع حلوة)) بينما عادل إمام لم ينفذ الوعد حتى رحيلها.

فى تلك السنوات، أتحدث عن نهايات التسعينيات، لم تكن دولة الدراما التليفزيونية قد أعلنت استقلالها بعد، وخضوعها المطلق لسطوة النجوم، لأننا كنا لا نزال نقف على مشارف العصر الفضائى الذى جاء ومعه قانون صارم، وهو أن المشروع التليفزيونى يُصنع من أجل النجم ولا شىء آخر سوى النجم، لأن الفنان الذى يبيع للفضائيات هو فقط الذى ترصد من أجله الأموال، وهكذا انتقل قانون السينما إلى التليفزيون، راجعوا معى شذرات من أحاديث الفنانين، تأملوها وخاصة عندما يتحدثون عن النجوم الذين يعملون معهم سواء أكان المتحدث كاتبا أو مخرجا، ستجدون دائما مساحات لا تدخل فى باب الإشادة ولكن الخضوع المطلق للنجم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أما لو كان المتحدث ممثلا فى بداية أو منتصف أو حتى نهاية المشوار، فسوف تستمعون إلى كلمات تعيدنا لزمن العبيد، لا تتورع فنانة أن تقول مثلا لو طلب منى عادل إمام أن أمسح الاستوديو سأفعل، وتقول أخرى يكفينى أن يُكتب فى تاريخى أننى جمعتنى لقطة معه، وسيقول ثالث دخلت التاريخ لأن الفخرانى أو عبدالعزيز أو يسرا أو غادة عبدالرازق أو مى عزالدين رشحنى للوقوف أمامه، دائما النجم هو الذى يرشح وإذا لم يكن النجم هو صاحب الكلمة الأولى والاختيار الأول فإنه فى الحد الأدنى وافق على الترشيح فكانت له الكلمة الأخيرة، لو سألت النجم سيقول أنا فقط أقترح، ولكن الرأى النهائى للمخرج، غير صحيح لا تصدقوهم، لا يوجد فى الحقيقة مخرج يستطيع أن يٌملى إرادته على النجم ولكن العكس هو الصحيح. حتى كتابة التترات لا تتم إلا بعد موافقة النجم على كيفية تتابع الأسماء، إطلاق لقب النجم على عدد من الممثلين هم فى الحقيقة لا يصنفون حاليا كنجوم ولكنهم لشعورهم بأنهم لم يعودوا كذلك يصرون على أن يسبقهم لقب نجم، النجوم الذين تباع الأعمال الفنية بأسمائهم لا يسبقهم عادة لقب نجم لن تجد مثلا أن التترات تقول على عادل أو يحيى نجم ولكن هالة صدقى ولبلبة ومصطفى فهمى وشيرين يحرصون على أن يذكروا جمهورهم بأنهم نجوم.

أسياد التليفزيون الذين يملكون مردودا تسويقيا، صحيح لم يعودوا يطلبون أن يسبقهم لقب نجم، ولكنهم يصرون على أن يأتى اسمهم سابقا المسلسل مع الاستعانة بحرف الجر ((فى))، فهم يقدمون رسالة مباشرة للجمهور بأنهم أصحاب الليلة، تابعوا مثلا عمرو يوسف فى ((جراند أوتيل)) برغم أن البطولة جماعية ولكن من الواضح أنه يملك قوة تسويقية بدرجة ما منحته القوة فى أن يسبق اسمه المسلسل ويضع أيضا حرف ((فى))، على الجانب الآخر فى مسلسل بطولة جماعية ((أفراح القبة)) وبرغم وجود عدد ضخم من النجوم أصحاب القدرة التسويقية مثل منى زكى وجمال سليمان وإياد نصار إلا أن اسم المخرج محمد يسن وفريق الفنيين يسبق الجميع، بينما الممثلون تكتب أسماؤهم فى نهاية كل حلقة وببنط صغير حسب أسبقية الظهور، يظل هذا هو الاستثناء الذى يؤكد القاعدة، لقد توغل وتوحش البعض وصاروا يتحكمون حتى فى أسلوب أداء المشهد ويتدخلون فى تغيير المسار للسيناريو، ودائما لديهم حسابات أخرى، لقد ذكر مثلا محمد رمضان فى أحد الحوارات الصحفية، أنه هو الذى رشح فردوس عبدالحميد لأداء دور أمه فى ((الأسطورة))، لو رجعت للأرشيف ستجد أن أقصى هجوم ناله رمضان قبل عامين بسبب مسلسله ((ابن حلال)) ودوره حبيشة جاء من فردوس عبدالحميد، كانت تتباكى على الوطن والعائلة والقيم النبيلة والشارع الذى انتهك حبيشة حرمته، وهكذا جاءت لتلعب دور أم رفاعى وناصر، نعم اختارها رمضان لأنها ممثلة موهوبة ولكنها ليست الوحيدة التى تصلح للدور، فهى تشارك فى نوع من الدراما كانت فى الماضى لا تكف عن الهجوم عليها بضراوة، تأملوا باقى تصريحاتها وكأنها تلميذة صغيرة فى مدرسة رمضان قالت ((لقد حذرونى منه قبل التصوير ثم اكتشفت كم هو نبيل ومتعاون)).

بالطبع النجوم يختلفون فى قدرتهم على فرض شروطهم تبعا لقوة الجذب الجماهيرى، فلا تتصور مثلا أن أمير كرارة ترصد له ميزانية لمسلسل ((الطبال)) طبقا للتكلفة الفعلية ولكن القدرة التسويقية لها الكلمة العليا، ((كل برغوت على قد دمه))، فإذا قلنا مثلا إن مسلسل رمضان ((الأسطورة)) تكلف 100 مليون جنيه، فإن مسلسل كرارة وطبقا للتسويق لن يتجاوز رقم 10.

خذ عندك مثلا، غياب نجوم الكوميديا أمثال محمد هنيدى وأحمد آدم وأشرف عبدالباقى وهانى رمزى ومحمد سعد عن الدراما يعبر بالضرورة عن تراجع رقمى فى التسويق، بينما تواجد على ربيع ومحمد عبدالرحمن ومحمد أسامة وأحمد فتحى وبيومى فؤاد يعبر عن تغير فى مفردات الضحك لصالح هذا الجيل، وهكذا صعدوا هم لصدارة المشهد وتوارى الآخرون. إنها لعبة الأسياد والعبيد التى نرصد شذرات منها على الشاشة وخلفها!!

tarekelshinnawi@yahoo.com